اكملت اربعة منتخبات عربية طريقها الى الدور ربع النهائي من كأس الامم الآسيوية الثانية عشرة لكرة القدم التي يستضيفها لبنان حتى 29 تشرين الاول اكتوبر الجاري، ووحده لبنان صاحب الارض خرج من الدور الاول. وتتفوق منتخبات غرب آسيا كما في البطولة الماضية في الامارات عام 1996 التي نتج عنها تأهل اربعة منها الى نصف النهائي ايضاً، لان خمسة منها بلغت ربع النهائي هي: السعودية حاملة اللقب والكويتوقطروالعراقوايران، واكملت اليابانوكوريا الجنوبيةوالصين من شرق القارة عقد دور الثمانية. وكان تأهل المنتخبات الثمانية متوقعاً لأنها الاقوى والافضل، لكن النقاد اعطوا املاً للبنان لأنه يلعب على ارضه وبين جمهوره واستعد مطولاً للبطولة لكي ينضم الى الكبار في الدور الثاني على الاقل. ومن الفرسان الثمانية من مرّ بفترات صعبة جداً ومنهم من كان قلقاً على مصيره، فيما كان البعض واثقاً فوق العادة وشكل الدور الاول بالنسبة له نزهة قد لا تتكرر في الادوار المقبلة. ولأن التجارب والعبر في كرة القدم كثيرة، لا يمكن التكهن بالمنتخب الذي سيفوز بالبطولة من خلال العروض التي قدمها في الدور الاول، لأن مباريات الادوار النهائية اشبه بمباريات الكؤوس التي لا ترحم احياناً والتي قد تطيح بابرز المرشحين اذا عاندهم الحظ، خصوصاً اذا كان الحسم عبر ركلات الترجيح. ويتبع في الادوار النهائية النظام الذي بدأ مع البطولة الآسيوية عام 96، والذي يطبق في بطولة اوروبا وكأس العالم، اي قاعدة الهدف الذهبي في حال انتهى الوقت الاصلي بالتعادل، ثم يتم اللجوء الى ركلات الترجيح في حال استمر التعادل في الوقت الاضافي. وفرض المنطق نفسه وبدا المنتخب الياباني مرشحاً ابرز وبفارق بعيد عن منافسيه، ثم تأتي ايران بمحترفيها في المرتبة الثانية من ترشيحات النقاد، ودخل المارد الصيني على الخط بقوة ساحباً البساط من تحت اقدام كوريا الجنوبية وطارحاً نفسه منافساً جدياً على اللقب. الصورة الحقيقية لبطل عربي محتمل لكأس اسيا 2000 لم تتضح بعد، لأن السعودية لم تصل الى مستواها المعروف ومرت بتجربة مريرة في مباراتها الاولى، والكويت اثبتت انها رقم صعب لكنها لم تقنع تماماً بعد، وقطر انتزعت ثلاثة تعادلات باداء شجاع، والعراق بدأ جيداً ثم اصطدم بفارق المستوى عن المنتخبات الاخرى. أجمع النقاد على ان العملاق الياباني هو الاوفر حظاً والاجدر باحراز اللقب للمرة الثانية في تاريخه بعد البطولة العاشرة عام 90، لانه اقنع الجميع بقدراته العالية وامكانات لاعبيه الفنية التي تؤهلهم الى التحكم بمجريات اية مباراة لهم وبأن ذلك واضحاً من خلال فوزين كبيرين على السعودية 4-1 واوزبكستان 8-1. ولا يعبر التعادل الاخير مع قطر عن جدية اليابانيين لانهم شاركوا بتشكيلة جلها من الاحتياطيين بعد ان كانوا اول المتأهلين الى ربع النهائي. واذا فرض المنطق نفسه ستشق اليابان طريقها الى المباراة النهائية، لان اداءها برهن عن صورة مرشح حقيقي للقب، ويكفي انها تخطت عقبة السعودية حاملة اللقب بأربعة اهداف لواحد كان خطأ في مرماها، ثم التهمت اوزبكستان بثمانية، بفضل تشكيلة متفاهمة