نعم المنفيون هم أنتم، فانكم محرومون من أبسط حقوق العيش. نحن نعيش أفضل منكم. يحق لنا أن نقرأ، نشاهد، نقول كل ما نشاء. أما أنتم فلا يحق لكم حتى الصمت، فأنتم مطالبون كل يوم بكلام ببغائي، بادلاء كلمة الطاعة للسلطة، ببراهين تدل على خضوعكم التام. نحن هنا في الغربة أحرار، أحياء الى حد الارتخاء. أنتم هناك في الوطن مقيدون، مجرد باقين على قيد الحياة. لا فرق بينكم والأموات. أتسمون حياة هذه التي تعيشونها تحت نير حكم مستبد لا يعترف أن للانسان حق الاعتراض البسيط حتى على قرارات بلهاء، وحصاراقتصادي مضروب من الخارج يرافقه الحصار الفكري المضروب من الداخل. والأنكى من كل هذا، لم يسمع أحد منكم صرخة احتجاج واحدة. لا منكم ولا من هذه المعارضة المشدودة الرِجل. فاحتجاج هذه يتم فقط لصالح نظام آخر لا يقل قمعاً عن هذا الذي ترزحون تحته. مهمتها اليوم استعداء الناس، والتعتيم على أقلية الاحتجاج الحقيقي. وغداً تأسيس "نظامهم" عن طريق السجن والتعذيب. لا أعرف أتتحكم بالعراقيين ارادة العبودية الى حد لا يزال معه نداء لابويتسي، المفكر من العصور الوسطى، ساري المفعول بحيث لا أعرف أية نصيحة، أية رسالة يمكن لها أن تلخص أفضل منه اليوم ما يجب قوله لكم "يا مهاجري الداخل". هاكم بعض ما جاء في هذا النداء. كل هذا الضرر، هذا البؤس، هذا الخراب لا يأتيكم من أعداء، بل من عدو واحد هو هذا الذي تذهبون من أجله الى الحرب بشجاعة باسلة، الذي لا تأبون أن تقدموا أنفسكم الى الموت من أجل عظمته. ان هذا الذي يحكمكم ليس لديه سوى عينين اثنتين، يدين اثنتين، جسم واحد. إلا أن ما يميزه عنكم هو الامتياز الذي تمنحونه اياه لغرض تدميركم. من أين حصل على كل هذه العيون التي يتجسس بها عليكم، إن لم تعطوه إياها بنفسكم؟ كيف يكون له كل هذه الأيدي لضربكم، ان لم يأخذها منكم؟ كيف يمكنه التسلط عليكم إن لم يكن ذلك التسلط تم بواسطتكم؟ ماذا يستطيع أن يفعل ان لم تكونوا متواطئين مع السارق الذي يهبكم، شركاء في جريمة المجرم الذي يقتلكم، وخونة أنفسكم؟ تربون أطفالكم لكي يسوقهم الى المجزرة، لكي يجعلهم وزراء مطامعه، ومنفذي ثأره. وبجهدهم تحطمون أنفسكم لكي يتنعم هو بملذاته. تضعفون أنفسكم لكي تجعلوه أقوى وأصلب للجمكم. على أنه يمكنكم التخلص من كل أوضاع التحقير التي ترفضها حتى البهائم ولا تتحملها، إذا ما حاولتم إرادة ذلك. صمموا على الكف عن الاستعباد وها أنتم أحرار. لا أقصد أن تدفعوا به أو أن تزحزحوه، بل كفوا فقط عن دعمه وسترونه يهوى وينكسر بحكم ثقله كتمثال عملاق أزيحت قاعدته.