من أولى اهتمامات الدراسات الانسانية والعلوم الاجتماعية في وقتنا الراهن تتعلق بمشكلات الشباب، فهذه المشكلات في طريقها لأن تصبح محل اهتمام عالمي، حيث دعي الى اعتبار عام 1985 عام الشبيبة، من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، فطالبت بتوجيه الدعوة الى حكومات العالم لتكريس جهودها واهتماماتها في وضع دراسات واستراتيجيات لمعالجة مشكلات الشباب والعمل على زيادة مشاركتهم الاقليمية والدولية في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والأسرية والتربوية كافة. هذه المشكلات كثيرة ومتعددة وتعود لأكثر من سبب، ولكن بالامكان الاحاطة ببعضها، فالدراسة السوسيولوجية لهذه الظواهر في مجتمعاتنا العربية، يمكن اعتبارها منصبة على البحث في الأسباب الاقتصادية والاجتماعية لما ينجم عنها من تأثير في البنية النفسية والثقافية للشباب العرب. وكمحاولة للإلقاء الضوء على هذه الأسباب كانت الحوارات الشبابية التالية: الشاب جمال الدين 30 سنة، يعمل في مهنة التدريس يقول: المنزل له الدور الأكبر في التكوين الشبابي نفسياً واجتماعياً، فهو يرى ان الكثير من القيم وانماط السلوك الاجتماعية، التي نهلها الشاب منذ طفولته، تكبر وتتطور معه. ويضيف: لكن علينا ان لا ننسى ان ذلك مرهوناً، بالتعليم والقراءة الثقافية، فهناك شبان لم يتسن لهم متابعة تعليمهم، ولم يجدوا من يدفعهم الى القراءة والمطالعة. الشاب مفيد عيد 27 سنة خريج كلية التربية قسم علم النفس يقول في هذا الصدد: ان ذلك يمكن الجزم فيه من خلال واقع المنزل المعاش من قبل الشاب. فهناك منزل ينعدم فيه التأقلم، تعج فيه الصراعات والمشاحنات بين أفراد الأسرة من أب وأم وأبناء حول شؤون المنزل والمعيشة والعلاقات الاجتماعية الناشئة بينهم وما يتعلق بخصوصية الأبناء وهذا يؤدي الى نتائج سلبية تأثر في نفسية الأولاد. الشابة أحلام خضر 20 سنة طالبة أدب انكليزي، تقول: أنا من عائلة ريفية محافظة، وعندما ذهبت الى المدينة لمتابعة تحصيلي الجامعي تبين لي وجه المفارقة بين القسوة والتشدد، وبين التسامح والمرونة الذي تمارسه الأسرة المحافظة على أبنائها، فالوجه الأول من التعامل يمارس عندما يتعلق الموضوع بأمر قد يسيء للفتاة، وما يحمله من انعكاسات أسرية، أما عندما يتعلق الموضوع بمصلحتها فنجد النقيض من ذلك تماماً، حيث يكون هناك تساهل وتسامح في التعامل مع الأمور، وهذا ناجم عن عمق الرؤية التي تتمتع بها الأسرة عند تحليلها لهذه الأمور، وهذا ما لمسته وأدركته تماماً، عندما تابعت دراستي بعيداً عن منزلي. عندما سئل الشاب حسان علي 23 سنة، ويعمل خياطاً عن أهم المشكلات التي يمكن أن تواجه الشباب أجاب: استناداً الى تجربتي الشخصية، والى تجارب الآخرين من الزبائن الذين يتعاملون معي وجدت أن هناك الكثير من الشبان يعانون من قلة الامكانات المادية، وهذا يمكن رده الى أمور عدة يواجهونها في الحياة المنزلية والدراسية، فالشاب في سن الحلم وأثناء تدرجه الى بلوغ سن الرشد وما بعد هذه المرحلة يطمح لأن يستقل بغرفة لوحده، وهذا ناجم عن تأثره بغيره من الشبان الآخرين، بالاضافة الى رغبة الشباب في الظهور بملابس تلفت انتباه واعجاب الآخرين وتحديداً الجنس الآخر، وكذلك من الممكن ان تدفعهم حاجتهم الى المال من اجل الحصول على المستلزمات المدرسية الى البحث عن عمل ليحصل على ما يريد، فالحالة الناجمة عن ضعف هذه الامكانات، قد تنعطف به الى طريق الجريمة كالسرقة والاحتيال وما الى غير ذلك. الشاب أحمد عوض 21 سنة المهنة حداد. أجاب باختصار عن السؤال الذي وجه اليه وهو لماذا لم يتابع تعليمه قال: امكاناتنا المادية في الأسرة لم تسمح لي بذلك، وعندما قيل له بالامكان الجمع بين الدراسة والعمل رد مبتسماً: أنا فضلت العمل على متابعة التعليم الجامعي لكوني أردت ان أعيل نفسي وأخفف العبء عن أسرتي، ثم ان الجمع بين الدراسة والعمل يتطلب المزيد من الجهود للتوفيق بينهما، واني كنت أرغب في اختيار احد الفروع العلمية وهذا بدوره يتطلب من الطالب حضوراً مكثفاً لا أستطيع تحقيقه. من خلال استعراض هذه المعطيات، يمكن القول ان مهمة معالجة تلك المشكلات منوطة بالدرجة الأولى بالأجهزة والمؤسسات الاجتماعية التي ترعى شؤون الشباب كفئة لها دورها الأساسي والفعال في المجتمع.