لقد حبا الله سبحانه وتعالى هذه البلاد مكانة سامية بين دول العالم اجمع. فهي مهد الاسلام ومنطلق الرسالة المحمدية الخالدة وقبلة المسلمين ومقصدهم من كل فج عميق لاداء فريضة الحج ومناسك العمرة والزيادة.وقد اضفى كل ذلك بالاضافة الى الموقع الجغرافي المتميز والمساحة المترامية الاطراف طابعا خاصا على النشاط الاقتصادي لسكانها على مرالعصور. فقد كانت ارض الجزيرة ملتقى لطرق التجارة من القدم فاتقن اهلها قواعد التعامل مع الآخرين، وبرعوا في استغلال مواردهم المحدودة لعقد الصفقات وتلبية احتياجاتهم الضرورية.وعندما بدأ توحيد هذا الكيان الكبير، لم تكن انشطة اهله الاقتصادية تختلف عما كانت عليه قديما، اذ كان اهمها النشاط الزراعي والرعي والتجارة، وباستقرار الاوضاع وانتشار الامن شرع جلالة الملك المؤسس - رحمه الله - في ارساء اسس الدولة وتوفير مقومات الحياة فيها رغم تواضع موارد الدولة انذاك وتزايد مهماتها،الى ان تدفق النفط بكميات تجارية عام 1358ه فكان ضالة الملك عبدالعزيز -رحمه الله - لتحقيق تطلعاته الطموحة وامانيه في تطوير هذه البلاد وتنمية مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، واصبحت عوائد النفط هي المحرك الرئيس للاقتصاد وتوفير فرص الاعمال فضلا عن ازدهار التجارة والزراعة نتيجة لتوسع الدولة في الانفاق. خلفية تاريخية لئن كان يؤرخ للانطلاقة الاقتصادية الحديثة في المملكة من عام 1368ه حين بدىء في اعداد اول ميزانية رسمية، فان مما يسجل للقطاع الخاص تقديره الواعي وحسن تجاوبه المبكر مع توجيهات الدولة اذ انعكس ما قام به جلالة الملك المؤسس عن اصلاحات في حفز ذلك القطاع ورجاله الاوائل فهدوا الى التوسع في انشطته التقليدية واقتحموا مجالات اعمال جديدة رغم حداثة العهد بها واقبلوا على الاسهام في تكوين الشركات في ميادين شتى وتابعوا مسيرتهم بخطوات حثيثة برعاية الدولة بما فتحت لهم آفاق من خلال المشاركة في تنفيذ المشروعات التنموية التي تمت حتى نهاية عقد الثمانينات الهجري، ثم تبوأ القطاع الخاص مكانته كمحور اساس في تنفيذ خطط التنمية ابتداء من الخطة الاولى لينطلق من تجربة فريدة لا تمده تواضع الامكانات والخبرات ليحدث نقله نوعية في تطوير قدرات تنسجم مع ابعاد النهوض بمتطلبات تلك الخطوط الطموحة الاستفادة من جميع تجاربها الثرية وما حملته الى المملكة من خبرات دولية وتقنيات متقدمة، ليصبح مؤهلا لعمله المكمل لجهود الدولة في مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.وحين اخذت الدولة زمام المبادرة في تنمية قطاعات الاقتصاد الوطني اعتمادا على الانفاق الحكومي محركا اساسيا لعملية التنمية التزمت بالمبادئ السامية التي جاءت بها الشريعة الاسلامية الغراء التي تعطي الافراد الحرية في السعي والكسب وتقتصر سلطة الدولة بموجبها على الرقابة والاشراف والتوجيه، وممارسة بعض الانشطة بنفسها اذا تطلب الحال ذلك بشكل مؤقت ولمدة لا تتجاوز حدود نشوء الحاجة وتزول بزوالها. واولت القيادة الرشيدة اهمية بالغة لانشاء البنية الاساسية لاقتصاد المملكة لكون تلك البنية عصب التنمية وعمادها وانفقت في سبيل ذلك مبالغ هائلة، وزادت من