مئة عام مرت على كتاب "تحرير المرأة" لقاسم امين. واذا كانت القاهرة قد نظمت ندوة فكرية عن هذا الحدث، فان مهرجان الموسيقى العربية الثامن الذي شهدته دار الأوبرا المصرية للفترة من الاول حتى العاشر من تشرين الثاني نوفمبر الماضي ترجم دعوة المفكر امين، وحاول اظهار المكان الفسيح الذي تحتله المرأة العربية في موسيقانا. وهذه لمسة ذكية وفاعلة تحسب لمقررة وأمينة المهرجان الدكتورة رتيبة الحفني. وشهد المهرجان مشاركة نشطة لعدد من الفرق النسائية الموسيقية، من الجزائر والمغرب، بالاضافة الى "فرقة بنات النيل" وفرقة "بنات النور والأمل" والفرقة النسوية التابعة لأكاديمية الفنون. وتعمقت المشاركة النسوية في المهرجان، حين خصصت المسابقة السنوية للنساء العازفات. وأسفرت نتائجها عن فوز كل من العازفة على الناي وفاء سفر سورية والعازفة على الكمان باسنت سمير مصر مناصفة بالجائزة الثالثة، فيما تناصفت العازفتان: يسرى الذهبي على العود تونس والعازفة على العود انعام لبيب مصر الجائزة الثانية وذهبت الجائزة الاولى الى عازفة القانون امل جمال الدين مصر. وأظهرت المنافسة بين العازفات المشتركات في المسابقة اساليب مختلفة تعكس مشارب ومفاهيم متعددة في التعامل مع الموسيقى العربية وطرق التعبير عنها بالعزف. من المقاربة التي تعكس حذراً لا يخلو من صورة الارتباك والخجل الانثوي وصولاً الى الرصانة الاكاديمية والانتماء التام للقوالب الموسيقية، مروراً بأسلوب العزف القائم على ترك البصمات الشخصية الدالة على روحية العازفة وفهمها للمقطوعة الموسيقية، وهو ما اكدته عازفة العود التونسية يسرى الذهبي. عزفت يسرى مجموعة من المقطوعات امام لجنة التحكيم التي تشكلت برئاسة الدكتورة ايزيس فتح الله مصر وعضوية الدكتور صالح المهدي تونس والدكتور كفاح فاخوري الاردن. ويبدو ان حرص اللجنة على ان تكون العازفة امينة للقوالب وبعيدة عن اظهار الجانب الفردي في شخصيتها، هو الذي جعلها تميل في ترجيحاتها لصالح عازفة القانون امل جمال الدين للفوز بالجائزة الاولى، فيما حرمت العازفة التونسية يسرى الذهبي منها، لكونها كانت تعزف بطريقة تخضع فيها المقطوعات لرؤية جمالية شخصية، فتجتهد وتخرج احياناً عن النوتة الأصلية، وهي حين غلّبت روحية العزف وجماليته على القالب، كانت تضع عينها على جمالية الموسيقى وأثرها الروحي، وليس بوصفها قوالب لا يمكن الخروج عليها. في امسيات المهرجان الغنائية، قدمت المطربة انغام، مجموعة من اغنياتها الخاصة التي تعكس رهافة صوت المرأة العاشقة. كذلك قدمت مقطعاً من اغنية "فكروني" للراحلة ام كلثوم وجعلتها اغنية اقرب الى شكل أدائها الشخصي وبعيدة في الوقت ذاته عن النمط الكلثومي. ومن ام كلثوم انتقلت الى غناء اغنية "مضناك جفاه مرقده" لعبدالوهاب، لتغنيها بطريقة مرهفة، بدت مناسبة لطبيعة اللحن الانسيابي. وخصص المهرجان فقرة غنائية خاصة لصاحبة الصوت الملائكي اسمهان، شقيقة الموسيقار الراحل فريد الاطرش. وانشدت المغنية ريم كمال من مصر مجموعة من اغنيات الراحلة، فحاولت ان تضفي قالباً خاصاً على اغنيات مثل "يا بدع الورد" و"يا حبيبي تعالى" و"يا طيور" بلحنها التعبيري الأخاذ، فيما اضفت المطربة المتمكنة كريمة الصقلي المغرب لمسة خاصة نابعة من موهبتها الصوتية ورهافتها في الأداء حينت غنت "امتى حاتعرف" و"اسقينيها" ثم "ليالي الأنس"، فلم تقارب الجو الاسمهاني فحسب، بل احاطته بروحيتها في الغناء، وطافت بين جوانب حميمة من مشاعر العاطفة التي حفلت بها الاغنيات، فهي بدت مأسورة بالعتاب والشوق والندم في "امتى حاتعرف"، وصولاً الى حالة النشوة والبهجة في "ليالي الانس" التي اعادت غناءها مرة اخرى تحت إلحاح الجمهور. ومع المطربة اجفان الأمير احدى عضوات فرقة ام كلثوم امكن اكتشاف وجه آخر لاسمهان، بعيد بعض الشيء عن الوجه الذي حددته اغنياتها وصوتها. فالمطربة المصرية الشابة كانت تغني اسمهانها الخاصة التي تشبهها صوتياً وروحياً، ولم تغن تقليداً للأصل، وهو ما ظهر في اغنيات "نويت اداري" و"أهوى" و"فرّق ما بينا ليه الزمان". وفي الفقرة الكلثومية، برزت المغنية الشابة وابنة الرابعة عشرة آمال ماهر التي غنت بطريقة تذكر بقدرات ام كلثوم الصوتية. فهي صاحبة خامة صوتية عريضة، وتتلاعب بطبقات الصوت بمهارة لافتة، وتؤدي بلهفة وانفعال. واعترافاً بجميل دورهن، وريادتهن في الموسيقى العربية، قدم المهرجان دروع التكريم والتقدير للموسيقيات والمغنيات الرائدات: الفنانة فايدة كامل التي تركت الغناء لتنقل معاركها الى السياسة تحت قبة البرلمان حين انتخبت عضوة في مجلس الشعب لسنوات طويلة. والفنانة سعاد مكاوي التي بدأت الغناء في مسرحيات علي الكسار ولاحقاً عملت في الاذاعة والسينما، والفنانة سميحة القرشي المطربة وعازفة القانون.