يعتبر الموقف من عقد القمة العربية وتنفيذ قراراتها وتوجهاتها بشأن العمل العربي المشترك من اكبر مقاييس فشل الأنظمة العربية على مستوى العمل القومي وضرورات التنسيق والتضامن والوحدة لمجابهة التحديات والاخطار الاستراتيجية التي تهدد الأمة العربية وفي مقدمها الخطر الاسرائيلي. ويلاحظ انه كلما مر المزيد من الوقت كلما تراجع العمل العربي المشترك وفي المقدمة منه اللقاء العربي على مستوى القمة الشاملة وحتى على مستوى القمم الثلاثية وغيرها باستثناء قمم قادة مجلس التعاون الخليجي. ففي غضون السنوات الپ35 الماضية بدءاً من عام 1964 عقد القادة العرب 19 مؤتمر قمة وكان منها 13 قمة عادية و6 قمم استثنائية بمعدل الثلث تقريباً. وعقد خمسة من مؤتمرات القمة الاستثنائية بين عامي 1987 و1990 اما مؤتمر القمة الاستثنائي السادس فهو مؤتمر القمة الذي عقد في القاهرة عام 1970 لبحث الأزمة الاردنية - الفلسطينية وكان مؤتمر القمة الاستثنائي الأول. في الستينات عقد القادة العرب خمس قمم، وفي السبعينات عقدوا ست قمم، وفي الثمانينات عقدوا خمس قمم أيضاً، اما في التسعينات فقد عقدوا ثلاث قمم: اثنتان منها في صيف 1990 في بغدادوالقاهرة اما القمة الثالثة والاخيرة فكانت في القاهرة في حزيران يونيو 1996. وقد التقى القادة العرب منذ قمتهم الأولى من اجل الاعداد لمواجهة خطر العدوان والتوسع الاسرائيلي ومن اجل تحرير فلسطين. وعقدوا ثلاث قمم لهذه الغاية الأولى والثانية في مصر والثالثة في المغرب الا ان النتائج لم تكن على مستوى التحدي الاسرائيلي ولم تحل دون ان تتمكن اسرائيل من إلحاق هزيمة كبيرة بالدول العربية في حزيران 1967 كما لم تحل دون شماتة بعض الأنظمة العربية بالأنظمة التي لحقت بها الهزيمة. وبعد تلك الهزيمة المدوية استأنف القادة العرب عقد قممهم للغاية ذاتها ولكن مع تعديل جوهري هو السعي من اجل ازالة آثار عدوان 1967 وليس تحرير فلسطين. وقد امتدت هذه المرحلة من عدوان حزيران يونيو 1967 الى حرب تشرين 1973 وعقد القادة العرب خلالها ثلاثة مؤتمرات قمة هي: قمة الخرطوم عام 1967 وقمة الرباط 1969 وقمة القاهرة 1970 الاستثنائية التي خصصت لبحث الأزمة الأردنية - الفلسطينية آنذاك. وعشية التحضير والاعداد لحرب تشرين 1973 لم يعقد القادة العرب اي مؤتمر قمة رغم ان تلك الحرب شهدت ذروة التضامن والعمل العربي المشترك في مختلف المجالات العسكرية الاقتصادية والسياسية. وقد سارعوا بعد توقف الحرب الى عقد قمة في الجزائر في تشرين الثاني نوفمبر 1973 حرصوا من خلالها على ادخال تعديل جوهري جديد من خلال اسقاط الدعوة الى تحرير ما احتل عام 1967 واعتماد ما عرف بالأهداف المرحلية للنضال العربي كمدخل عربي باتجاه البحث عن تسوية سلمية مع اسرائيل تقوم على تنفيذ القرارين 242 و338. وبدءاً من هذه القمة وحتى القمة الاخيرة 1996 فإن هاجس القادة العرب وجهدهم منصب على سبل الوصول الى هذه التسوية. وقد تكرس ذلك مع قمة بغداد 1978 وما تلاها من قمم الى ان تمت بلورته في ما عرف بخطة السلام العربية في قمة فاس 1982 ليصبح اكثر وضوحاً وإلحاحاً في خطاب القمة في الثمانينات، ولكن حين جاء اوان التسوية مؤتمر مدريد، وتماماً كما حصل عشية حرب تشرين، لم يعقد القادة العرب قمة في ما بينهم لهذا الشأن، مفضلين الذهاب الى المؤتمر والمفاوضات الثنائية والمتعددة الاطراف منفردين لا مجتمعين على رأي او موقف موحد. وقد استمرت الحال هكذا من دون قمة عربية الى ان فوجئوا في أيار مايو 1996 بعودة ليكود الى سدة الحكم في اسرائيل برئاسة بنيامين نتانياهو وتهديداته بتدمير عملية السلام، فقد دعوا الى عقد قمة سموها قمة لم الشمل العربي في القاهرة في حزيران 1996 ليعلنوا مجتمعين في البيان الختامي الصادر عن القمة ان تمسك الدول العربية بمواصلة عملية السلام العادل والشامل هدف وخيار استراتيجي يتحقق في ظل الشرعية الدولية ويستوجب التزاماً مقابلاً تؤكده اسرائيل بجدية ومن دون مواربة وليدعوا راعيي عملية السلام