حين أطلّ سكرتير الأكاديمية السويدية هوراس انغدال ظهر أمس على عتبة باب غرفة الاجتماعات في بيت البورصة في ستوكهولم بدا كأنه يخفي في عينيه مفاجأة. ولم يلبث أن أعلن بملء صوته "فاز بجائزة نوبل للآداب سنة 2000 الكاتب الصيني غاو كسينغيانغ Gao Xingjiang تقديراً لعمل يتميز بشرعية كونية، وبصيرة محزنة وابداع لغوي فتح طرقاً جديدة للفن الروائي والدرامي الصيني". وإن لم يُفاجأ الحاضرون وخصوصاً الصحافيين منهم باختيار الصين فإن الكاتب الفائز كان مفاجأة واضحة. فمعظم الحاضرين كانوا ينتظرون أن يخرج انغدال باسم آخر من الصين وهو الشاعر بي داو الذي تردد اسمه كثيراً في الآونة الأخيرة. ولكن كالكثير من المرات حلّ اسم الكاتب الصيني على مسمع الكثيرين في شكل مفاجئ، وأحدث نوعاً من الحيرة. فالكاتب كسينغيانغ لم يتوقع أحد أن يكون اخترق لائحة اسماء المرشحين الى جائزة نوبل، وخصوصاً في الفترة الأخيرة حين طرحت أسماء مثل البلجيكي هيغو كلاوس والسويدي توماس ترانسترومر والصيني بي داو. ولم يعلن اسم الفائز إلا بعد نقاش طويل علم انه كان حاداً حتى أنه أدى الى تأخير الإعلان عن اسم الفائز بالجائزة مرات عدة تبعاً لعدم اتفاق أعضاء الأكاديمية على اسم معين. ولكن بعدما أعلن عن اسم الكاتب اليوم فيمكن القول ان خلاف أعضاء الاكاديمية كان حول اسم الكاتب وليس حول بلد الكاتب. فمن المؤكد ان اسم باي داو وجد على لائحة المرشحين لفترة طويلة من الزمن. ولد كسينغيانغ في الرابع من كانون الثاني يناير 1940 في مقاطعة غانزهو الواقعة في شرق الصين، والده موظف مصرف ووالدته ممثلة من مسرح الهواة ورث منها حبه للكتابة المسرحية والدراما والاخراج. أمضى كسينغيانغ مرحلته الابتدائية والثانوية في مدارس الصين الشعبية مثل معظم الصينيين وهناك بدأ أعماله الأدبية إلا أنه احتاج الى وقت طويل للخروج الى مجتمعات ثقافية عالمية حين شرع سنة 1979 في نشر مقالاته وكتاباته في بعض الصحف العالمية وخصوصاً الفرنسية منها. واستمر في تقديم رواياته على مسارح الصين حتى سنة 1986 حين منع من عرض مسرحيته "الشاطئ الآخر". ولم يعرض أي عمل آخر له بعد ذلك في الصين. غادر الصين سنة 1987 وتقدم بطلب لجوء سياسي الى فرنسا وهناك استقر وراح يعمل في مجال المسرح والأدب. ولكن مايثير الاستغراب انه على رغم مغادرته الصين في ظروف صعبة استمر عضواً منتسباً الى الحزب الشيوعي الصيني حتى العام 1989 عندما حدثت اضطرابات الطلاب في العاصمة الصينية ووقتذاك فقط أعلن سحب عضويته من الحزب نهائياً. وإن كان اسمه غير معروف عالمياً وخصوصاً انه لم يترجم الى لغات كثيرة لا توجد له إلا أعمال مسرحية قليلة مترجمة الى السويدية فهو كما تشرح الأكاديمية السويدية في بيانها "يتمتع بأعمال أدبية تولد مرة بعد أخرى من نضال الفرد لينجو من تاريخ الجماعة. فهو مشكك لا مثيل له في العالم وأكد انه لا يجد الحرية إلا في الكتابة". والحرية في الكتابة التي يتكلم عنها الكاتب يستلهمها من أسفاره الكثيرة التي كان يقصد خلالها بعض جبال الجنوب، والجنوب - الغربي في الصين وهناك كان يتجول فيها لفترات كانت تمتد أشهراً كاملة من دون أي اتصال مع المدنية. وتلك الأسفار هي في أساس أهم رواياته الأدبية "جبل الروح" التي يصف خلالها تلك المناطق التي تتمتع بسحر مميز. وإن كانت الأكاديمية السويدية افتتحت القرن الماضي بمنح أول جائزة نوبل للآداب للعام 1901 الى الفرنسي رينه سولي برودوم فهي تفتتح الآن القرن الحالي بمنحها جائزة نوبل الى الصين التي تفوز بها للمرة الأولى منذ تأسيس الجائزة. ولعل اختيارها كاتباً مثل كسينغيانغ بالتحديد فهي تكرّم الصينوفرنسا معاً لأن الكاتب مقيم في فرنسا ويحمل الجنسية الفرنسية. وبهذا تصيب الأكاديمية عصافير عدة بحجر واحد. فالجائزة ذهبت الى الصينوفرنسا والى آسيا وأوروبا والى الصين النظام الحالي والصين المعارضة والى الرواية الأدبية والمسرح. كل ذلك تختصره شخصية الكاتب كسينغيانغ الذي كان لاسمه نهار أمس وقع مفاجئ على مسامع الكثيرين محدثاً نوعاً من الحيرة حول شخصية كاتب له تاريخ واسع في مجال الأدب ولكنه كان يقف فترة طويلة في ظل اسماء أخرى طرحت من قبل. ولم يتوان سكرتير الأكاديمية نفسه عن القول: "كان أمراً جميلاً أن نتمكّن من مفاجأة الجميع".