كثافة الانفاق خلال خطط التنمية الخمسية. وقد استحوذت مشاريع التجهيزات الاساسية على النصيب الاوفر في الخطط الاربع الاولى التي وجهت اساسا نحو انشاء مرافق البنية الاساسية واستكمالها. حوافز القطاع الخاص وقد ادى انشاء البنية الاساسية الى تغيير وجه الحياة على ارض المملكة في زمن يسير في عمر الامم. وكان توافر البنية وتطورها من اهم الحوافز التي شجعت القطاع الخاص على التوسع في انشطته التقليدية والدخول في مجالات جديدة، اذ خففت عن كاهله عبء الاستثمارات الرأسمالية الكبيرة التي كان لابد من تكبدها لو لم تكن قد توافرت له تلك التجهيزات، كما اسهمت في تخفيض تكلفة اداء العمل التجاري والانشطة الاخرى حيث يحصل على خدماتها بالمجان او بأجور رمزية يسيرة، فضلا عن انها عامل جذب للاستثمارات الاجنبية، ويضيق المقام عن الاحاطة الشاملة بما تم انجازه من عناصر البنية الاساسية جميعها وما لحقها من توسع وتطوير. وتحددت اهداف تنمية القطاع الصناعي في رفع طاقة الاقتصاد الوطني الانتاجية، والاستفادة من المزايا النسبية الكبيرة المتمثلة في الاسعار المنخفضة للطاقة وفرة المواد البترولية الاولية والثروات الزراعية والمعدنية والسمكية واستغلال هذه المزايا لتنوع القاعدة الصناعية، ونقل التقنية وتحديثها، وتوجيه طاقات القطاع الخاص للاستثمار في الصناعات التحويلية، ورفع انتاجية القطاع الصناعي بتشجيع استغلال الطاقات الانتاجية المثلى للمصانع والتوجه للتصدير، وتطوير المهارات الوطنية لتلبية احتياجات القطاع الصناعي من خلال التوسع في التدريب والتعليم الفني والاخذ باسلوب التدريب على رأس العمل، وزيادة نسبة التكامل بين مختلف الصناعات القائمة. المناخ الملائم منذ ان اتجهت الجهود الى تنويع القاعدة الاقتصادية، فقد ركزت السياسة الصناعية على تهيئة المناخ الملائم الاحداث التنمية الصناعية في اطار من الحرية الاقتصادية وحرية المناقشة، ونجحت الدولة عن طريق الجمع بين اجراءات الدعم والتشجيع مع نشاط القطاع الخاص ومبادراته في حفز رؤوس الاموال والمهارات التقنية والمتقدمة الاجنبية على الدخول في مشاريع مشتركة مع القطاع الخاص الوطني، الامر الذي اسهم بفعالية في انشاء قطاع خاص صناعي متطور وايجاد كوادر فنية وادارية متميزة وساعد على دعم هذا الانجاز المرموق الجهود التي ساندت تنمية القوي البشرية وتطويرها في المملكة متمثلة في تنامي حركة التعليم العام والجامعي وفوق الجامعي والتعليم الفني. والتدريب المهني خلال خطط التنمية المتعاقبة. ظواهر القرن مع تزايد الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين بلدان العالم وتفاقم اثر التجارة الدولية في العالم والخدمات من حيث الحجم والتنوع الى جانب تزايد التدفقات الرأسمالية والتطور السريع في ميادين التقنية والاتصالات بصفة خاصة، فان ظاهرة العولمة تصبح من اهم الظواهر الاقتصادية العالمية في القرن الحادي والعشرين. وتدرك المملكة انها جزء لا يتجرأ من العالم وانها تشترك مع العديد من دوله في المصالح والاهتمامات المتبادلة الامر الذي يتطلب الانفتاح على الاستثمار ونقل التقنية والاستفادة من الخبرات الاجنبية وفرص التبادل التجاري مع دعم جمهور القطاع الخاص لتمكينه من الاسهام الفاعل في مختلف جوانب النشاط الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق اهداف التنمية الشاملة وبرامجها، والتوجيهات المستقبلية للمدة القادمة ترمى الى تحقيق اقتصاد وطني اكثر تنوعا وتطورا يتسم بالفاعلية والكفاءة الاقتصادية في ظل متغيرات دولية ومستجدات محلية تفرض تحديا فعليا على مسيرة التنمية في المملكة.