ومتوازنة في جميع خطوطها. وتخوف البعض في البداية من ان يؤثر غياب ابرز لاعبي اليابان هيديتوشي ناكاتا، مهاجم روما الايطالي، على فرص منتخب بلاده في اثبات وجوده، فكانت الساحة خالية امام زملائه اكينوري نيشيزاوا وناوهيرو تاكاهارا وغيرهم لفرض انفسهم، فشكلوا قوة هجومية ضاربة ستكون موضع اهتمام من جميع المنتخبات. ويبدو ان مدرب اليابان الفرنسي فيليب تروسييه كان واثقاً جداً ويعرف ما يقول عندما اعلن ان اليابان لن تلقى اية منافسة من احد على اللقب، وبالغ في اعتبار منتخبه المرشح الاوحد له، ويدل ذلك على حسن استعداد ومعرفة نقاط القوة والضعف في تشكيلته التي يعدها الاتحاد الياباني منذ ثلاث سنوات لتظهر بصورة جيدة في نهائيات كأس العالم عام 2002 الذي تتقاسم ضيافته اليابانوكوريا الجنوبية معاً. كما ان علو كعب اليابانيين ظهر في دورة الالعاب الاولمبية في سيدني حين بلغوا ربع النهائي. ويشكل لاعبو الاولمبي نواة المنتخب الاول الذي لن يبعده عن اللقب الآسيوي سوى سوء الطالع. ومر "الاخضر" بأزمة كبيرة في مباراته الاولى إثر خسارته امام اليابان بالذات 1-4 وهو ما لم يكن احد يتوقعه، وكان المدرب التشيكي ميلان ماتشالا ضحية هذا الاخفاق فأسندت المهمة بعده الى المحلي ناصر الجوهر. وكان لتحسن الحالة المعنوية للاعبي السعودية أثره في عودة الاخضر تدريجاً الى المنافسة، فأجرى جوهر تعديلات على التشكيلة التي واجهت قطر واستمر فيها العقم لأنها انتهت سلبية على رغم اشراك المهاجمين الخمسة. ومضى الجوهر في تبديلاته وأشرك الناشىء محمد الشلهوب الى جانب مرزوق العتيبي وسامي الجابر في خط الهجوم امام اوزبكستان، فخطف الاضواء منهما وسجل ثلاثة اهداف وكان وراء الرابع، وخاض مباراة كبيرة كان فيها محور اداء منتخب بلاده. وعلى رغم الاهداف الخمسة، فإن السعودية لم تصل بعد الى المستوى الذي يمكنها من المنافسة على اللقب لأن المواجهات ستكون اصعب في الادوار التالية، كما ان مشكلة خطيرة تلازم مهاجميها الاساسيين، ففضلاً عن العتيبي والجابر هناك حمزة ادريس، الذي يسجل هدفاً في كل مباراة تقريبا مع فريقه الاتحاد، وعبيد الدوسري، لأنه من غير المضمون ان يبقى الشلهوب على الوتيرة ذاتها في جميع المباريات التي يخوضها. وبات العبء النفسي كبيراً على الجابر، المحترف في وولفرهامبتون الانكليزي، لأنه لم يهز الشباك في ثلاث مباريات، مع ان السعوديين يعولون عليه كثيراً لقيادتهم الى الاحتفاظ باللقب. ويمكن وصف منتخب قطر ب"الشجاع" لانه خاض مبارياته الثلاث بعزيمة واصرار على تسجيل نتائج جيدة فيها وحجز بطاقته الى ربع النهائي، وهو كان اهدر فوزاً كان سيريحه كثيراً على اوزبكستان قبل ان يتعادل مع السعودية سلباً ومع اليابان 1-1. واستناداً الى ما يقوله مدرب "العنابي" البوسني جمال حاجي من انه لا يملك على مقاعد الاحتياطيين لاعبين بنفس مستوى الاساسيين، فان ما قدمه القطريون من اداء شجاع يحسب لهم خصوصاً ان نتائجهم في المباريات الودية التي سبقت البطولة مباشرة كانت غير مشجعة. وفي قراءة دقيقة لاداء منتخب لبنان في مبارياته الثلاث، يمكن استنتاج امرين: الاول انه كان لا يستحق التأهل الى ربع النهائي لأنه في بعض الفترات لم يكن يقدم كرة قدم مقنعة، والثاني انه كان يستحق ذلك قياساً على ادائه امام العراق وفي نصف الساعة الاخير امام تايلاند، لكن ذلك ليس كافياً لان المستوى يجب ان يكون ثابتاً باستمرار. ومع ان الجميع اعتبر تايلاند الحلقة الاضعف في المجموعة الاولى، الا انها كادت تخطف بطاقتها الى دور الثمانية. وتغيرت ملامح المنافسة في المجموعة الثالثة واصبح ميزان القوى في مصلحة الكويتوالصين فيما كانت كوريا الجنوبية القوية تبحث عن نتيجة لتكون من افضل منتخبين يحتلان المركز الثالث لتعبر من خلالها الى ربع النهائي. ولعبت الصين وامتعت واقنعت منذ مباراتها الاولى وبات تصميمها على المنافسة على الزعامة الآسيوية عندما حولت تخلفها مرتين امام كوريا الى تعادل بعد اداء سريع وممتع. وتابعت الصين تفوقها وتأكيدها على علو كعبها بقيادة مدرب محنك اختبر الظهور في كأس العالم في المرات الاربع الاخيرة هو اليوغوسلافي بورا ميلوتينوفيتش، ولقنت اندونيسيا الطرية العود درساً بأربعة اهداف نظيفة، ثم تعادلت مع الكويت سلباً في مباراة لعبت فيها الحسابات الدور الاكبر بغض النظر عن الفنيات. ويمكن ان نقول ان الصين فرضت نفسها مرشحاً على اللقب لكن مباريات الكؤوس تختلف عن غيرها لان الخطأ ممنوع في الادوار النهائية. وفاجأ منتخب الكويت الجميع بعقم هجومه وهو الذي يملك قوة ضاربة اثبتت فعاليتها في اكثر من مناسبة، فلم يسجل اكثر من هدف واحد في ثلاث مباريات مع ان الثنائي الشهير جاسم الهويدي وبشار عبدالله كانا اساسيين دائماً. وتحسن اداء "الازرق" تدريجاً، فبعد عرض متواضع امام اندونيسيا التي كان من المتوقع ان تنتزع منه ثلاث نقاط، انتهت الامور الى التعادل السلبي ما وضع لاعبي الكويت تحت ضغط التفوق على احد العملاقين الكبيرين كوريا او الصين. وكان الازرق على الموعد عندما تغلب على كوريا بهدف للهويدي كان كفيلاً في وضع منتخب بلاده على طريق ربع النهائي، وكان التعادل ايضاً في المباراة الاخيرة مع الصين. ولا تخفي الكويت سعيها الى احراز الكأس للمرة الثانية بعد عام 1980، لكن المهمة لن تكون سهلة على الاطلاق خصوصاً ان ما اظهرته في الدور الاول ليس كافياً لوضعها في خانة المرشحين البارزين على اللقب وعليها معالجة مشكلة العقم الهجومي الذي يشكل سلاحها الفعال حتى تحقق غايتها. وصدمت كوريا الجميع، لأنها بعد العرض الشيق لها امام الصين الذي اهدرت فيه فيه فوزاً اكيداً، خسرت امام الكويت، وانتظرت حتى مباراتها الاخيرة امام اندونيسيا حتى تفوز 3-صفر، لكنها باستثناء بعض اللمحات لم تعكس تاريخها الكروي الزاخر خصوصاً على صعيد مشاركاتها في نهائيات كأس العالم لانها تعتبر السفيرة الافضل تمثيلا للقارة الصفراء. وأحيت كوريا املها وستكون الحسابات مختلفة في الادوار النهائية ولا يمكن اغفال الكوريين من المنافسة على الاطلاق لانهم يحاربون حتى اللحظات الاخيرة. وشأن اندونيسيا كشأن المنتخبات الضعيفة التي تنتهي طموحاتها في الدور الاول بانتظار ان يكتسب لاعبوها الخبرة المطلوبة لتحقيقها.