حذر وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية بيتر هين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي من اخطار استمرار القتال في الضفة والقطاع على العملية السلمية في الشرق الأوسط معرباً عن كبير تشاؤمه، واصفاً المسيرة السلمية بأنها قطار يقف حالياً على حافة هوة سحيقة. وقلل الوزير هين في حديث الى "الحياة" من اهمية رحلات طائرات بعض الدول الى بغداد، مؤكداً استمرار الحصار على العراق الى ان يطبق القرار 1284. أُجري الحديث في وقت كانت لقاءات باريس منعقدة لمحاولة وقف اطلاق النار بين الفلسطينيين والاسرائيليين. فكان السؤال الأول عن رأيه في المحاولات الاميركية، وهل تتوصل الى انقاذ عملية السلام المتعثرة؟ قال هين: الاهتمام الأول اليوم هو العمل على وقف اطلاق النار، لا بد ان تتوقف عمليات القتل، وعلى الطرفين ان يظهرا درجة عالية من ضبط النفس. اعتقد ان المفاوضات ستكون صعبة جداً، ونحن في الواقع نعمل بكل قوانا من خلف الكواليس للتوصل الى وقف لإطلاق النار. وفي الوقت نفسه اعي صعوبة الوضع اذا لم يتفق على وقف لإطلاق النار. ولكن الواقع ان علينا عدم السماح لهذا القتال بأن يعطل عملية السلام وإلا فإن أعمال العنف ستزداد، وهذا هو الشيء المثير للقلق، خصوصاً ان هذه الاعمال تجرنا الى السؤال: هل هذه بداية أعمال عنف أكبر وأشمل، فهذه هي المرة الأولى منذ العام 1948 التي نرى فيها هذه الاعمال تشمل العرب الاسرائيليين، أي الفلسطينيين داخل اسرائيل، وقد قتل عدد منهم. هذا شيء خطير جداً. وأولئك الذين يثيرون أعمال العنف هم دون شك أعداء لعملية السلام. تقول انكم تبذلون مساعي حثيثة لوقف اطلاق النار، فهل حضرتم اجتماعات باريس بشكل أو بآخر؟ - تحادث وزير الخارجية روبن كوك مع السيدة مادلين أولبرايت، والواقع اننا قلقون جداً، ونشعر بشيء من التشاؤم حيال ما يجري لأنه سيقوض العمل الدؤوب والجيد الذي قامت به جميع الاطراف منذ سنوات، وكنا على وشك قطف ثماره قبل الأحداث الأخيرة، والفلسطينيون سيكونون الخاسرين اذا خسروا هذه الفرصة. لماذا تحدد الفلسطينيين، وهم يخسرون كل يوم أرواحهم الى جانب فشل عملية السلام، أليس الاسرائيليون خاسرين ايضاً، أليس يفترض أنهم يريدون السلام ايضاً؟ - نعم، سيخسر الفريقان، واعتقد ان سمعة اسرائيل الدولية قبل الأحداث الأخيرة كانت قد وصلت الى مستوى عال جداً، وقد نجح رئيس الوزراء باراك في الحصول على هذه السمعة، هذه الأحداث مخزية بل مخربة جداً لهذه السمعة الطيبة، ومن هنا فإن الطرفين سيخسران. ولكن اسرائيل دولة وهي دولة قوية، ولديها قوة عسكرية ودولية كبيرة، في حين ان الفلسطينيين شعب لا يملك دولة حتى اليوم. وأنا لا أزال مقتنعاً بأن هذه هي أفضل فرصة حتى اليوم امام الفلسطينيين للحصول على دولتهم، أقول هذا وأنا الداعم دوماً لمثل هذه الدولة، وللحقوق الفلسطينية، واذا لم تستغل هذه الفرصة، فإن الفرصة الثانية التي ستأتي بعد سنوات سيكون المطروح فيها على طاولة المفاوضات اسوأ بكثير بالنسبة الى الفلسطينيين. على أي حقائق تبني هذا الرأي؟ - لست متأكداً الى متى سيستمر دفع قوة أجواء الانفتاح على السلام داخل اسرائيل، خصوصاً اذا ما جاءت حكومة برئاسة نتانياهو، عندئذ سنعود الى الوراء لأنه سيشيد المزيد من المستوطنات، وسيصبح مبدأ التفاوض على الأرض مقابل السلام أصعب بكثير، ومن هنا فإن علينا العمل بجهد كبير لإنقاذ الموقف. وهل يعني هذا دوراً أكبر لبريطانيا أو للاتحاد الأوروبي، خصوصاً ان المسؤولين الفلسطينيين يدعون الى مثل هذا الدور باستمرار، ويعتبرونه عنصراً للتوازن أمام الدور الاميركي المنحاز لاسرائيل؟ - اعتبر ان الدور البريطاني مميز جداً من خلال الاتحاد الأوروبي ومواز له، خصوصاً اننا نعرف الوضع ونفهمه جيداً، نحن أصدقاء لكلا الطرفين. وللأسف البعض يعتقد انا لا نفعل شيئاً وذلك لأننا لا نعقد اجتماعات قمة. والواقع انه من خلال اجتماعاتي الطويلة مع الرئيس عرفات ورئيس الوزراء باراك أواخر ايار مايو الماضي استطعنا تحقيق دفع جديد لعملية السلام. وحتى اليوم يبدو ان الطرفين سعيدان بالوساطة الاميركية، وربما لو تدخل الاتحاد الأوروبي اليوم في مفاوضات صعبة ومعقدة فإن هذا قد يأتي بنتائج غير مجدية. ولكن هذا لا يعني ان الاتحاد الأوروبي لا ينخرط بجدية في العمل على إنجاح عملية السلام. أمام هذه الصعوبات وما يجري من سفك للدماء، وخسارة لآخر خيوط الثقة بين الاسرائيليين والفلسطينيين، هل تعتقد ان الوصول الى اتفاق سلام ما أمر ممكن؟ - نعم، ولكنه اليوم أصعب بكثير مما كان عليه قبل ايام، ومن هنا شعوري بالتشاؤم، وأرى اننا نقف اليوم على حافة هوّة عميقة جداً ومظلمة جداً، اذا استمر القتال وفشلت عملية السلام. هل تؤيدون الطلب الفلسطيني تشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق بشأن الأحداث الأخيرة؟ - هذه مسألة لا بد من بحثها كجزء من الوصول الى وقف لإطلاق النار، الفلسطينيين يتمسكون بهذا المطلب ولديهم أسباب قوية، يقولون ان ليس لديهم ما يخفونه وان لهم كل الحق في هذا الطلب. نحن لا نزال ندرس المسألة. البعض في المنطقة يتحدث عن "بدائل للسلام" ويقال ان ما يثار في لبنان من دعوات للبحث في الوجود السوري، ربما يكون محاولة للعودة الى الفتنة وتفكك الوضع داخل لبنان لخدمة مصالح اسرائيل، فهل ان مثل هذا السيناريو وارد؟ - كلا... لا أرى ان هذا واضح، ولكن ما علينا عمله هو عدم السماح لعملية السلام بالانهيار، لأن النتيجة ستكون المزيد من سفك الدماء وعدم الاستقرار. وستبقى المنطقة بأسرها متخلفة اقتصادياً عن بقية العالم، وكل يوم يمضي من دون ان تشهد منطقة الشرق الأوسط سلاماً أو تقدماً نحو السلام تتأخر مسيرتها الاقتصادية بينما العالم بأكثره يتقدم. هذا يصيب الاسرائيليين والفلسطينيين وكل دولة في المنطقة بالضرر. ان عدم التوصل الى اتفاق سيعيد المنطقة الى الوراء في شتى مجالات الحياة. من السهل القول ان علينا عدم السماح بفشل العملية السلمية، لكن الواقع ان الشعب الفلسطيني يشعر بالمذلة والحرمان والظلم، ولن يستطيع أي زعيم فلسطيني التوقيع على أي سلام لا يأخذ في الاعتبار الحق العربي والاسلامي في القدس. فما هو المطلوب، المزيد من التنازلات الفلسطينية؟ .. - انا افهم هذا الغضب والحرمان الفلسطينييين، وأراهما في كل مرة ازور فيها الكيان الفلسطيني، ولكن المطلوب اليوم هو التفكير بعمق وروية. الموقف الفلسطيني هو اليوم اقوى بكثير مما كان عليه في بدء عملية السلام. انهم على وشك الحصول على دولة مستقلة اذا ما نجحت عملية السلام. وآمل بأن لا تعلن الدولة الفلسطينية من جانب الفلسطينيين بشكل احادي اذا توقفت المفاوضات. وهذا خيار اشار الفلسطينيون الى انهم قد يلجأون اليه اذا فشلت مساعي السلام. اعتقد انه خيار سيء بل سيء جداً، لان هذه الدولة لن تكون لها حدود معترف بها، ولن تكون لها اتفاقات امنية مع اسرائيل، وستبرز نزاعات باستمرار وستبقى قضية المستعمرات من دون حل، ولن يكون هناك تعاون اقتصادي بين الفلسطينيين والاسرائيليين وهو ضروري للطرفين، ولكنه اهم بالنسبة الى الفلسطينيين، ومثل هذه الدولة لن تستطيع الحياة والازدهار. وانا كداعية لقيام دولة فلسطينية مستقلة لا اريد لها مثل هذا المصير، بل افضل خيار قيامها ضمن اتفاقات السلام. هناك اعتقاد سائد اليوم بأن صدام تجاوز الحصار الدولي، وان الرحلات الجوية الى مطاره الدولي يومياً اشارة واضحة لذلك، فهل هذه بداية النهاية لكسر الحصار وربما العقوبات الدولية؟ - لا… لا… هذا غير صحيح، لا اعتقد ان عدداً بسيطاً من هذه الرحلات التي يستعملها صدام لاغراض دعائية واعلامية تعني هذا. الواقع ان العقوبات الدولية لا تزال في مكانها، وهذه الرحلات الانسانية لا تغير شيئاً في برنامج النفط مقابل الغذاء. ولن يحصل العراق على عائداته من النفط من 12 الى 20 بليون دولار هذه السنة حتى ينفّذ القرار 1284، ومثل هذه الرحلات سخيفة ولا معنى لها على الاطلاق. يقول العراقيون ان هناك نقاطاً غير واضحة في القرار 1284 مثل مصير الاموال المقتطعة من اجل دفع التعويضات واماكن التفتيش وغير ذلك، فهل هناك نيّة لديكم لتقديم تفسيرات لهذه النقاط؟ - اعتقد ان من المهم جداً ان يجتمع طارق عزيز وهانز بليكس، واذا كانت لدى العراق اي تساؤلات او استفسارات فانه يستطيع بحثها خلال هذا اللقاء. اما بالنسبة الى تفاصيل تطبيق القرار 1284 فاعتقد اننا عملنا بجد متواصل من اجل الحصول على هذا القرار. والدكتور بليكس يستطيع ايضاً البحث في كيفية تطبيق هذا القرار والتعامل مع النقاط الواردة فيه، ونصيحتي للنظام العراقي هي ان العديد من النقاط ستتوضح عندما يدخل المفتشون العراق ويبدأون عملهم، وسيستطيع الدكتور بليكس وبالاتفاق مع العراقيين تنفيذ القرار 1284 بطريقة ترضي الطرفين. اوساط عراقية ترى تباعداً بين السياستين البريطانية والاميركية ازاء العراق، هل هذا دقيق؟ - لا… هذا غير صحيح، لن نبتعد عن سياسة الاممالمتحدة، والقرار 1284 هو الحل الوحيد الموجود ولن يصدر قرار آخر، ولن تتغير السياسة نحو العراق بعيداً عن هذا القرار، ويستطيع العراق الاستمرار في تهريب البضائع عبر حدوده، ويستطيع صدام الاستمرار في استيراد عشرة آلاف زجاجة ويسكي وخمسين الف سيغار في اسبوع واحد في شهر آب اغسطس، ولكن في النهاية فإن مستقبل العراق مرتبط بتنفيذ القرار 1284، وهذا لن يتغير، الواقع انه من خلال اجتماعي هذا الاسبوع مع وزير خارجية قطر، ومن خلال اجتماعي اخيراً مع وزراء خارجية عرب، اكدت لهم بعدما قالوا انهم يحاولون اجراء حوار مع النظام العراقي اننا لا نحيد عن القرار 1284 وعلى العراق ان ينفّذه. يعتقد بعض الخبراء ان تعليق العقوبات الاقتصادية على العراق يعني نهايتها، لان عودتها ستكون كابوساً فما هو رأيك؟ - ولماذا لا يطبّقون القرار 1284؟ ان تعليق العقوبات يعني تعليقها، اي انها لا تطبّق، ولا اعلم ماذا سيحصل في المستقبل ولا اعرف ماذا سيجري خلال سنة او سنتين، عندما يبدأ العراقيون في بناء بلدهم، لا ادري ماذا يريدون ان يقولوا عنها، رفع ام الغاء للمقاطعة، وانا لا اخفي حقائق او أناور بل اتحدث عن الواقع. ما اريده هو عودة العراق الى الحظيرة الدولية كدولة محترمة ومهمة في المنطقة والعالم، والعراق دولة هامة استراتيجياً، وهي تستطيع فعل ذلك عندما تتوقف عن تهديد جيرانها، وتتوقف عن تطوير اسلحة الدمار الشامل، وتحترم امن الجميع. طبعاً بعد تنفيذ القرار 1284. بعد كل هذا يمكن ان تعيد الدول علاقاتها الديبلوماسية مع العراق. عليّ ان اقول هنا انه اذا كان صدام حسين يعتقد انه يربح بالجدل القائم حول المقاطعة، فهو مخطئ، لأن هذا غير صحيح ولا دقيق، ولا مستقبل لبلده مع العقوبات المفروضة. كيف تنظرون الى محاولات التقارب بين الايرانيينوالعراقيين؟ - العراق شنّ حرباً على ايران، واي عنصر من شأنه تخفيف حدّة التوتر بين البلدين لا بد ان يكون عنصراً ايجابياً. الكويتيون قلقون من التهديدات العراقية ضدهم، فكيف يمكن طمأنتهم؟ - اذا ما هاجم العراقالكويت وشن حرباً، فان ردّنا سيكون عنيفاً جداً، نحن لم نحرر الكويت ونذهب الى الخليج لنقبل بأن يهدد صدام أمن الخليج. وهل تأخذون تهديداته بقطع النفط على محمل الجدية؟ - اذا ما فعل هذا فإنه سيلقي بظلال الفقر والتعاسة على مواطنيه، وهو يتلاعب بمصيرهم. رأينا جميعاً فائدة برنامج النفط مقابل الغذاء، وسننشر قريباً جداً ملفاً يظهر كيف يتلاعب صدام حسين بمصير مواطنيه.