لعل التحدي الأساسي للاقتصاد السعودي هو الاستمرار في تحسين مستوى معيشة الفرد. والاقتصاد السعودي ليس نفطاً فقط، وعليه ربما كان مقبولاً القول إن النهوض لهذا التحدي لا يمكن أن ينفرد به قطاع النفط. فللقطاع الأهلي مسؤولية مباشرة في تمويل برنامج الرفاه الذي يشمل التعليم والصحة والضمان الاجتماعي، بل والمساهمة بوتائر متصاعدة في الارتقاء بمخرجات هذا البرنامج. ويقال هذا، فيما يشكل ريع النفط أكثر من ثلاثة أرباع ايرادات الخزانة العامة السعودية. وتمول الخزانة مسؤوليات الحكومة التعليمية والاجتماعية والأمنية التي تقدم للمواطنين السعوديين. وعلى رغم نمو الايرادات غير النفطية، لكنها محدودة وستبقى كذلك في المستقبل المنظور. وبطبيعة الحال، فإن زيادة الايرادات النفطية نتيجة التحسن النسبي لأسعار النفط هو محل ارتياح، لكن النمو السكاني المرتفع والتحولات الاقتصادية الدولية يرفضان ضرورة الانفاق بصورة متزايدة لأسباب عدة منها رفع جودة مخرجات برامج إعداد الموارد البشرية في السعودية، انطلاقاً من ان رفع انتاجية قوة العمل المحلية هي عنصر المنافسة الأهم في عصر الانفتاح، والرقي بمستوى دخل الفرد باعتباره مقياس النجاح الاقتصادي للدول، وهذا يشمل الارتقاء بخدمات الرفاه من تعليم وصحة وخدمات. المفاهيم الأساسية للتخصيص للتخصيص، اجمالاً، ثلاثة مبررات رئيسية، هي تقليص الدور الاقتصادي للحكومة، وايجاد مصادر جديدة لتمويل المؤسسات الاقتصادية، وخفض العجز المالي للحكومة. وفي هذا السياق، أكدت الأهداف العامة والأسس الاستراتيجية للخطة الخمسية السادسة على التخصيص، إذ يذكر قرار مجلس الوزراء الرقم 142 بتاريخ 19 ذو القعدة عام 1413ه ان أولويات الخطة الخمسية السادسة هي أربع، ونص البند الثاني من هذه الأولويات هو كما يأتي: "- ترشيد الانفاق الحكومي وزيادة اعتماد الاقتصاد الوطني على مساهمات القطاع الخاص من خلال التأكيد على: أ - رفع الكفاءة الإدارية والانتاجية في الأجهزة الحكومية بما يؤدي إلى خفض الانفاق الحكومي دون التأثير على مستوى الخدمات وتوفيرها. ب - وضع مزيد من السياسات التي تشجع رؤوس أموال القطاع الخاص على المشاركة في الاستثمار الوطني في الداخل. ج - التوسع في استغلال رؤوس أموال القطاع الخاص في تمويل بعض المشاريع الحكومية. د - جدوى تحويل ملكية بعض الأنشطة الحكومية ذات الطابع التجاري إلى القطاع الخاص". ويبين النص بوضوح توجه الحكومة السعودية إلى الافادة من مزايا التخصيص خلال الأعوام المتبقية من عقد التسعينات. بعدما مارست الدولة البناء وتمويل وتشغيل وصيانة المرتكزات الاقتصادية على مدى الخطط الخمس الأولى. بل وساهمت جهود الدولة كذلك في حفز الانتاج السلعي الزراعي والصناعي. فزاد عدد المصانع مع انقضاء الخطة الخمسية الخامسة على 2000، بعد ان كان لا يتجاوز 200، وعمالة مجملها 14 ألف عامل عام 1970. وعلى رغم عدم وجود وثائق منشورة تبين السمات العامة للتخصيص في المملكة بصورة محددة، يمكن الجدل بأن الدولة تتناول تخصيص مؤسساتها من منطلقات عريضة أعلنت ضمن وثيقة الأهداف العامة والأسس الاستراتيجية لخطة التنمية