} ضربت المنشطات عالم الرياضة بقوة في الآونة الاخيرة، وبات اكتشاف حالات للغش امراً مصاحباً لكبرى المنافسات الرياضية وفي مقدمها، طبعاً، الدورات الاولمبية. "وحكاية" المنشطات قديمة قدم الالعاب الاولمبية ذاتها، لكنها لم تكتشف الا اخيراً بفضل التطور العلمي والتكنولوجي الذي بدأ اواخر القرن الماضي. واذا كان السويدي هانس غونار ليلجينفال المسابقة الخماسية هو صاحب اول حال منشطات اكتشفت عام 1968 في اولمبياد المكسيك، فأن العداء الكندي بن جونسون كان صاحب الفضيحة الاكبر بعد اثبات تناوله مواد منشطة عام 1988 في سيول، وذلك بفضل التطور الاعلامي المرئي الذي نقل الحدث على الهواء مباشرة الى الملايين من البشر التي شهدت اول حال تجريد من ميدالية اذ سحبت ذهبيته في سباق 100م ومُنحت الى الاميركي الشهير كارل لويس. لكن "التأريخ" اكد ان رياضيي الدورات الاولمبية القديمة التي جرت في جبال "الاولمب" تناولوا المنشطات ايضاً. ربما تكون آفة المنشطات هي اخطر ما تتعرض له الرياضة لأنها تقضي بصورة او بأخرى على فكرة التنافس الشريف من اجل اثبات القدرات البشرية، وتجعل من الغش سبيلاً لكسب الشهرة والمال من دون وجه حق. واللافت ان هذه الظاهرة رافقت الدورات الاولمبية دائماً، وفي الوقت الذي منى رئيس اللجنة الاولمبية الدولية نفسه بدورة اخيرة له "نظيفة جداً" تبددت احلامه وتبخرت اذ ثبت تناول 8 رياضيين المنشطات في دورة سيدني التي اختتمت قبل يومين. وكان رياضيو الدورات الاولمبية القديمة في جبال "الاولمب" اليونانية لجأوا الى تناول مواد منشطة مصنوعة من مزيج من النباتات المقوية المتنوعة، او من مأكولات عرفت باحتوائها طاقات حرارية كبيرة ما عزز من قدراتهم البدنية. ومن هذه المواد تحديداً، وفي ظل التطور التكنولوجي والطبي في القرن العشرين بدأ تصنيع ادوية خاصة تحتوي عليها استخدمت في البداية في سباقات الاحصنة والدراجات ونزالات الملاكمة. وكرت سبحة الادوية مع مرور الاعوام، وظهرت الفيتامينات واول انواعها كان الايفيدرا. وكمنت اهمية هذه الفيتامينات في انها تزيل الشعور بالتعب والجوع وترفع ردات فعل الجهاز العصبي. وبدأ استعمال الفيتامينات في دورة الالعاب الاولمبية عام 1936 في برلين، وفي عام 1958، اكتشفت مختبرات الادوية الديانابول الشهير، وفي عام 1960 اتهمت هذه المقويات بأنها وراء تحسين ارقام قياسية عدة في مسابقات العاب القوى خصوصاً. ولجأ الرياضيون بعد ذلك الى استعمال الهورمونات كالبروتيين والستيروييد، وهي تنمي العضلات بسرعة ومن دون اي زيادة في الوزن. وتبين لاحقاً ان اربعة اصناف منها في طليعة المواد المنشطة هي التستوستيرون والغونادوتروفين كوريونيك والانسولين وهرمونات النمو. وظهرت ايضاً اساليب جديدة لتقوية العضلات عبر استعمال الاجهزة الكهربائية، ثم سوقت الى مادة تعتبر في الصف الاول للمنشطات حالياً، هي الاريتروبويتين ايبو. واجرت اللجنة الاولمبية الدولية اول اختبار للكشف على المنشطات في دورة الالعاب الاولمبية في المكسيك 1968، وظهرت نتيجة ايجابية وحيدة كان صاحبها السويدي هانس غونار ليلجينفال في المسابقة الخماسية. وتوالت مذاك عمليات الكشف عن المنشطات، وتم اكتشاف سبع حالات في دورة الالعاب الاولمبية في ميونيخ 1972 و11 حالاً مونتريال 1976 و12 حالاً لوس انجلس 1984 و9 حالات سول 1988 و5 حالات برشلونة 1992 و7 حالات اتلانتا 1996. ولا يخفى تشكيل هذه المواد ركيزة للرياضيين في تحقيق الاهداف الوطنية الجماعية، ومن بينها اهداف الاتحاد السوفياتي السابق في نشر النظام الشيوعي وترويج صورته في العالم كرمز للتفوق الرياضي المطلق، واهداف الدول الغربية عموماً التي سعت الى اتباع خطوات الاتحاد السوفياتي في هذا المجال. ولمس العالم كله الواقع الحقيقي لغرق الرياضة الكبير في وحل المنشطات، لدى ثبوت الفحص الايجابي لفحص مادة "الستيروييد ستانوزولول" لدى العداء الكندي بن جونسون بعد فوزه في سباق 100 متر في دورة سيول 1988. واعتمدت اللجنة الدولية في سيدني فحصين لهورمون الايريثروبويتين ايبو، الى جانب فحصوصات المواد المنشطة الاخرى، ما عزز وسائل ضبط عمليات الغش. جدال لا ينتهي ولا يزال الجدال الكبير قائماً حول الارقام القياسية التي تحققت قبل اعتماد فحوصات المنشطات رسمياً في العاب القوى عام 1989، ومن بينها 12 رقماً في فئة السيدات، اهمها الرقمان القياسيان للاميركية الراحلة فلورنس غريفيث جوينر، والتي توفيت لاسباب مجهولة في العام الماضي. وشكلت رفع الاثقال الميدان الاكبر لثبوت الحالات الايجابية لتناول المنشطات في الدورات الاولمبية، وبادر الاتحاد الدولي الى الغاء الارقام القياسية العالمية كلها التي سجلت قبل اولمبياد برشلونة 1992بحجة "تلوثها" بالمنشطات. وتلتها رياضة السباحة، التي لم تتوقف حالات تناول المنشطات فيها منذ التسعينات من القرن الماضي، وخصوصاً لدى الصينيات. واللافت ان احداً من الرياضيين الذين ثبت تناولهم المنشطات في الرياضات كافة لم يعترف بذنبه، وطالبوا غالباً بحماية اتحاداتهم التي لبت النداءات مرات عدة لتوجد التحدي غير المجدي في مواجهة قرارات الاتحادات الدولية وقراراتها. وطالب مسؤولون في بعض الاتحادات ايضاً بعدم حظر استعمال المواد التي لا تتسبب بأذى جسدي مباشر على الرياضيين، مكرسين امكان تعزيز سيطرة الجسم الطبي على الانجازات والارقام القياسية، ما يشكل تغييراً في مفهوم الدورات الحديثة. ولا يخفى ان ذلك يرتبط بتغير مفهوم الرياضة عموماً باعتبارها ميداناً تجارياً كبيراً يلغي جانب الثقة ليحل بدلاً منها المصلحة المادية بالدرجة الاولى.