واستمرار للعمل المهم الذي يؤديه القطاع الخاص في عملية التنمية بطريقة تعكس مدى الترابط والتفاعل العضوي مع هذه العملية، وبقاء الدولة مساندة للقطاع الخاص للقيام بمهماته في ظل منهج الاقتصاد الحر الذي التزمت به المملكة، وانطلاقا من استراتيجية خطة التنمية السادسة وفق للاهداف العامة لهذه الخطة التي ترمي الى تعزيز اثر القطاع الخاص بما في ذلك تمويل ملكية بعض الانشطة الحكومية ذات الطابع التجاري واداراتها اليه من خلال صيغ متدرجة ومتنوعة من التخصيص تلائم اوضاع المملكة، يمكن ايجاز اهم معالم الاثر المستقبلي للقطاع الخاص في المملكة ضمن عدة محاور. فالمحور الاول مواصلة القطاع الخاص لاسهامه المثمر في مسيرة التنمية الشاملة ومختلف جوانب النشاط الاقتصادي والاجتماعي بالمملكة والعمل على استمرار تنفيذ السياسات وتعبئة الموارد اللازمة وضخ المزيد من رؤوس الاموال وتوظيفها في القطاعات الانتاجية بما يوفر قوة دفع ذاتية للاقتصاد الوطني. المحور الثاني: الاستمرار في تعزيز عملة الوطن في تنمية الموارد البشرية وتوفير المزيد من فرص العمل للعمالة الوطنية بالقدر الذي تتيحه حاجة السوق المحلية للعمل. المحور الثالث: رفع الكفاءة الاقتصادية والانتاجية والتشغيلية لدى مؤسساته لتعزيز قدرته على التأقلم والمنافسة والانتقال للعالمية في ظل انضمام المملكة لمنظمة التجارية العالمية والانكماش التدريجي لوسائل حماية المنتجات الوطنية ومن ابرزها تآكل هوامش التعرفة الجمركية وصولا للاعفاء الكامل، وخفض الاعانات المباشرة وغير المباشرة على الانتاج والخدمات. نقلة نوعية المحور الرابع، احداث نقلة نوعية تنسجم مع ابعاد النهوض ببعض الانشطة الاقتصادية المحولة اليه من خلال صيغ متنوعة من التخصيص واثره المكمل بجهود مؤسسات الدولة في ادارة بعض مرافق التنمية والتجهيزات الاساسية وتشغيلها. المحور الخامس: التفهم الواعي لحقائق العصر وما تنبئ به منجزات التقدم المتسارع في ميادين الاتصالات والمواصلات قد عمقت من التوجه العالمي من حيث اجتياج الحدود وتجاهل العقبات وتقريب المسافات واختصار الزمن وتحقق نتيجة ذلك تخفيض التكاليف وزيادة الانتاج وتطبيق نظم الجودة الشاملة، واضحت السرعة اهم عناصر المنافسة فيما تجلى من الاستخدام المكثف للاتصالات في تجارة السلع والخدمات التجارة الالكترونية ونقل الاصول والثروات في شكل وصفة كهربائية او نبضة الكترونية دون ان تدركها عن رقيب.ولا شك ان القطاع الخاص بتقدمه وتمرسه وقدراته المالية والتشغيلية والاستثمارية هو خير من يعول عليه لمجابهة التحدي وان ما حققه من انجازات كبيرة وملموسة في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية خير شاهد على ذلك. وزير التجارة