السادسة. ومن هذه المنطلقات إلتزام الدولة الاستمرار في تشجيع مساهمة القطاع الخاص في عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتخفيف الاعتماد على انتاج وتصدير النفط الخام كمصدر رئيسي للدخل الوطني، وإكمال التجهيزات الأساسية اللازمة لتحقيق التنمية الشاملة. وتتيح المنطلقات مزيداً من الفرص أمام القطاع الخاص لممارسة دور أكبر في الأنشطة المختلفة للاقتصاد الوطني. وتوجه الدولة نحو التخصيص يبينه الأساس الاستراتيجي الثالث للخطة الخمسية السادسة والذي ينص على "الاستمرار في تبني سياسة فتح المجال للقطاع الخاص لمزاولة كثير من المهام الاقتصادية في الدولة على أساس ان لا تقوم الحكومة بأي نشاط اقتصادي يمكن ان يؤدى بواسطة القطاع الخاص". وألقت ذات الوثيقة الضوء على كيفية تحقيق هذا الأساس الاستراتيجي من خلال منظومة من السبل منها: اعطاء القطاع الخاص الفرصة لتشغيل وإدارة وصيانة وترميم بعض المرافق التي تديرها الدولة حالياً، وإعطاء الفرصة للاستثمار والاشتراك في تملك وإدارة الصناعات الأساسية التي تقيمها الدولة، وتمكين القطاع الخاص من العمل بحرية ومرونة، وتشجيع الجمعيات التعاونية والمؤسسات الأهلية الخيرية والتجارية على القيام بالمشاريع الاقتصادية والاجتماعية، وحث البنوك التجارية على زيادة تسهيلاتها للمشاريع التجارية، وتشجيع قيام المزيد من الشركات المساهمة، وتطوير السوق المالية. ولا يمكن تجاوز قضية اهتمام الدولة بالانتاجية والكفاءة في تنفيذ الخطة السادسة. إذ يبدو ان الأهمية المناطة بهذه القضية مركزية في فكر المخطط السعودي. وذلك استناداً إلى ما ورد في الفقرة أ من البند الثاني من الشق "ثانياً" من نص القرار 142، إذ تدعو الفقرة المشار إليها إلى "رفع الكفاءة الإدارية والانتاجية في الأجهزة الحكومية...". بالإضافة إلى تأكيد المنطلقات المعلنة على "تكوين المواطن العامل المنتج...". بل ان الاهتمام برفع مستوى الكفاءة هو أحد المرتكزات التي قام عليها الأساس الاستراتيجي الثاني للخطة الخمسية السادسة، إذ نص على "التركيز على تحسين المستوى الاقتصادي لانتاج الخدمات والمنافع والمنتجات التي تقوم الدولة بتقديمها للمواطنين بصفة مباشرة كالتعليم، والخدمات الأمنية، وغير مباشرة كالكهرباء، والنقل، والسلع الأساسية". كما نالت قضية الكفاءة جانباً مهماً من الأساس الاستراتيجي الرابع الذي اهتم بقضية ترشيد الاعانات المباشرة وغير المباشرة التي تقدمها الدولة من خلال مبدأين أساسيين هما خفض تكلفة انتاج هذه الخدمات للمجتمع، وألا يقل ثمن بيع هذه الخدمات عن تكلفتها إلا في ما ندر. وكذلك الأساس الاستراتيجي الخامس الذي أكد أهمية تغليب النظرة الاقتصادية في قرارات استثمار ومصاريف الدولة. استناداً إلى ما تقدم، يمكن القول إن استراتيجية التخصيص السعودية تقوم على دعم كفاءة المنشآت القائمة، واستحداث وحدات اقتصادية بناء على الجدوى الاقتصادية. هذا، مع عدم المساس بأساسيات الاقتصاد الحر، حتى تكون الخدمة على أعلى مستوى وأقل كلفة مثل الحرص على تحقيق مستويات مقبولة من النمو الاقتصادي، وإتاحة الفرصة