نتساءل باستمرار عن سر استمرار الخلافات العربية وحالات القطيعة والتشرذم كل هذه السنوات على رغم مرور الزمن، وانتفاء الأسباب في بعض الأحيان، وعلى رغم الضرورة الملحة لرأب الصدع وإعادة اللحمة وتوحيد الصفوف والمواقف في وجه المتغيرات الدولية الكبرى واتجاه العالم، في ظل نظامه الجديد، الى الكيانات الكبيرة والقوية والموحدة ولا سيما في المجال الاقتصادي. واليوم نعود الى التساؤل، مع الملايين عن سر عدم قدرة العرب على الاجتماع حول محور واحد، وعن أسباب انقطاع مؤسسة القمة عن الانعقاد لبحث مشاكل الأمة وقضاياها ووضع استراتيجية موحدة لنظام عربي جديد يتعامل مع النظام العالمي الجديد، ويتخذ موقفاً واضحاً وحازماً بالنسبة لمسيرة السلام. هذه التساؤلات تقض المضاجع، وتثير القلق، وتبعث على التشاؤم لأن الأمة العربية تمر اليوم في وضع لا تحسد عليه من الفرقة والانقسام والتفرد في المواقف والأزمات الداخلية والأوضاع الاقتصادية المتردية. كما ان هذه المرحلة التي نعيشها تحتاج اكثر من أي وقت مضى الى وحدة في المواقف وحسم في القرارات وقدرة على مواجهة المخاطر ودعم الموقف التفاوضي العربي مع اسرائيل ولا سيما على المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية. فنحن اليوم أمام الخيارات الصعبة، والقرارات المصيرية، والحلول الجذرية في شتى المجالات وعلى مختلف الأصعدة ولا سيما صعيد السلام، او بالأصح نحن نقف على مفترق الطرق بين السلام والحرب، والاستقرار والفوضى، واليأس والأمل، والتفاؤل والتشاؤم. فلماذا لا يجتمع العرب، على اي مستوى كان، ولا سيما مستوى القمة للتداول في حال الأمة والبحث عن مواطن العلل ومحاولة وصف الدواء وتحديد وسائل العلاج؟! ولماذا لا يعقد مؤتمر القمة العربي ولو مرة كل عام تنفيذاً لقرارات سابقة؟ وما هي الأسباب الكامنة وراء تجميد هذه القرارات؟ ولو افترضنا جدلاً ان الأوضاع السياسية الراهنة لا تسمح بانعقاد هذه القمة، او انها لا تساعد على انجاحها بل ستؤدي الى انتكاسة جديدة للعمل العربي المشترك وخيبة أمل مريرة لدى الجماهير العربية فلماذا لا يتم اختيار مواضيع معينة لينطلق بها قطار العمل العربي المشترك مثل السوق العربية المشتركة، ومجلس الوحدة الاقتصادية، وقضايا الحدود وتوحيد الرسوم الجمركية والتبادل السياحي والثقافي والمشاريع الانمائية المشتركة ومشاريع المياه والتعليم والهجرة والسياسة الخارجية والموقف الموحد تجاه اسرائيل؟ كل التكتلات الدولية والاقليمية والاقتصادية تشهد لقاءات على كافة المستويات، ومن القمة الى القاعدة، ومن زعماء الدول الى الهيئات الشعبية والجماهيرية والفنية والثقافية الا العرب، وكأنه قد كتب عليهم الفرقة والاختلاف والقطيعة؟ كل يوم نسمع عن قمم أوروبية وأميركية وأفريقية وآسيوية، وقمم للدول الصناعية، ودول حلف الاطلسي ونشهد قراراتها وتوصياتها تتحول الى خطوات تنفيذية وفق جدول زمني رقيق وكأنه مقام على دقات ساعة سويسرية اصيلة. حتى مجلس التعاون الخليجي نجده متمسكاً بالأصول والمصالح المشتركة بالاصرار على عقد قمة سنوية في موعدها المحدد، وتوجها باتفاق على قمة استشارية دورية في منتصف كل عام! ونبحث عن القمة العربية فلا نجد لها وجوداً ولا كياناً ولا رغبة في انعقادها وكأن لعنة ما قد اصابتها خاصة بعد ان استفحل عمق الشرخ الذي تسبب به الغزو العراقي للكويت في الثاني من آب اغسطس 1990 وما تبعه من أحداث. ولكن يبقى سؤال حيوي مهم يدور في أروقة اصحاب القرار في العالم العربي، وفي صفوف المثقفين العرب، وربما في مختلف الأوساط: هل القمة العربية غاية أم وسيلة؟ وعن هذا السؤال تتفرع عدة أسئلة جانبية مثل: ماذا يمكن ان تسفر عنه هذه القمة؟ وماذا تحقق من القمم السابقة حتى نعلق الآمال على قمة جديدة؟ وهل الأوضاع العربية الراهنة تتيح المجال لعقد قمة ناجحة؟ وهل زالت الأسباب التي اسهمت في افشال القمم السابقة وتجميد قرار عقد قمة عربية سنوية ووضع نظام خاص لما سمي بمؤسسة القمة يكون كفيلاً بتفعيل دورها وتمديد اطر عملها ووضع الأسس اللازمة لانجاحها وتوفير الوسائل الضرورية لتنفيذ قراراتها والالتزام بها وبجداولها الزمنية وفق آلية تنفيذ دقيقة وعملية؟! لا أحد يستطيع الاجابة على هذه التساؤلات أو ان يحدد التصور العام لأسباب القصور والتقصير وخلفيات هذا الجمود، او الانقطاع، في العمل العربي المشترك، ولكنه من خلال متابعة المواقف العربية يمكن رصد 3 اتجاهات عامة بالنسبة للقمة العربية المرتقبة، ولأية قمة عربية يمكن ان تعقد في المستقبل: الاتجاه الأول: يمثله فريق يطالب ويلح بالدعوة لعقد قمة عربية فورية بغض النظر عن الواقع، والخلافات، والنتائج والانعكاسات والسلبيات والانتكاسات المتوقعة في حال الفشل على أساس ان مجرد انعقاد القمة يعتبر نجاحاً ويحقق دفعة للعمل العربي المشترك وان النتائج، مهما كانت متواضعة، يمكن ان يبنى عليها في المستقبل لأن الأوضاع العربية الراهنة لم تعد تحتمل اي تأجيل. الاتجاه الثاني: وهو يتمثل في فريق غير مبال بالموضوع من أساسه. فانعقاد القمة وعدمه سواء بالنسبة اليه، فهو يبني حساباته على اساس قدراته وعلاقاته العربية والخارجية ولا يبدي اي اهتمام بالعمل العربي المشترك، وبكل أسف فإن هناك محاولات خبيثة لتشجيع هذا الاتجاه وتعميمه لتوسيع الشرخ العربي وتعميق مفهوم التفرد بالقرارات الذي بدأ مع طلائع المفاوضات المنفردة مع اسرائيل. الاتجاه الثالث: وهو الأكثر موضوعية وعقلانية والأشد حرصاً على وحدة العمل العربي وضرورة قيام نظام عربي جديد على أسس واضحة وصريحة وعملية وحكيمة بلا تسرع وبعيداً عن العشوائية والشعارات البراقة والاستعراضات الكاذبة والمواقف التي تغش الجماهير وتوهمها بنتائج وهمية. هذا الاتجاه ينطلق من مفهوم مبدئي بدعم توحيد الصف العربي واتخاذ مواقف عملية وفعلية لترجمة هذا الدعم مادياً ومعنوياً وتأييد انعقاد مؤتمر القمة العربية بصورة دائمة شرط ان يسبقه تحضير جيد واستعدادات كاملة وتفاهم أكيد على مختلف القضايا المطروحة او على الأقل نقاط جدول الأعمال حتى تتمكن من تأدية الغرض منها وتحقيق اهدافها لأن القمة على رغم انها غاية كل عربي فإنها تبقى الوسيلة المثلى للانطلاق ولوضع البنيان السليم للنظام العربي الجديد. فإذا تأكدت المعلومات المتداولة التي تتحدث عن قيام المملكة العربية السعودية باعداد خطة محكمة لتوحيد الصف العربي على أسس سليمة وحكيمة فإن قطار العمل العربي المشترك سيشهد انطلاقة قوية مباركة تنهي حالة التشرذم وتجيب على مختلف الأسئلة وتحدد الاطار السليم للعلاقات العربية - العربية وتتجنب الاخطاء وحقول الألغام التي عرقلت مسيرة العرب وأحدثت شروخاً ما زالت تفتك بالجسد العربي وتمنع أية محاولة لرأب الصدع والمصارحة والمصالحة. وبانتظار اتضاح الصورة وإكمال هذه الخطة التوحيدية الرائدة تبقى التساؤلات عن الخطوة الأولى المطلوبة للخروج من هذا النفق المظلم، هل تأتي المصارحة اولاً ام المصالحة؟ وما هي الأولويات في سلم العمل العربي المشترك؟ وما هي الآلية المطلوبة لحل الخلافات العربية وانهاء مشاكل الحدود، ومنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى، ووسائل محاسبة المخطئ والمتعدي على حقوق الآخرين وأراضيهم ومنع تكرار الخطأ؟ لا شك ان المملكة العربية السعودية، من خلال سمعتها ووزنها السياسي والمعنوي والديني ومصداقيتها، وحسن نواياها وسياستها القائمة على دعم الاشقاء والعمل على توحيد المواقف ونصرة القضايا العربية ولا سيما قضية فلسطين قادرة على انجاز هذا المشروع الحضاري الرائد والعمل مع مجموعة من الدول العربية على تشكيل لجنة حكماء هدفها توحيد المواقف ورأب الصدع وحل الخلافات والاعداد الجيد والتحضير المحكم لأية قمة عربية جديدة والنهوض بالشأن العربي وانهاء حالة الضياع واليأس والخوف والقلق من المستقبل في ظل الأوضاع المزرية الراهنة والمتغيرات الدولية الكبرى. فالمطلوب اليوم لا يعد ولا يحصى، لأن المرحلة حرجة والمنطقة تقف على مفترق طرق بين السلام والحرب، يحدد مصير العرب ولا بد أولاً من الاعداد الجيد للانطلاقة ثم العمل، عبر "لجنة الحكماء" على توحيد المواقف وإعادة العرب الى المسار السليم والصحيح حتى تتحقق اهدافهم في القوة والعزة والكرامة. ويبدو ان القمم المصغرة التي عقدت اخيراً في جدة ودمشق وعمان ودول الخليج والقاهرة تسير في هذا الاتجاه الصحيح. كما ان توحيد المواقف من مختلف القضايا الراهنة ولا سيما القضية المحورية الحساسة، وهي قضية السلام سيدعم الموقف التفاوضي العربي ويمده بذخيرة حية تساعده في مواجهة الضغوط واحباط المناورات الاسرائيلية، كما يفهم اسرائيل ان العرب يقفون صفاً واحداً لا مجال لاختراقه بعد اليوم كما جرى في السابق، وبالتالي يدفعها للتعامل بواقعية مع حقيقة ثابتة وهي ان رضوخها لمبادئ الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام والموافقة على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة سيفتح لها ابواباً تتذكر نتائج قمة القاهرة عام 1996 التي حرمت اي تطبيع معها قبل تحقيق السلام على جميع المسارات. السلام مع جميع الدول العربية... والعكس بالعكس. ولعلها ما زالت. كما ان مثل هذا الانجاز العربي، لا بد أن يدفع الولاياتالمتحدة، راعية السلام الأولى، والوحيدة، الى تشديد ضغوطها من اجل انجاز السلام العادل والشامل وإجبار اسرائيل على الكف عن المماطلة والمناورة وذلك حفاظاً على مصالحها الحيوية في المنطقة. وهذا ينطبق على جميع دول العالم ولا سيما الدول المعنية مثل أوروبا والصين وروسيا. فالمطلوب اذن تحضير جيد وإعداد سليم للقمة العربية حتى تحقق اهدافها، وتعيد الأمل الى نفوس العرب وتزرع بذور التفاؤل بمستقبل عربي زاهر لا شروخ فيه ولا خلافات ولا اخطاء ولا خطايا! وبعدها لا يعود هناك مجال لأي تساؤل عن جدوى القمة.. ومتى تنعقد... ولماذا؟! * كاتب وصحافي عربي