دخل نائب الرئيس العراقي طارق عزيز القاعة الرئيسية لفندق الرشيد في بغداد اثناء قيام نحو 170 مصرياً يمثلون وفداً شعبياً حملتهم طائرة شركة "مصر للطيران" إلى بغداد بالغناء خلف المطرب محمد فؤاد فقطعوا الغناء والتصفيق ليسمعوا كلمته، لكنه طلب أن يستمروا ويواصلوا ما كانوا فيه فواصلوا الغناء الوطني وردد خلفهم عزيز الذي اكد أن "بغداد لم تعش يوماً مثل هذا منذ عشر سنوات". هكذا تحولت رحلة الطائرة المصرية إلى العاصمة العراقية احتفالا كبيرا كان أحد أسبابه أنها جاءت بمبادرة شعبية اقتصر الدور الرسمي المصري فيها على تسهيل الإجراءات وعدم وضع القيود أمامها. وزادها زخماً، كما قال عزيز، ان "عدد المصريين الذين كسروا الحصار كان الأكبر من بين كل الوفود التي حملتها طائرات أخرى سبقت الطائرة المصرية"، كما أن تشكيلة الوفد الذي ضم ممثلين عن تيارات سياسية مختلفة بينها تناقضات كثيرة، بدا وكأنهم انصهروا في قالب شعبي من أجل هدف أسمى من التناحر السياسي، جعلت الغاية أهم، خصوصاً أن الظروف داخل مصر قد تجعل من الصعوبة أن يلتقي في مكان واحد ناصريون ويساريون ووفديون و"إخوان مسلمون" ورموز انشقت عنهم ونائب عن الحزب الوطني الحاكم. وبدا تمثيل النخبة المصرية متساوياً بين النقابيين والكتاب والمفكرين والصحافيين والرياضيين والإعلاميين. لكن أكثر ما كان لافتاً أن وجود فنانين في مجال التمثيل والغناء بين الوفد ساهم بقدر كبير في تحويل الرحلة إلى تلك التظاهرة الاحتفالية. فالشعب العراقي الذي يعاني الحصار قد لا يجد الفرصة ليقرأ ما يكتبه المثقفون أو يتابع الأخبار التي يصنعها السياسيون وتبقى وسيلة الترفيه الوحيدة لديه جهاز التلفزيون، وما يبثه من أفلام وتمثيليات وأغانٍ غالبيتها لفنانين مصريين. وفي الأماكن التي تنقل بينها الوفد المصري استحوذ الفنانون والفنانات على الاهتمام الأكبر، وتعطل البرنامج مرات لسبب الازدحام حولهم والأوقات التي انشغلوا فيها بالتقاط الصور مع المواطنين العراقيين. وبدا واضحاً حرص الوفد الشعبي المصري على ألا تترجم الرحلة على أنها دعم للرئيس العراقي صدام حسين وإنما للتضامن مع الشعب العراقي وكسر الحصار عنه. حتى رجال الأعمال الذين كانوا وراء تنظيم الرحلة وغالبيتهم من أعضاء "جمعية مستثمري مدينة السادس من أكتوبر" لم ينفوا أن أحد أهدافهم تحقيق مصالحهم الاقتصادية عن طريق إعادة العلاقات التجارية الطبيعية بين مصر والعراق، لكنهم أيضاًَ شددوا على أن الهدف الأسمى هو رفع الظلم عن الشعب العراقي، وفي الكلمة التي ألقاها رئيس الوفد رجل الأعمال محمد سامي دعا الحكومة المصرية إلى إعادة تسيير خط الطيران بين القاهرةوبغداد بصورة طبيعية، مؤكداً أن المستثمرين المصريين في حاجة إلى علاقات اقتصادية وتجارية طبيعية مع العراق. وبقدر الحزن الذي انطبع في قلوب أعضاء الوفد اثناء وجودهم في ملجأ العامرية الذي استشهد داخله 408 أطفال جراء قصفه اثناء حرب الخليج بصاروخين أميركيين بعدما شاهدوا آثار أشلاء القتلى على الجدران وكذلك حينما رأوا عشرات الأطفال المصابين بمرض سرطان الدم "لوكيميا" في "مستشفى صدام المركزي للأطفال" فإن قدراً من السعادة لم يخفوه وهم يدوسون على صورة الرئيس الاميركي السابق جورج بوش المرسومة على أرضية المدخل الرئيسي لفندق الرشيد ربما لأنهم لا يستطيعون أن يفعلوا السلوك نفسه في مصر أو لأن ما شاهدوه في بغداد لم يكن ليجعل أكثرهم أمانة ووطنية وربما سذاجة لا يمنع نفسه من الشعور بالسعادة وهو يقدم على ذلك.