كانت شهور عدة قد مضت منذ أعاد الملك فؤاد العمل بالدستور، وشهور أقل منذ أعادت الانتخابات النيابية في مصر حزب الوفد إلى السلطة. اثبتت، يومها، انتخابات أيار مايو 1936، أن حزب "الوفد" لا تزال له شعبيته التي تعطيه الغالبية البرلمانية، حتى بعد سنوات من رحيل زعيمه، وزعيم الثورة والوطنية في مصر، سعد زغلول. كانت شهور مرت على تلك التطورات حين وقف مصطفى النحاس باشا ليعلن عن توقيع المعاهدة المصرية - الانكليزية يوم 26 آب اغسطس 1936. من ناحية مبدئية كان توقيع المعاهدة يعني إعادة النظر في تصريح 21 شباط فبراير 1922 الذي كان يعطي لمصر استقلالاً مخادعاً، خصوصاً أن إعادة النظر تلك كانت مطلباً وطنياً أساسياً في مصر، وتشكيل مصطفى النحاس لحكومته في العاشر من أيار 1936، كان موضوعه الأساسي الوعد بإعادة النظر. في ذلك اليوم من العام 1936 أبرمت المعاهدة في لندن، اثر مفاوضات حادة وطويلة بين وفد مصري يرأسه مصطفى النحاس، ووفد بريطاني ترأسه انطوني ايدن، وزير الخارجية البريطاني. والنحاس، لكيلا يجعل الوفد مسؤولاً وحيداً عما ستصير إليه الأمور، أشرك أحزاباً أخرى معه في التفاوض، مثل "الأحرار الدستوريين" و"حزب الشعب". وكانت النتيجة الاتفاق على أن تعترف بريطانيا ب "إنهاء احتلالها لمصر" وتبادل التمثيل الديبلوماسي معها ب "درجة سفير"، وإقامة علاقات متكافئة، ناهيك عن عقد تحالف عسكري للدفاع المشترك، في حال نشوب حرب أو الاحساس باقتراب خطرها، وذلك بالاستناد إلى وجود قاعدة عسكرية انكليزية في منطقة القناة. وكانت مدة المعاهدة عشرين عاماً، أي أنها كانت ستنتهي في العام 1956. المعاهدة في حد ذاتها، كانت تعتبر اعترافاً بريطانياً باستقلال مصر، فإذا اضفنا إلى ذلك ان الانكليز تعهدوا فيها بإلغاء الامتيازات التي كانت معطاة للأجانب المقيمين في مصر، يمكن ان نفترض ان سلبيات المعاهدة كانت، إلى حد ما، لا تزيد كثيراً عن ايجابياتها، حتى ولو أن وضعية السودان، المحكوم مشاركة من الانكليز والمصريين، بدت في المعاهدة ملتبسة.