"لسه الدنيا بخير" و"اذا خليت خربت" عبارات يطلقها اهل الشام كلما ضاقت الحال بهم واشتدت الازمات لثقتهم بكثرة اهل الخير "الذين يعطون مما اعطاهم الله ولامنية لهم بذلك" كما تقول احدى الدمشقيات التي جارت عليها الدنيا واضطرتها لطلب المساعدة. وطالبو الحاجة اليوم كثر يتوافدون بأعداد كبيرة من داخل المدينة وخارجها طلباً للمساعدة بخاصة بعد ازدياد العاطلين عن العمل نسبة البطالة نحو 20 في المئة والركود الاقتصادي الذي تعانيه البلاد ناهيك عن موجة الجفاف التي تضرب المواسم الزراعية منذ اكثر من ثلاث سنوات. والدمشقيون بطبيعتهم يخافون الله ويؤمنون بأن "صدقة قليلة تدفع بلاوي كبيرة" و"الحسنة بعشرة امثالها" لذلك وعلى رغم قلة ذات اليد وركود الاسواق نجد ان التبرعات زدات في السنوات الاخيرة عكس المتوقع ووصلت في احدى الحفلات الخيرية في "دار السعادة للمسنين" الى 40 مليون ليرة الدولار يعادل خمسين ليرة تقريباً، غير ان هذه التبرعات بدأت في السنوات الاخيرة تأخذ قالباً مقوننا بعض الشيء "كي تذهب الصدقة لمستحقيها" لذلك تطور العمل الخيري ليأخذ شكل "جمعيات خيرية" تضم آلاف الاسر ويشترك في تمويلها المحسنون والجوامع ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل. وتختلف الجمعيات الخيرية فيما بينها تبعاً لاختلاف حجم المساعدات المالية والعينية التي تتلقاها، فاحدى الجمعيات مثلاً تعيل 250 عائلة تضم نحو 750 شخصاً تحسب الرواتب فيها تبعا ً لمكانة كل شخص في العائلة، فرب الاسرة يأخذ راتباً شهرياً قدره 500 ليرة نحو عشرة دولارات والزوجة 500 ليرة وعن كل ولد 100 ليرة "منعاً لتدخل العلاقات الشخصية والمعارف" كما يقول القائمون على الجمعيات، فيما تقدم جمعية اخرى مبلغ الف ليرة فقط لكل عائلة علماً انها تعيل 215 عائلة وجمعية اخرى تقدم مساعدة لاكثر من 400 عائلة. وبعض الجمعيات تقسم المساعدات الى نوعين من الاسر، العائلات التي تسكن في منطقتها تأخذ راتباً شهرياً يتراوح بين 1500 و 2000 ليرة ومن خارج المنطقة تأخذ راتباً اقل يتراوح بين 500 و1000 ليرة والسبب "ان العائلات خارج المنطقة قد تتلقى مساعدات من جمعيات اخرى"، وتصل قيمة المعونة في بعض الجمعيات الى 2500 ليرة وأكثر. وبالطبع يتأثر دخل كل جمعية وفقاً لعوامل عدة منها ثقة المتبرعين بمجلس ادارة الجمعية والاشتراكات الشهرية التي يقدمها بعض المحسنين كل شهر ويصل مدخول بعض الجمعيات الى نحو 50 مليون ليرة سورية سنوياً وتعيل مئات الاسر والاطفال الايتام. ومن اسلوب عمل هذه الجمعيات تقديم رواتب مضاعفة في فترات زمنية محددة مثل بداية العام الدراسي وفصل الشتاء والاعياد وشهر رمضان. ويشرح احد المستفيدين من هذه الجمعيات: "احصل على راتب شهري من الجمعية يساهم في اعالة اسرتي المؤلفة من ستة اشخاص. خمس بنات وصبيان، وبعد ان تعرضت لحادث وفقدت قدرتي على العمل يساهم ماتقدمه الجمعية لي مع عمل اطفالي الاثنين في سد رمق العائلة"، لكنه يتمنى على الجمعية ان "تأخذ غلاء المعيشة في الاعتبار". ويوضح احد رجال الاعمال وعضو مجلس ادارة احدى الجمعيات السيد عرفان دركل ان الجمعية تقدم "اللحوم" وبعض المواد الاساسية بشكل شهري لبعض العائلات الى جانب صرف وصفات طبية او اجراء عمليات جراحية تصل الى مئات الالوف من الليرات. ويضيف "نقوم بصرف اموال طائلة على المرضى ونتكفل بمصاريف العلاج مهما بلغت، بالطبع بعد ثبوت حاجة السائل الى العلاج". وحسب الاحصائيات قدم "صندوق العافية" العام الماضي نحو 2160 عملية بقيمة 57 مليون ليرة خصصت لاجراء عمليات جراحية وخصص 5 في المئة منها لمكافحة التسوّل. يشار الى ان للجمعيات اتحاداً خاصاً لتنظيم عملها وتوجيهه بشكل سليم وفيه اضافة الى صندوق "عافية" صندوقان هما "الصندوق الوطني لتشغيل المعوقين" و"صندوق المودة والرحمة لتزويج العزّاب". وبلغ مجموع ما قدمته الجمعيات الخيرية العام الماضي نحو 560 مليون ليرة. كما انها تنشط في مجال تقديم المساعدات وتعليم المهن والتمويل وتقديم المساعدات العينية والنقدية لتأهيل المحتاجين وتأمين وسيلة انتاج بسيطة تمكنهم من الاكتفاء الذاتي. في المقابل تساهم وزارة الشؤون بدعم عمل الجمعيات اذ تقدم نحو 16 مليون معونة سنوية كما تنظم الاعانات التي تقدم للمحتاجين اضافة الى الاشراف المالي والادراي على عمل الجمعيات ومنح التسهيلات لعملها. ويختلف حجم المساعدات التي تقدمها الوزارة تبعاً لاختلاف نشاط الجمعية، فهناك جمعية المساعدات الخيرية وجمعية رعاية المعوقين والمسنين والايتام والصحية والنفسية والثقافية والادبية والعلمية والتعليمية. وتعمل الوزارة على خلق الثقة بين الجمعيات والمتبرعين "كون الاساس في عمل الجمعيات هو التبرع" وذلك من خلال وضع القيود والضوابط على قبول التبرعات ووصلها الى مستحقيها فعلا وتقوم الوزارة بجولات نصف سنوية واحيانا ربعية على الجمعيات لتوجيه النصح وتقديم العون. اما آلية معرفة المحتاج للمعونة من غيره فيقوم على اسلوبين الاول يتقدم صاحب الحاجة الى الجمعية في منطقته وبعد دراسة حالته من قبل مختصين تتم الموافقة على طلبه او رفضه، والثاني يقوم بعض فاعلي الخير ممن يعرفون اسر تتعفف في طلب المساعدة بلفت نظر القائمين على الجمعية لاعالتهم. لكن الامر لايخلو من بعض حالات النصب التي يتقدم بها بعض ضعاف النفوس كما يقول السيد احمد غزال عامل في احد الجمعيات الخيرية ويضيف "تتقدم لنا طلبات من مواطنين ليسوا بحاجة، بل يستطيعون ان يصرفوا على الجمعيات"، ويروي قصة احد المواطنين الذي تقدم بطلب اعانة وبعض دراسة وضعه تبين انه يملك منزلين واحد للسكن والاخر للاجار ولديه ثلاثة اولاد كلهم يعملون ولديه محل لبيع لبيع الاكسسوارات.