للمنافسة، وتأمين المناخ الجاذب للاستثمار الخاص لتمويل الإضافات الرأسمالية. وبطبيعة الحال، لا يقتصر التخصيص على بيع أصول المنشآت العامة للقطاع الخاص، بل للتخصيص صيغ متعددة تراوح بين البيع المباشر للمنشآت المملوكة للدولة، كما حدث في البداية عندما باعت حكومة المحافظين البريطانية شركة الفضاء والاتصالات، وبين التعاقد لتقديم الخدمات التي تقوم بها الحكومة، كما هو ممارس على نطاق واسع في الولاياتالمتحدة، حيث قدرت قيمة هذه التعاقدات بقرابة 200 بليون دولار في نهاية الثمانينات. وعلى رغم مزايا التخصيص المتعددة، إلا أن تملك وإدارة الدولة للمرافق والخدمات العامة يعني للمواطن جملة أمور منها: الأمان وتساوي الفرص وأسعار مقيدة باهتمام الدولة بتحقيق الرفاه الاجتماعي. ومبررات التخصيص متعددة، فهي أداة تمويل حيوية قد تمكن الحكومة من السيطرة على العجز في الموازنة العامة، وهو المبرر الذي حدا بدولة مثل المكسيك إلى إعلان برنامجها التخصيصي في منحى لسداد الديون. كما يتيح التخصيص زيادة موارد الخزانة العامة من دون خلق أعباء طويلة المدى ناتجة عن إلتزامات مالية لتمويل توسعات رأسمالية، كما يحدث عند تخصيص مرافق خدمية كالهاتف مثلاً. لكن التخصيص ليس مطلباً في حد ذاته بل وسيلة. وتكتسب هذه الوسيلة أهمية خاصة مع إصرار الدولة على تناول التنمية من منظور العائد الاقتصادي، لتربو المنافع على التكاليف، وهذا تغير أساسي في تناول الدولة لقضية التنمية، بعد ان أصبحت مساهمة القطاع الخاص تزيد عن ثلث اجمالي الناتج المحلي. ولا يخفى أن هذه المساهمة ترتكز على البنى الأساسية التي انجزت في مراحل مبكرة من المسيرة التنموية. وعلى رغم تجديد الدولة التزامها التنمية في وثيقة الأهداف العامة والأسس الاستراتيجية لخطة التنمية السادسة، إلا ان هناك تطوراً نوعياً في المنهجية التي تتناول الدولة من خلالها قرارات التنمية، وما ستنتجه المشاريع التنموية من خدمات ومنافع ومنتجات، إذ سيكون القرار مرتكزاً على معايير اقتصادية، إذ تبين الوثيقة ان "الحكم على الجدوى الاقتصادية للمشاريع أياً كانت من خلال تكاليف تشغيلها وصيانتها وإدارتها وترميمها... وليس فقط من خلال كلفة تشييدها". ولذا ليس مستبعداً ان يتخطى برنامج التخصيص، عندما يصل إلى مداه من النضج والتبلور، خدمات الطيران المدني والهاتف، إلى تخصيص الموانئ وخدمات الشحن الجوي والبريد والصحة وغيرها للقطاع الخاص السعودي. المستقبل الاقتصادي مما تقدم، يمكن الاستنتاج بأن هناك توجهاً استراتيجياً للتخصيص، بينته بوضوح الخطة الخمسية السادسة، لكن ذلك التوجه لم يوظف على نطاق واسع، باعتبار نتائج التخصيص خلال الأعوام الخمسة المنصرمة. ويبدو أن المؤسسات العامة السعودية لم ولن تخضع لأي صيغة تخصيصية محددة مسبقاً، بل ستأخذ كل حالة على حدة وفقاً لمبررات موضوعية اقتصادية من نوع أو آخر، كالتوسع في تقديم الخدمات لتحسين الميزة التنافسية مما يتطلب استثمار مبالغ كبيرة بصورة مستمرة للحصول على التقنيات الحديثة، أو وجود ضرورة للتأهب لسوق مفتوحة بالكامل وتنافسية، مما يعني أهمية الرقي بالانتاجية والتطلع