دمغ الدور الاول من منافسات البطولة طابع التألق الكبير وغير المحدود للمنتخب الياباني، وبدا جلياً تقدمه باشواط بعيدة من باقي منافسيه عبر نوعية التحركات والتمركز على ارض الملعب، والتمرير الدقيق القادر على ايجاد الثغرات الكثيرة بسهولة في دفاعات المنتخبات الخصمة والتفهم التكتيكي لمعطيات المباريات وظروفها. ولفت في التألق الياباني ان احداً لم يلاحظ غياب نجمه هيديتوشي ناكاتا، المحترف في صفوف فريق روما الايطالي، والذي آثر عدم المشاركة من اجل التركيز على مباريات فريقه في الدوري الايطالي بالاتفاق مع المدرب الفرنسي فيليب تروسييه، ما اكد واقع قدرة اليابانيين على اللعب كمجموعة متناغمة وذات فاعلية كبيرة في المراكز كلها، والاعتماد على لاعبين يتحلون بالحنكة الكافية والمهارات الفردية المناسبة لعكس الصورة الكاملة للكرة الهجومية الحديثة وتأثيراتها الايجابية على النتائج، وهو امر لم يكن يواكب مسيرة المنتخب قبل اقل من عامين. ولا يخفى ان بعض المراقبين في اليابان اعتبروا ان غياب ناكاتا اعاد تكريس القوة اليابانية الفعلية، بعدما تأثرت سلباً بمستواه المتراجع في دورة العاب سيدني الاولمبية الاخيرة، والتي شهدت عودة نجوم مخضرمين الى التألق امثال هيرواكي موريشيما وهيروشي نانامي. ونجح نانامي خصوصاً في الدور الاول من هذه البطولة في استعادة ثقته بقدراته الكبيرة، وكسب النضوج الكافي لوضع قدراته الكبيرة في تصرف الاداء الجماعي بدلاً من استعمالها لغاية ابراز تألقه الذاتي، والذي تسبب بفشل انتقاله الى احد الاندية الايطالية في الموسم الماضي. وفي مقابل التألق الياباني، تكرست ظاهرة معاناة المنتخبات المرشحة الاخرى، وفي مقدمها المنتخب السعودي حامل اللقب، والذي حسم تأهله للدور ربع النهائي بشق الانفس عبر فوز مدوٍ ووحيد 5-صفر على حساب المنتخب الاوزبكستاني الضعيف. ولفت ان السعوديين خسروا المباراة الاولى امام المنتخب الياباني، والتي قدموا فيها عرضهم الافضل في الدور الاول، ما تسبب في اقالة المدرب التشيخي ميلان ماتشالا، علماً انه المدرب الثاني الذي يطاله هذا الاجراء من بعد مونديال فرنسا 1998، حين اقيل المدرب البرازيلي كارلوس البرتو بيريرا. ونجح السعوديون في التأهل للدور ربع النهائي بقيادة المدرب الوطني ناصر الجوهر، اكدوا مجدداً انهم يلعبون افضل في الاجواء التي تحيم عليها روح "الاسرة الواحدة". المنتخب الكوري الجنوبي كان من ابرز المرشحين ايضاً ولكنه سرعان ما خيب التوقعات عندما تعادل مع الصينيين وخسر امام القطريين. وكان العيب الاكبر في خط وسطه الذي عجز عن تمويل المهاجمين بالكرات الناجحة. كما واجه خط الهجوم حالاً من الجفاف باستثناء لي يونغ غوك. الخيبة الاكبر كانت من نصيب المنتخب الاوزبكستاني، حامل ذهبية دورة الالعاب الآسيوية في هيروشيما عام 1994، والذي خرج من الدور الاول من دون ان يحقق اي فوز، بل ومنيت شباكه ب14 هدفاً. وخالف ذلك منطق ضم صفوفه عشرة لاعبين محترفين في بطولتي روسيا واوكرانيا، وفي مقدمهم هداف الدوري الاوكراني وفريق دينامو كييف برصيد 26 هدفاً، مكسيم شاتسكيخ. لكنه عكس ايضاً منطق التحضيرات شبه المعدومة للبطولة، اذ ان لاعبيه لم يجتمعوا سوياً الا فترة عشرة ايام طوال العام الجاري، وخاضوا مباراة ودية دولية واحدة امام تركمانستان بصفوف مكتملة. كما عانوا من مشكلة افتقاد الامكانات المادية الكبيرة، علماً ان مسؤولي المنتخب احتفظوا بالقمصان التي خاضوا بها المباريات من اجل استعمالها