المسافة من مطار شيريمتيفو الدولي الى مداخل العاصمة الروسية لا تتعدى 20 كيلومتراً إلا أن السيارات تقطعها في ساعتين بسبب الاجراءات الأمنية المتشددة التي فرضت في موسكو ومدن أخرى لمواجهة "أعمال ارهابية" محتملة، أكدتها أمس تصريحات القائد الميداني خطاب الذي أعلن عن "برنامج للاستيلاء على مدن في روسيا". ويستوقف رجال الشرطة كل شاحنة أو سيارة يعتقدون انها يمكن ان تنقل متفجرات، كما انهم يستوقفون كل سيارة يقودها سائق لا يحمل وجهه "بصمات البراءة" المتمثلة في الملامح السلافية. وان لم تكن أبيض البشرة أشقر فإن عليك ان تجهز وثائق تثبت انك لم ترتكب اثماً ولم تضع عبوة في مكان. وينطبق ذلك ليس على السائقين وحدهم، بل ان دوريات الشرطة تستوقف كل من "ابتلي" بالبشرة السمراء وكان الله في عونه ان لم تكن وثائقه تحمل ختماً بأنه من سكان موسكو، اذ أن ذلك يعني سلفاً انه وفد الى العاصمة لاغراض "مشبوهة". والغريب ان وزارة الأمن الفيديرالية كانت اعلنت ان منفذي التفجيرات في موسكو ومدن أخرى كانوا ذوي ملامح سلافية، ولكن اجهزة حفظ الأمن تصر على تعقب "القوقازيين" حصراً منذ ان اعلن الرئيس بالوكالة فلاديمير بوتين قبل أيام انه يتوقع "اعمالاً ارهابية انتقامية". وحصلت موسكو على تأكيد أقوالها أمس عندما بث تلفزيون "ان.تي.في" تسجيلاً لكلمة وجهها خطاب وذكر فيها ان لديه برنامجاً للاستيلاء على المدن التي اعتبرتها روسيا أيضاً محررة. وأضاف خطاب الذي كان يتحدث بالروسية ان هدف العمليات المقترحة هو "ان تعرف روسيا ان المجاهدين قادرون على الاستيلاء على أي مدينة ليس في الشيشان وحدها بل في روسيا ايضاً". واعتبر الناطق باسم وزارة الأمن الفيديرالية الجنرال الكسندر زدانوفيتش ان هذا التهديد "يشكل خطراً جدياً". وأضاف ان لدى الوزارة معلومات بأن المسلحين الشيشانيين الذين قال انهم "في وضع حرج" قد يقومون ب"أبشع الأعمال ... لوقف تقدم قواتنا". وأعلنت القيادة الفيدرالية امس ان حوالى 100 مسلح هاجموا أمس معسكراً للقوات الروسية داخل الأراضي الداغستانية، وأكدت ان معركة ضارية جرت أدت الى مقتل 20 وأسر خمسة من المهاجمين. وإذا كانت البشرة السمراء سبباً لمضايقات في موسكو فانها تغدو مسبباً للموت في الشيشان. فقد كشفت أمس معلومات عن حادث دموي جرى في بلدة ستارية اتاغي التي تبعد 15 كيلومتراً عن غروزني حيث اطلق مجهولون ليلاً قذيفتي "ار.بي.جي" على مقر للحاكم العسكري الروسي المحلي وعلى الفور اطلقت المدفعية نيراناً غزيرة على البلدة ودمرت مسجدها و20 منزلاً. وطوقت المدرعات الروسية ستاريه اتاغي واحتل القناصة مواقع حول البلدة وجرى بعد ذلك "تمشيطها" أي تفتيش المنازل من دون تصريح أو اذن وكل ما يترتب على ذلك من عقوبات تحل بمن "يشتبه" فيه. وما حدث في ستاريه اتاغي يجري يومياً في غروزني التي استمرت فيها المعارك الضارية. واعترف نائب رئيس الأركان الروسي فاليري مانيلوف ب"ممارسة تأثير قوي بالنيران" على المدنية. وأضاف ان "طوق الحصار يضيق" وتوقع "تنظيف" غروزني في غضون أيام. وقدر مانيلوف عدد المقاتلين في مختلف ارجاء الشيشان ب11 ألفاً قال ان بينهم ثلاثة آلاف في غروزني. وهذه الأرقام تناقض ما ذكرته هيئة الأركان عشية الحرب عن وجود سبعة آلاف "ارهابي" في الشيشان، وما اعلنته أخيراً عن مقتل 10 آلاف مقاتل وبقاء سبعة آلاف يواصلون المقاومة. واضافة الى المعارك تجرى محاولات لاقناع قادة ميدانيين بوقف المقاومة. وذكر زعيم الميليشيات المحلية الموالية لموسكو بيسلان غانتميروف انه اجرى عبر وسطاء مباحثات مع قادة لم يحدد اسماءهم وذكر انهم ابدوا استعداداً لالقاء السلاح مقابل الحصول على ضمانة بسلامتهم. ولكن المراقبين يعتقدون أن مثل هذا التصريح قد يكون جزءاً من حرب نفسية ومحاولة لرفع المعنويات المنهارة لميليشيات غانتميروف. وعلى صعيد آخر ازدادت الضغوط الدولية على موسكو لحملها على بدء مفاوضات مع غروزني. وأكد الرئيس الأميركي بيل كلينتون ان الحرب الشيشانية "لا فائدة منها". وقال انها تعرقل تطور روسيا. وفي موسكو استقبل فلاديمير بوتين امس الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان الذي دعا الى تفادي "الحاق الضرر بالابرياء" وقال ان محاربة الارهابيين يجب أن تكون عبر استخدام "مكافئ" للقوة. ولم تلتفت موسكو الى دعوات المجلس الأوروبي ومنظمات دولية واقليمية الى بدء مفاوضات مع غروزني. وذكر مانيلوف ان مباحثات غانتميروف مع قادة ميدانيين "لا علاقة لها اطلاقاً بأي مفاوضات سياسية". وزاد ان من وصفهم ب"زعماء العصابات" يأملون ان ترضخ موسكو لضغوط دولية وتبدأ التفاوض. وأضاف "ان هذا لن يحصل". واثر لقائه مع انان ذكر النائب الأول لوزير الخارجية الكسندر افدييف ان موسكو "لا تجد من تفاوضه". وأضاف ان الرئيس الشيشاني اصلان مسخادوف "فقد شرعيته باعتماده حكم الشريعة الاسلامية وموافقته على تنفيذ احكام بالاعدام" ودعوته الى قيام دولة شيشانية مستقلة.