إلى السوق الخارجية بالقدر نفسه الذي يمنح للسوق الداخلية. ودخول التخصيص في آلية الاقتصاد المحلي يعني إضافة عنصرين لمعادلة التشغيل لا يهتم القطاع العام بهما كثيراً، هما خفض الكلفة للصمود أمام المنافسة للمحافظة على حصة المنشأة في السوق، والاهتمام بتقديم أعلى مستوى ممكن من الجودة لزيادة الحصة من السوق. وهذا يعني ان يكون التحسين مستمراً لا يقف عند حد، فيصبح بذلك الارتقاء بالانتاجية هاجساً. لكن على المؤسسات السعودية التي ستخضع للتخصيص الحرص على تحقيق الربحية وخفض مصاريفها التشغيلية لترفع من القيمة السوقية لأصول المؤسسة مما يزيد من فرص نجاح تخصيصها. وتتبين قابلية الاقتصاد السعودي للتخصيص كذلك من خلال قدرته على استيعاب فائض العمالة في الأنشطة المخصصة بإتباع سياسة إحلالية لتقليص العمالة الوافدة. وتجدر الاشارة هنا إلى ان الأسس الاستراتيجية للخطة الخمسية السادسة لم تهمل جانب الإحلال هذا، فقد اهتمت الفقرة الثالثة من البند "ثانياً" من القرار 142 المرفقة به وثيقة الأسس "باتخاذ الوسائل الكفيلة بمعالجة المعوقات التي تواجه تنمية القوى البشرية وتوظيفها..."، بل ان الفقرة "د" من الفقرة الثالثة من القرار المذكور نصت على "وضع السياسات اللازمة والكفيلة بإحلال القوى العاملة السعودية محل غير السعودية". وعلى نسق آخر. نجد ان صادرات المنشآت الصناعية تقدر حالياً 1998 في حدود 14 في المئة من اجمالي الصادرات. لكن تحقيق قفزة في صادرات الصناعات التحويلية يحتاج إلى متطلبات أساسية منها العمالة الوطنية المناسبة. فمصانعنا تعتمد اعتماداً شبه كلي على العمالة الوافدة 87 في المئة، وغدا جلياً من التجارب القائمة في شرق العالم وغربه ان التصنيع يتبع العمالة وليس العكس، فهي العنصر المؤثر في خفض كلفة الانتاج. ولذا فإن انفتاح السوق الدولية جعل الاستثمارات الصناعية تتدفق على البلدان التي تتوافر فيها العمالة مثل المكسيك والصين والبرازيل وماليزيا وتايلاند واندونيسيا وفنزويلا. ويمكن الجدل أنه نتيجة لنمو اقتصاديات هذه البلدان، ستصبح العمالة الوافدة إلى بلدان الخليج العربية، خصوصاً العمالة الصناعية أكثر كلفة. ومن الطبيعي أن يبحث القطاع الخاص عن كل ما من شأنه خفض الكلفة الانتاجية وإلا لن يتمكن من المنافسة، بل لا بد لقطاعنا الخاص أن يعمل في بيئة تنافسية تعود على الاقتصاد الوطني عموماً بالمنفعة. وبطبيعة الحال، فاتجاه الدولة نحو التخصيص يعني الزيادة المضطردة لمساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، ومن ذلك ان يكون هذا القطاع هو رب العمل الرئيسي في البلاد. وهنا تبرز متناقضة: بين توسع القطاع الخاص في تأهيل وتدريب واستخدام العمالة المحلية، وبين حتمية رفع القدرة التنافسية للقطاع الخاص مع انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية. ويمكن الالتفاف حول صعوبة التوفيق بين التضييق في جلب العمالة الوافدة وقدرة القطاع الخاص على المنافسة من خلال استحداث برنامج تشرف عليه جهة تنسيق مركزية لتشغيل العمالة الوطنية كمكتب العمل مثلاً. وغاية البرنامج رفع جاذبية العمالة