لاحقاً. من جهة اخرى، عكست بعض المنتخبات تطورها مقارنة بمشاركاتها السابقة في البطولة، ومن بينها المنتخب التايلاندي، الذي لم يوفق في تجاوز الدور الاول. وهو ادهش الجميع باسلوب لعبه الهجومي المندفع، وعدم خشيته من منافسيه، وحتى المنتخب الايراني الذي تعادل معه 1-1 في مباراة شهدت تقدمه في غالبية الفترات، علماً ان كل التكهنات كانت تتوقع خسارته باربعة او خمسة اهداف في كل مباراة. ولا بد من الاشارة في هذا الاطار الى ان المنتخب التايلاندي خسر مباراته الاولى صفر-6 بقيادة المدرب البريطاني بيتر ويذ قبل اربعة اعوام. ولازم التطور ايضاً المنتخب الاندونيسي على رغم خروجه من الدور الاول، وخصوصاً على الصعيد التكتيكي في حين افتقد لاعبوه الحضور البدني، والذي اعجزهم كلياً امام منتخبي الصينوكوريا الجنوبية، وكذلك الحال بالنسبة الى المنتخب العراقي، الذي اثبت باحتلاله المركز الثاني في المجموعة الاولى امتلاكه عناصر فردية جيدة، لكن خطة مدربه اليوغوسلافي ميلان زيفادينوفيتش المعتمدة لم يهضمها اللاعبون جيداً. وبقي المنتخب اللبناني اسير تواضع امكانات لاعبيه الفنية، والتي لم يعوضها التصميم الكبير على الفوز في ظل استضافته البطولة على ارضه وبين جمهوره. وعكس هذا التصميم ردة الفعل الكبيرة بعد تلقيه هدفين في مباراته الثانية امام المنتخب العراقي، بعدما كان مني بهزيمة ساحقة باربعة اهداف في مباراته الاولى امام المنتخب الايراني. بعد تكتيكي جديد وفي الدور ربع النهائي، تواصل تألق المنتخب الياباني الذي بلغ بعداً تكتيكياً جديداً في مباراته امام المنتخب العراقي بفوزه عليه 4-1، وظهرت قدرات جديدة للاعبيه تمثلت بشن الهجمات انطلاقاً من الدفاع، وبالاعتماد على عناصره جميعها من دون التركيز على لاعبين او ثلاثة، ما صعب مهمة المنتخبات المنافسة في فرض رقابة لصيقة على مفاتيح اللعب اليابانية. في المقابل ظهر جلياً ضعف التغطية الدفاعية على الجهة اليسرى في الدفاع الياباني في ظل تواضع مستوى شونزوكي ناكامورا، وهي التي حاول العراقيون استغلالها في شكل كثيف من دون نجاح. وبدوره عكس المنتخب الصيني عبر تأهله السهل على حساب المنتخب القطري، الذي واجه مشكلات غياب بعض لاعبيه الاساسيين في البطولة عموماً، صورة المنافس الجدي الفعلي شبه الوحيد للمنتخب الياباني، وارتكز ذلك على فاعليته الهجومية الكبيرة، التي اثمرت امتلاكه ثاني افضل خط هجوم برصيد تسعة اهداف. وابرز ما يميز الهجوم الصيني حسن تحرك اجنحته، واجادة العاب الهواء وضربات الرأس. اما المنتخب السعودي فأكد علو كعبه على الكويت في البطولات الآسيوية، لكنه عانى بعض الشيء من قلة التنظيم والتركيز. ولفت اداء محمد الشلهوب والبديل طلال المشعل الذي نال لقب افضل لاعب في المباراة. واذ كان لا بد من مفاجأة في هذا الدور، فهي ارتبطت بالمنتخب الكوري الجنوبي، الذي حول اداءه غير المقنع في الدور الاول الى وسيلة لاخراج المنتخب الايراني القوي. وعاد الفضل في ذلك الى ربط الاداء بالروح القتالية العالية والفاعلية الهجومية، اضافة الى خطأ علي دائي الذي مكن الكوريين من ادراك التعادل 1-1 في الدقيقة الاخيرة، ومن ثم الفوز بالهدف الذهبي. وفي الدور نصف النهائي، اجتاز اليابانيون الامتحان الاصعب امام الصين 2-3، بعدما واجهوا مشكلات دفاعية كثيرة زعزعت جزئياً من صورتهم الخارقة، في حين اخذ طلال المشعل على عاتقه مهمة تأهل السعودية على حساب منتخب كوريا الجنوبية 2-1 بتسجيله هدفين في اربع دقائق.