"وقفت قرب الباب أزرر معطفي ببطء وقلت لنانيا: قررت الاستقالة، تابعي التلفزيون"... هكذا يروي الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسن كيف أبلغ زوجته قراره المصيري في اليوم الأخير من عام 1999. هذه الواقعة وردت في كتاب "الماراتون الرئاسي" الذي سيحتفل يلتسن بتوقيعه السبت المقبل ويصدر لاحقاً مترجماً الى لغات عدة. ونشرت صحيفة "ارغومنتي اي فاكتي" الاسبوعية في عددها الأخير، فصلاً منه. وفي حديث الى الصحيفة، قال يلتسن انه تحدث في الكتاب عن رئاسته الثانية بما فيها من انجازات واخطاء. واكد انه تمكن من الحفاظ على الحريات ومنع الفوضى وصان الدولة والأمة. وقد لا يتفق كثيرون من الروس مع هذا التقويم، اذ يرون ان عهد يلتسن كان رحلة انحطاط أدت الى فقدان روسيا مواقعها الدولية وتردي أوضاعها الاقتصادية وتفشي الفساد والرشوة والاجرام في صورة غير مسبوقة. ومن دون الحديث عن واقع الاستقالة، يتحدث يلتسن في الفصل المنشور عن تفاصيل اتخاذه القرار. وذكر انه كان ابلغ خلفه فلاديمير بوتين، رئيس الوزراء انذاك، نيته الاستقالة في 14 كانون الأول ديسمبر. وطلب منه الموافقة على ان يكون رئيساً بالوكالة. واحتج بوتين بأنه "غير مستعد" لكنه وافق بعد جدل طويل. ولم يبلغ يلتسن احداً "تاريخ الاستقالة بل سجل في 28 الشهر نفسه، تهنئة الى الشعب كان ينبغي ان تبث ليلة رأس السنة. وبعد الاستماع الى التسجيل قال يلتسن: "صوتي فيه بحة والنص لم يعجبني وسنسجل ثانية". واربك ذلك كتّاب الخطابات الرئاسية، لكن يلتسن كتم عنهم نواياه وصارح فقط مدير ديوانه الكسندر فولوشين ومستشاره فالنتين يوماشيف الذي تولى تحرير "الماراتون الرئاسي" وكتابي يلتسن السابقين. وطلب يلتسن منهما التكتم "فاذا تسرب الخبر لتراجعت عن الاستقالة وارجأتها الى موعد آخر". واستثنى الرئيس ابنته ومستشارته تاتيانا لكنه رفض طلبها ابلاغ أمها سلفاً. وآثر ان يتريث حتى "اليوم الفاصل". وحين ابلغ زوجته نانيا النبأ، "جمدت في مكانها تنقل نظراتها بيني وبين تاتيانا ثم اقبلت تعانقني وتقبلني وتقول: يا للسعادة، أخيراً، هل حقاً سيحصل ذلك؟" ويبدو ان كلام زوجة يلتسن حرك في نفسه لواعج كثيرة اذ يقول "بدأت اتحول من سياسي الى انسان طبيعي" بحسبما قال في مذكراته. الا انه عاد الى طبيعته كرئيس فور وصوله الى الكرملين حيث اجتمع الى بوتين وثلاثة من كبار مساعديه واستدعى مصور التلفزيون وتلا المرسوم الرئاسي بالاستقالة. وحينما طلب منه مدير البروتوكول التريث اسبوعاً ريثما يزور بيت لحم في اطار الاحتفال بالالفية الثانية، لم يرد يلتسن بل التفت الى بوتين وشد على يده واكتفى بكلمة واحدة: "اهنئك"، ثم توجه الى غرفة مجاورة حيث تلا المرسوم مجدداً امام كاميرات التلفزيون. وبعد ذلك استدعى البطريرك الذي وصف الخطوة أنها "قرار رجال". وبعد تسليم الحقيبة النووية، اجتمع يلتسن وبوتين الى "وزراء القوة" وتناولوا طعام الغداء معاً وتابعوا بث الكلمة عبر التلفزيون ثم اعتذر يلتسن من الحاضرين وتوجه الى المخرج لكنه توقف ليهدي بوتين القلم الذي وقع به مرسوم الاستقالة ثم استقل السيارة التي "استدارت وهي تغادر الكرملين فاغمضت عيني وشعرت كم انا متعب".