الأستاذ جهاد الخازن تحية طيبة وبعد عدت إلى "عيون وآذان" المؤرخة في 10/9/2000 والعود أحمد. لم أتوقع أن تنشر رسالتي في عدد الحياة بتاريخ 7/9/2000. ولكن غابت عنها فقرة مهمة أكررها هنا، لأنك كررت في يوم 10/9/2000 ما ذكرته في يومي 15 و16/6/2000 من ضرورة شن حرب عربية لإزاحة الرئيس صدام حسين. الفقرة تقول: ومثل آخر للكتابة: إن حرب الخليج الثانية كانت مؤامرة واسعة بكل المقاييس، وتورط فيها كثيرون. ولم يدركوا أبعادها إلا بعد حدوثها وبعد أن امتلأت الخزائن الغربية بأموال العرب وحل البلاء الأميركي في المنطقة على الرحب والسعة. الفقرة التي ذكرها السيد الخازن في يوم 10/9/2000 هي: "وأقول لكل القراء العراقيين رداً على نقطة تكررت في رسائلهم بشكل أو بآخر، إنني دعوت إلى ذهاب الرئيس صدام حسين وأسرته إلى مصر للإقامة فيها بأمان لاجئين. واقترحت، إذا لم يفعل أن تشن الدول العربية حرباً على نظامه حتى يسقط لأن أميركا لا تريد إسقاطه طالما انه يبرر سياستها في المنطقة العربية كلها، وهكذا فدعوتي كانت لمحاربة النظام بشكل جدي لا بالكلام، كالولايات المتحدة. الهدف إنقاذ شعب العراق". انتهى كلام الأستاذ الخازن في يوم 10/9/2000. الموضوع يستحق التوقف عنده طويلاً. التلميح والتصريح واضح في هذه الفقرة التي هي رسالة موجهة إلى من يهمه الأمر. والشيطان في التفاصيل كما يقول المثل الانكليزي الذي يسمعه الأستاذ الخازن يومياً. يبدو من حديثه انه يريد أن ينهي القضية العراقية بأسرع وقت ممكن إنقاذاً لشعب العراق ومهما كانت التكاليف لان الأميركان قد عجزوا عن ذلك، فمن المستفيد؟ دعوتك توجّه جديد في السياسة العربية تتمناه اميركا والصهيونية لأنه يفتح الطريق لأعداء العرب أن يجدوا من يحارب عنهم بالوكالة ويترك القضية المركزية ألا وهي القضية الفلسطينية وتفاصيلها: الحفاظ على عروبة القدس وتاريخها وعودة اللاجئين وإيقاف الاستيطان. باختصار تريد اميركا فلسطين أخرى في العراق بإبادة شعبه واستكمال احتلال منابع النفط العربي ودعم التوسعية الصهيونية. ثم إذا قامت كل دولة، لم يعجبها نظام جيرانها، بغزو الجار والغزو مدان دوماً مهما كانت الظروف سادت شريعة الغاب، وألغيت إرادة الشعوب التي لها الحق الأول والأخير في النظام الذي ترتضيه. الهدف الاميركي ليس إسقاط الرئيس العراقي صدام حسين كما يتمنى السيد جهاد، بل استغلال وجوده واستداجه لكي يخيف جيرانه بالحرب الكلامية، فيطلبون السلاح بالبلايين. وتقدم لهم التسهيلات بالكرم الحاتمي، وبالفواتير السياسية الضخمة. إن اميركا لا تريد أن يقوم الشعب العراقي بممارسة حقوقه. وذلك عن طريق استفراده بالحصار وبقتل أطفاله ونهب الثروات النفطية وتوزيعها باسم قرارات الأممالمتحدة، والشعب العراقي أحوج الناس إليها. باختصار إن الهدف الاميركي هو إيجاد ضابط عميل، ممن يتلقى الدولارات من موازنة 97 مليون دولار لتحرير العراق، يكون ألعوبة مضمونة لتنفيذ سياسة الهيمنة في المنطقة لصالح الصهيونية. وهل النظام العراقي، بحسب تعبيرك، هو الوحيد الذي ينبغي إزالته. إنك تذكرني بما كان يطرح في الخمسينات والستينات، أن الطريق إلى تل أبيب، يمرّ ببعض العواصم العربية. والآن اقترح بعض المواضيع على شكل أسئلة يستحسن أن تعالج في مقالاتك المقبلة. - إذا كان العراق اخطأ حكامه، فلماذا يعاقب شعبه وأطفاله وشيوخه والمدنيون بالحصار والطائرات؟ - لماذا لم تقم الجامعة العربية حتى الآن بجهود ووساطة وتحكيم وتأليف لجان لهذه الغاية، لتسهيل لقاء العراقيينوالكويتيين وإجراء الحوار بينهم بالندوات وغيرها من اجتماعات الغرف المغلقة؟ لماذا لا تتأكد الجامعة العربية بموظفيها الذين لا يحبون السفر الشاق الى العراق، لمعرفة أحواله المعيشية، وما يعانيه من جرّاء الحصار والغارات الجوية؟ - لماذا تتمسك بعض الجهات العربية، التي تنظر بشماتة الى الجروح العراقية، بسياسة استخدام العصا الاميركية. ولا تحاول البدء بالحوار والمصالحة والمصارحة؟ - لماذا يريد البعض استمرار السنين العجاف في حياة الأمة العربية وإعادة المواضيع الى نقطة الصفر زمن التسعينات، وقطع الصلة الطيبة بين ابناء الشعب العربي الواحد وبث الضغينة بين الاجيال المقبلة؟ - لماذا لا تكتب الصحافة العربية عن الانجاز الذي تم في رفع الحصار عن الجماهيرية حينما قام الرؤساء الافارقة بالسفر اليها؟ ولماذا لا يقوم بعض الرؤساء العرب حتى الآن او يقوم البعض بالأذن من لجنة العقوبات الاميركية بالسفر الى بغداد. نجحت الجماهيرية بالتفاف الافارقة حولها الا يكون ذلك مثالاً يحتذى؟ الاخ جهاد الخازن صحافي لبيب وهو ماهر في دقته وحلاوته ومرارته ويلامس المواضيع ولا يدخل فيها. إن صحيفة "الحياة" يدل اسمها على انها لحياة كل العرب، لذلك تراها تصدر من خارج الوطن العربي. وأرى من الحق للجميع، ان تبحث مقالاتها في الاجوبة المطلوبة عن تلك التساؤلات وغيرها. وما احوج امتنا اليوم الى إعلام موضوعي ومتزن بعيد عن حروب داحس والغبراء والمهاترات والخلفيات القبلية التي عفا عنها الزمن. امتزج الغرور والغطرسة السياسية الاميركية في ترتيبها الانفرادي لشؤون العالم، فبعدما فشلت في حرب فيتنام لتأديب العالم الثالث، ضاق صدرها بالنصر العربي اليتيم والجزئي في حرب رمضان 1973. لقد كان نضال العالم الثالث وعدم الانحياز من اجل التحرر والتنمية مصدر إرباك للسياسة الاميركية وكان العرب من بعض رواده. ترى اميركا الآن ان من المناسب ان يؤدب هؤلاء العرب المتخلفون بالتكنولوجيا والتفوق التسليحي الاسرائيلي وبنهب نفطهم. لكل هذا اختارت اميركا العراق ان تفتح فيه الثّغرة، كانت غلطة الشاطر بغزو الكويت وما زالت تداعياتها مستمرة. وربما كانت الأزمة النفطية المصطنعة هذه الايام إحدى المؤامرات الاميركية الكثيرة لوأد التحرر والتنمية في الوطن العربي. إن القضية كما تدل الظواهر، لا تتعلق بالرئيس صدام حسين. إن الجيوش الاميركية جاءت الى المنطقة لتبقى مهما كان الوضع في العراق. ودمتم لخدمة القضيّة ذخراً ومع التحية السفير نعيم قداح من جهاد الخازن: السفير قدّاح مصر على الخطأ. هو ينقل عني دعوتي "ان تشن الدول العربية حرباً على نظام صدام حسين حتى يسقط لأن اميركا لا تريد اسقاطه... والهدف انقاذ شعب العراق". وكيف يفهم هذا الكلام الواضح؟ يفهمه بالتعليق "الهدف الاميركي ليس اسقاط صدام حسين كما يتمنى السيد جهاد...". يا أخي أنا منذ 1990 اقول ان اميركا لا تريد اسقاط صدام حسين، وهذا ما كررته في المقال الذي علقت عليه، ثم تقول انني اتمنى ان تسقط اميركا صدام حسين. ايضاً انا دافعت عن شعب العراق وادافع وادعو العرب الى اسقاط صدام حسين، فيحتج السفير قداح ويجد في دعوتي "توجهاً جديداً في السياسة العربية تتمناه اميركا والصهيونية". واسأل من الافضل ان يسقط صدام حسين بأيدٍ عربية، او ندعو "الخواجات" مرة اخرى لاسقاطه. السفير قداح، شاء أو أبى، يدافع عن صدام حسين تحت غطاء التعاطف مع شعب العراق، غير ان المخرج الوحيد لشعب العراق هو في سقوط صدام حسين، وكل حديث غير هذا هو مشاركة في جريمة صدام حسين بحق شعبه وامته. واخيراً، هذه آخر مرة اناقش فيها السفير قداح في الموضوع، فقد اشبعنا الموضوع بحثاً.