والمجموعات والهيئات الدولية الى العمل على ضمان عدم اخلال اسرائيل بأسس عملية السلام، مؤكدين على مواصلة مشاوراتهم واجتماعاتهم لمتابعة تنفيذ ما اتخذوه من قرارات للتعامل مع المستجدات التي قد تواجه الأمة العربية. وفي هذا الاطار، وفي ضوء متطلبات وظروف المرحلة اتفق القادة على: 1 - قيام فخامة الرئيس محمد حسني مبارك رئيس جمهورية مصر العربية باعتباره رئيس القمة الحالية باجراء الاتصالات والمشاورات اللازمة مع القادة العرب والأمين العام لجامعة الدول العربية للمتابعة والاتفاق بالنسبة لانعقاد القمة التالية. 2 - تكليف وزراء الخارجية بعقد اجتماع لمراجعة التطورات المتعلقة بعملية السلام وذلك قبيل اجتماع مجلس الجامعة العربية في ايلول القادم او حين تقضي الضرورة ذلك. تردد بعد اختتام قمة القاهرة ان القمة التالية ستكون في العام التالي الا ان القمة لم تعقد حتى الآن على رغم مرور ثلاثة اعوام وعلى رغم صدور اكثر من دعوة من اكثر من زعيم عربي لعقدها وعلى رغم الضرورات التي ارتأى فيها كثيرون ان القمة اصبحت واجبة الانعقاد وخصوصاً بعد بدء القصف الاميركي البريطاني على العراق في النصف الثاني من كانون الثاني يناير الماضي وبعد موافقة نحو ثلثي الدول العربية على عقدها آنذاك. لقد سبق وأن قرر القادة العرب خمس مرات في خمس قمم سابقة هي قمم القاهرة 1964 والجزائر 1973 وتونس 1979 وعمان 1980 وبغداد 1990 ان تعقد القمة العربية كل سنة وتم احياناً تحديد الشهر الذي ستعقد فيه دورياً، الا انهم لم يعملوا بهذا القرار سوى مرتين: الأولى، وكان بنتيجتها عقد مؤتمر القمة الثاني والثالث عامي 1964 و1965 والثانية، وكان بنتيجتها عقد مؤتمر قمة عمان 1980 وفاس 1981. اما المرات الثلاث الأخرى فلم يعمل بها نهائياً. وحتى قرار قمة القاهرة 1996 بعقد قمة ثانية من دون تحديد مكان او زمان لها وتكليف الرئيس مبارك باجراء الاتصالات والمشاورات اللازمة لانعقادها لم يتم تنفيذه حتى الآن. الأمر الذي يجعل من السهل القول ان لا مواعيد مقدسة لدى القادة العرب بشأن عقد القمة. وإذا ما دققنا في مدى التزام القادة والأنظمة العربية بقرارات القمة وتوجهاتها وجدنا ايضاً ان لا قرارات مقدسة، فحال العمل العربي المشترك على مستوى القمة اليوم هو أسوأ بكثير مما كان عليه سواء في الستينات او السبعينات او الثمانينات، وهو في تراجع كبير ومستمر. ويبدو ان القادة العرب بعد ان تكشف عدم التزامهم وأنظمتهم بقراراتهم قرروا تفضيل العمل كل بمفرده وبما يخدم مصالحه. ويطرح موعد الانتخابات الاسرائيلية في أيار القادم سؤالاً عما اذا كان القادة العرب سيعقدون قمة بعد هذه الانتخابات للتداول بنتائجها. والارجح ان تبقى القمة مؤجلة الى ما بعد الانتخابات الاسرائيلية خصوصاً اذا ما فاز ليكود ونتانياهو ثانية بغالبية كبيرة. ففوز نتانياهو ثانية ستفهمه العواصم العربية استمراراً للفوز السابق، وبالتالي استمراراً لنهج اسرائيل الهادف الى تقويض عملية السلام او على الأقل الإبقاء عليها في الحال التي توقفت عندها، وستفهمه استمراراً للموقف الاميركي الذي عشناه على امتداد السنوات الثلاث الماضية، الأمر الذي سيعني بالتالي احراجاً شديداً للقادة العرب وقدرتهم على تحقيق خيارهم الاستراتيجي بشأن السلام. وقد لا يجرؤ العرب على عقد قمة جديدة حتى وإن نجح نتانياهو في الانتخابات لأمرين: الأول ان بعضهم ممن وقع اتفاقات مع اسرائيل لا يرغب وربما لا يستطيع التخلص منها، والثاني ان واشنطن لا تشجع على عقد أي قمة عربية بعد قمة القاهرة 1990، وقد سبق لها ان انتقدت عقد القمة في 1996 وانتقدت سراً وعلانية التوجه الذي حصل لعقد قمة في كانون الثاني الماضي. فهل اصبح عقد القمة العربية بحاجة الى ضوء اخضر او اصفر اميركي؟ وماذا اذا لم تعط واشنطن هكذا ضوء هل يتوقف القادة العرب عن عقد القمة؟ وهل ستكون قمة القاهرة 1996 آخر قمة عربية؟ وأخيراً متى ستصبح القمة وقراراتها امراً يصعب المس أو الكفر أو الإشراك به؟ كاتب فلسطيني - دمشق