الوطنية، ويسعى البرنامج إلى تلقي الملاحظات التي للقطاع الخاص على نظام العمل الحالي ورفع التوصيات لتعديله. كذلك يسعى لتأسيس صندوق يقدم الحوافز المالية لتشغيل وتدريب العمالة الوطنية. وليس الهدف منها التخلص من العمالة الوافدة، فالمملكة كانت لسنوات طويلة بلداً منفتحاً لا يعيق حرية عناصر الانتاج منه وإليه، خصوصاً عنصر العمالة، وليس من الملائم السعي للانغلاق في وقت تتجه دول العالم نحو الانفتاح على بعضها بعضاً. لكن الهدف هنا ينحصر في تمتع المواطن بميزة نسبية، وثانياً وهو هدف رديف، ان تجبي الخزانة العامة ايراداً نظير الخدمات الاجتماعية المقدمة للعمالة الوافدة. فالمواطن يقيم في بلاده وعليه يكون منطقياً التعامل معه على أساس المواطنة، أما المقيم فقد قدم في الأساس لهدف اقتصادي ولا بد ان يكون التعامل معه مبنياً على ذلك الأساس. وتتبين قدرة الاقتصاد السعودي على استيعاب التخصيص كذلك من خلال وجود متسع لزيادة الاستثمارات الخاصة. إذ تعتبر المملكة من الدول المصدرة لرأس المال، وتبدو محصلة هذا التصدير واضحة بأن متوسط ما يستثمر في الاقتصاد السعودي يقل عن 19 في المئة من اجمالي الناتج المحلي، في حين أن ما يدخر يوازي 31 في المئة. ولعل محدودية الاستثمار الخاص ناتجة عن أسباب منها قلة الفرص الاستثمارية المحلية خارج نطاق القطاعات التقليدية التي أخذت تتشبع، فيما توجد مؤشرات على أن القطاعات الانتاجية الواعدة كالزراعة والصناعة تعاني من كوابح هيكلية، كندرة المياه في حالة الزراعة، واكتظاظ المناطق الصناعية القائمة ومحدودية التمويل الطويل المدى في حالة الصناعة. وهذا يعني الحد من قدرة هذه القطاعات على امتصاص قدر أكبر من الاستثمارات الجديدة، ومن هنا تأتي أهمية فتح مجالات جديدة لاستيعاب الاستثمار الخاص. وانطلاقاً من أن الخطط الخمسية الخمس الأولى سعت، طبقاً لأولويات إنفاقها، إلى تطوير البنية التحتية وبناء الإنسان السعودي، فإن الخطط المستقبلية ستكون محددة التوجه وترتكز على توظيف انجازات التنمية الشاملة. كما يلاحظ من الأهداف العامة للخطة الخمسية السادسة ان تبني الخيار الصناعي كأسس للتنمية الاقتصادية المقبلة يعتبر طريقة مجدية للتنمية باعتبار مزايا المملكة العربية السعودية ومواردها، حيث ندرة في الماء، ووفرة في الطاقة الهيدروكربونية، وقوة عاملة متزايدة معظمها من الشباب، وموقع جغرافي متميز، وعلاقات جيدة مع دول العالم، وبنية تحتية حديثة. لكن هذه المعطيات ذاتها تؤيد توجيه الاقتصاد السعودي نحو التوسع في الأنشطة الاقتصادية الخدمية كذلك. وفي حال قبول هذا التوجه الصناعي والخدمي، تكون غاية الاستثمار التنموي في المستقبل تحسين البنية التحتية السائدة للصناعة والتصدير، والارتقاء بالبنية التحتية للمعلوماتية في البلاد. إن الارتقاء بالقطاع الصناعية والأنشطة الخدمية نفطية وغير نفطية في المملكة العربية السعودية يجب أن يهدف لتحقيق غاية محددة وهي: وضع اقتصاد المملكة العربية السعودية على قائمة الدول المتقدمة من خلال فترة محددة من الزمن. إن طموحاً من هذا النوع لن يتحقق من خلال إطار زمني قصير أو حتى