منذ مسيرة ماو تسي تونغ الطويلة، وبدايات الثورة ثم الحرب الاهلية في الصين، وصولاً الى الثورة الثقافية، مروراً باعلان دولة الصين الشعبية، لعب الطلاب الصينيون دوراً اساسياً في مجمل الاحداث والانتفاضات التي عرفها هذا البلد/ القارة. وعلى الرغم مما يقال عادة من ان الثورة الصينية، على مختلف مراحلها كانت ثورة عمال وفلاحين، فان الحقيقة التاريخية تقول ان الطلاب كانوا على الدوام وقود الثورة ولكن… ضحيتها ايضاً. غير ان كونهم الضحية، امر لم يمنع الطلاب الصينيين ابداً من ان يواصلوا سعيهم في سبيل "التغيير" و"التقدم" و"التثوير الدائم" وما الى ذلك من شعارات وغايات. وحتى اليوم لا يزال اي تحرك مطلبي او ثوري واحتجاجي في الصين يتسم اول ما يتسم بطابعه كتحرك طلابي. وما احداث ساحة تياننمان الشهيرة، سوى معارك حقيقية دارت بين الطلاب ورجال السلطة. نعرف طبعاً ان الطلاب هزموا في تلك المعارك، غير ان هزيمتهم لم تمنع من ان السلطات حرصت ان تحقق العديد من مطالبهم، وان بشكل موارب، تحسباً لمستقبلات اكثر خطورة. ضمن هذا الاطار يمكن احتساب الاحداث الخطيرة التي عرفتها ساحة تياننمان نفسها يوم السادس من كانون الثاني يناير 1987. اي خلال تلك السنوات التي كان فيها العالم الاشتراكي كله، بدءاً من موسكو وصولاً الى وارسو، يعرف تغيّرات وحضارات نعرف بالطبع ما ادت اليه في نهاية الامر. طبعاً لم يكن هذا الرأي رأي الطلاب ولا رأي المارة الذين يساندونهم، وذلك بكل بساطة، لأن صحيفة "الشعب" هي صحيفة الحكومة. ولان الطلاب الغاضبين كانوا يتهمون الصحيفة بنشر الاكاذيب، وخاصة من حول تحركهم الديموقراطي الذي كانوا قد استأنفوه، رغم القمع الشديد، خلال الايام الاخيرة من العام الفائت 1986. فالصحيفة راحت خلال الايام السابقة ليوم الغضب ذلك "تشوه الحقائق" من حول التحرك الطلابي ومن حول المطالب الديموقراطية التي كان يتقدم بها الطلاب المتظاهرون. ونشرت الصحيفة على مدى ايام مقالات بارزة تتهم الطلاب، بدون استثناء، بأنهم يزرعون الفوضى ويسيئون الى حياة الشعب ويعملون لصالح الاجانب. ولقد شتمت الصحيفة بشكل خاص الثلاثة آلاف طالب الذين كانوا تجرأوا في اليوم الاول من العام الجديد، على النزول الى ساحة تياننمان، وهم ينشدون "نشيد الأممية". يومها كانت السلطات حظرت التظاهرات نهائياً لكن الطلاب لم يأبهوا بذلك، وراحوا يرددون شعارات تطالب بتحديث البلد وتحقيق الاصلاحات التي كان الزعيم دنغ كسياو بنغ ينادي بها. وشعارات اخرى تطالب بحرية التعبير وحرية الصحافة، وبالديموقراطية وفي حق الشعب في ان يختار بنفسه الحكام الذين يفضّل ان يحكموه. يومها، ولأن انظار العالم كله كانت مفتوحة على الصين وعلى مظاهرة الطلاب تلك، لم يتحرك رجال الشرطة، ولم يقمعوا، لكن صحيفة "الشعب" تولت المهمة وراحت تنشر المقالات وتؤلب الرأي العام ضد الطلاب. وهكذا جعل هؤلاء من يوم 6 كانون الثاني يناير بالتحديد، يوم النضال ضد صحيفة "الشعب" كما ضد "اكاذيبهم" حسب تعبيرهم. الصورة: طلاب صينيون يتظاهرون في تياننمان