متوسط. لذا يجب أن تتناغم الجهود وتتعاضد القدرات لوضع تصور بعيد المدى غايته ان تصبح المملكة بلداً صناعياً ومتطوراً معلوماتياً مع نهاية الربع الأول من القرن المقبل. وهذه الغاية قابلة للانجاز إذا ما نجح الاقتصاد السعودي في التوسع لزيادة مساهمة الصناعة التحويلية في اجمالي الناتج المحلي لتصبح المكون الأهم، والتأكد من أن القطاع الصناعي بمفهومه الواسع يستوعب الجزء الأكبر من العمالة الوطنية، وليس القطاع الحكومي كما هي الحال الآن، وأن المصانع تنتج ما يمكن تصديره بأسعار تنافسية في السوق الدولية. أما التطوير المعلوماتي فيجب ان يصبح سمة عامة حتى تتكون لدى المجتمع بنية تحتية متميزة، تتيح المنافسة، وهذا يتطلب تعليماً وتدريباً على مدى سنوات طويلة، بهدف مساهمة الصناعات الممعرفية والمتقدمة في الاقتصاد السعودي، من خلال استراتيجيات وسياسات وآليات محددة المعالم. ولا بد من إدراك ان استراتيجية النمو المستقبلي يجب أن تكون صناعية الطابع، ومركبة بحيث تتواصل جهود الصناعة التقليدية نفطية وغير نفطية، وتتطور مقدرات الصناعات المعرفية. وهكذا، ننتقل من مجتمع يعتمد على ريع النفط، إلى مجتمع منتج يعتمد على الصناعة التقليدية والمعرفية. وهذه الاستراتيجية الصناعية المركبة ضرورية، فالجزء الأولى يعنى بتعزيز موقعنا الحالي، والجزء الثاني يرتبط بالتجهيز لمستقبل مساهمة الصناعة السعودية، حتى لا تصبح متخلفة. وتجدر الاشارة إلى ان نصيب الصناعات التقنية من التجارة العالمية ارتفع خلال العقدين الماضيين من 50 في المئة إلى حوالى 75 في المئة، في حين تراجعت قيمة تجارة المواد الخام والصناعات الأساسية من 50 في المئة إلى نحو 25 في المئة خلال الفترة نفسها. وتكتسب قضية التمويل أهمية أساسية في نجاح برامج التخصيص عموماً، ومع بروز التخصيص كخيار اقتصادي، يبرز كذلك تمويل المشاريع كخيار يتيح التمويل من دون ضمانات بل بالاعتماد على قدرة المشروع ذاته على توفير تدفق نقدي مستقبلي، وهذا يتطلب تطوراً في المؤسسات المالية المحلية والبنية التنظيمية. فدور المؤسسات المالية محوري في نجاح أي برنامج للتخصيص. ويمكن القول إن التخصيص سيصل إلى طريق مغلق ان لم يكن في مقدور التدفقات النقدية للمشاريع المخصصة ان تفيض عن الالتزامات المالية لتلك المشاريع، وإذا لم توجد مؤسسات مالية قادرة، تعمل على أرضية تنظيمية مناسبة. ذلك ان الركيزة الأساس للتخصيص هو نقل اعتمادية المشروع من الخزانة العامة إلى الاعتماد على الذات. إذ ليس من مصلحة الاقتصاد الوطني الإبقاء على مشاريع "طفيلية"، بغض النظر عن تبعيتها للقطاع العام أو الخاص، فكلها أموال وطنية في نهاية المطاف. فمثل تلك المشاريع ليست "اقتصادية" في الأساس، ولا يجب ان تبقى إلا لضرورة اجتماعية أو أمنية ملحة. وفي هذا السياق، فإن الانفتاح على الاستثمارات الأجنبية قد يوفر خياراً اضافياً للتمويل الطويل المدى. فحصر التخصيص على المستثمرين المحليين، يعني النقل الدفتري لملكية الأموال المحلية من الحكومة للمواطنين ليس إلا. أما عند دعوة المستثمرين الأجانب إلى المساهمة في الملكية، فالأمر يختلف، إذ ان أموالاً اضافية ستفد إلى الاقتصاد المحلي لتمويل التنمية، وبذلك يتاح مزيد من الفرص لدخول القطاع الوطني الخاص في مشاريع انتاجية جديدة، وبالتالي زيادة النمو الاقتصادي، ولا بد من بيان ان هذا يتطلب سرعة قيام سوق مالية سعودية رسمية، والترخيص لمصارف للاستثمار للترتيب لعمليات الاستثمار وتسريعها، وللربط بين المتطلبات المالية للسوق المحلية وبين المستثمرين في الخارج عند الحاجة لعناصر خارجية. ومع عدم وجود قواعد محددة لتحديد الوحدات المرشحة للتخصيص، والبرنامج الزمني الذي يجب أن تخصص من خلاله، فيمكن اقتراح ان يكون على رأس السلم تخصيص المشاريع المستقبلية التي درجت الحكومة حتى الآن على تمويلها وإدارتها وصيانتها، للمحافظة وتحسين مستوى الخدمات الأساسية، ثم يأتي في سلم الأولويات بعد ذلك النظر في أمر المؤسسات والوحدات الحكومية الانتاجية والخدمية المتعثرة، أو غير الكفوءة لدرس أفضل الطرق لإصلاح أمرها، وتحويلها إلى وحدات عالية الكفاءة باتباع أفضل الخيارات وعدم اللجوء إلى وصفات مسبقة. وإجمالاً يمكن تلخيص النقاش في النقاط التالية: ان مساهمة القطاع الخاص في اجمالي الناتج المحلي عند بداية الخطة الخمسية السادسة كانت 47 في المئة تقريباً، وبقيت عند ذلك الحد، وقد شارفت فترة الخطة على الانقضاء. ان يكون التخصيص من خلال جذب استثمارات إضافية قدر الإمكان. أن يتركز التخصيص بداية على البنية التحتية، فهي مرتكز الاقتصاد، وتلتهم أموالاً هائلة. درس الرسوم التي تقتطع نظير تقديم الخدمات والمنافع المتنوعة وجعلها تتماشى مع الكلفة الفعلية، لجعلها جاذبة للممولين، ومن ثم قابليتها للتخصيص. الحرص على تحرير الأموال الوطنية من الارتباط بمشاريع البنية التحتية الطائلة الكلفة، ليكون بإمكانها المشاركة في تنمية خدمات وسلع قابلة للتصدير، إمعاناً في دفع الاقتصاد المحلي للنمو السريع. تمويل المشاريع المخصصة من خلال صيغ تمويلية تعتمد في الأساس على التدفقات النقدية الذاتية للمشروع. ان يشمل برنامج التخصيص في المديين المتوسط والبعيد، جميع المشاريع العائدة للدولة بما في ذلك قطاعات الطاقة والاتصالات والبنية التحتية والموارد الطبيعية والمشاريع البيئية الصرف الصحي والنفايات الصناعة مثلاً والصناعات التحويلية الأساسية والنقل والمواصلات. ان لا يعني تخصيص المشاريع الكبرى احتكار السوق لها، كما هي الحال مع الاتصالات الحالية، إذ ليس في إمكان الاقتصاد السعودي المخاطرة بالانغلاق على الذات، ولو في قطاعات محددة، في حين ان الاقتصادات الكبرى تدفع في كل اتجاه لاختراق الأسواق. وضع برنامج زمني لتحقيق الانفتاح الاقتصادي، وإزالة مفهوم "الأنشطة المحتكرة" و"الأنشطة المحدودة" التي تخضع للترخيص والتقنين. الالتزام بالصناعة كخيار استراتيجي لتحقيق النمو الاقتصادي، بالاستمرار في تعزيز مساهمة الصناعة التقليدية نفطية وغير نفطية، وتطوير البنية التحتية الضرورية للانطلاق في الصناعات المعرفية والصناعات المتقدمة. * سعودي متخصص في المعلوماتية والانتاج. ** تعبر الورقة عن رأي مؤلفها وليس عن المؤسسات التي ينتمي إليها، ويعمل لديها.