صدر تقرير لجنة تحديث مجلس اللوردات برئاسة اللورد ويكام في 20 الشهر الجاري، يعرض فيه خيارات متشابكة تناسب طموحات الحكومة البريطانية وتحتاج الى وقت لحل عقدها. وهذا يعني ارجاء المسألة الى ما بعد الانتخابات العامة، او الى اجل غير مسمى وفق تعبيرات بعض المعلقين. من حيث المبدأ اقتحمت كلمة "الانتخاب" ذات السحر الخاص في الحياة السياسية البريطانية مجلس اللوردات الذي لم تلامس اسواره الخارجية يوماً، وفرضت على لجنة التحديث البحث عن مخطط دستوري يكون للوردات المنتخبين مساحة ولو صغيرة فيه. وكان ذلك انطلاقاً من الاجماع على عدم جعل المجلس منتخباً كلياً، تجنباً لتعارض الصلاحيات بجعل مجلس اللوردات نسخة مصغرة عن مجلس العموم. وبالجمع بين نظام التعيين الحالي، الذي اكتسب قوة بعد الغاء وراثة اللقب والمنصب، وبين شريحة منتخبة اقليمياً، يمكن ان يقوم المجلس بدور لا يرقى الى درجة التشريع، ولا يقل عن سلطة مراجعة ورقابة، تقدم اضافات من دون ان تكون منافسة. يشكل تحديث المجلس فرصة تحدث مرة واحدة في حياة اللوردات. وتتركز العملية على مستويين: الاول هو تحديث المجلس نفسه، والثاني رفع مستوى الاداء العام في الديموقراطية البرلمانية. وقام تقرير اللورد ويكام على تسوية بين الطبيعة المحافظة القديمة، وبين قيم حزب العمال الجديد، اي جمع المحافظة مع التحديث السياسي والدستوري. خلاصة التقرير هي انه لا توجد حجة مقنعة في اجراء توسع كبير في عمل المجلس، وأي تغيير كهذا سيسبب تصادماً بين المجلسين، ولكن توسعاً معتدلاً في صلاحيات المجلس يدعم عملية التشريع الدستوري، إذ يحتاج الأمر إلى آلية فعالة لمراجعة التشريعات والاحكام التفصيلية المتروكة للوزراء والدوائر التابعة لهم. هناك رأي معتبر يتعلق بالاستجواب البرلماني، ووجود حاجة للحفاظ على وضع مجلس العموم، اما السماح لمجلس اللوردات العمل بفعالية اكبر في نطاق الصلاحيات المحدودة الممنوحة له وتحويله الى مجلس منتخب كلياً، سيخلق شراكة سلبية، ويضيع الخبرة الاساسية اللازمة لاكتشاف نقاط الضعف في التشريعات المقترحة، وهذا ما رفضه تقرير اللورد ويكام. كذلك فإن جعل المجلس معيناً كلياً، سيفقده الاعتبارات الديموقراطية، وستكون له صلاحيات اخلاقية فقط، وليست لهذا قيمة دستورية. وباستعراض المجالس المماثلة في العالم، يبرز التأثر بادخال عنصر تمثيل الاقاليم والمناطق، وهذا هو تعليل اللجنة لتقديم ثلاثة نماذج يمكن اختيار احدها في المرحلة الثانية في عملية التحديث الدستوري. في النموذج الاول يتكون المجلس من 65 عضواً من الاقاليم يختارون من قائمة الانتخابات العامة وفق اسلوب التمثيل النسبي. وفي النموذج الثاني يتكون المجلس من 87 عضواً من الاقاليم، ينتخبون مباشرة بعد كل انتخاب للبرلمان الاوروبي، ويختارون من قائمة التمثيل النسبي. وفي النموذج الثالث يتكون المجلس من 195 عضواً ينتخبون وفق اسلوب التمثيل النسبي ايضاً في الوقت الذي تجرى فيه انتخابات البرلمان الاوروبي. وينص تقرير اللجنة انه مهما يكن عدد اعضاء المجلس وطريقة انتخابهم، يخدمون مدة تعادل ثلاث دورات برلمانية، ويخدم الاعضاء المعينون مدة 15 سنة. التعيين: تختار المفوضية المستقلة التي ستعين لهذا الغرض الاعضاء الذين تزكيهم الاحزاب، ويشترط ان يكون 30 في المئة على الاقل من النساء، وان تمثل الاقليات العرقية استناداً الى نسبتهم العددية في المملكة كلها. ويقترح تقرير اللجنة الغاء صلاحية رئيس الوزراء في التحكم في عدد الاعضاء الجدد المعينين والتوازنات المرافقة لذلك، واقتصار دوره على ضمان تمثيل المجلس للمجتمع البريطاني كله. الصلاحيات: ليست هناك تغييرات جذرية في ميزان الصلاحيات المطبق الآن بين مجلس العموم ومجلس اللوردات. ويقترح اصدار قانون يسمح للمجلس الاعتراض بما يؤخر مشروع قانون، ولكن لا يستطيع منع اصدار قانون اقر في جولتين في مجلس العموم. وللتخفيف من وقع الصلاحيات الجديدة المقترحة لمجلس اللوردات، ومنها دوره في الرقابة الدستورية، نص التقرير على انه يجب ان يحترم المجلس البرنامج الانتخابي للحزب الحاكم، ويجب ان لا يتحدى مواقف النواب في رسم السياسات العامة. وعليه تشكيل لجنة دستورية للتدقيق في تعقيدات نصوص التشريعات، ولجنة لحقوق الانسان، ولجنة لاستجواب الوزراء الرئيسيين. الاساقفة: يجب ان يستمر تمثيل الكنيسة الانكليكانية في المجلس، على ان تشارك الطوائف والاديان الاخرى. لانكلترا 21 مقعداً 16 للكنيسة الانكليكانية وخمسة من الطوائف المسيحية الاخرى. المهمات: حددت مهمات عامة للمجلس تتمثل في اربع: اولها استكمال الجوانب المختلفة في عملية رسم السياسات العامة. وثانيها: اسماع اصوات مختلف فئات المجتمع البريطاني في البرلمان، وثالثها: الاستمرار في المهمة الرئيسية بالتدقيق وتحقيق التوازن في اطار الدستور البريطاني غير المكتوب، ورابعها: ان يكون المجلس صوتاً للأمة بكاملها وللمناطق في القضايا العامة والمركزية. ونص التقرير على ان هذه المزايا بما تتضمنه من قدرة على الحفاظ على قيم الاخلاق والحرية بعيداً عن هيمنة الحزب الواحد يمكن ان تجنب مجلس اللوردات القديم عدم الفعالية ونقص الشرعية السياسية، وتحقيق الثقة اللازمة لاداء دوره بنجاعة، وسيبقى مجلس العموم الهيئة السياسية الرئيسية وله الكلمة النهائية في كل السياسات العامة. لوردات مدى الحياة: استبعد تقرير لجنة التحديث حرمان اللوردات مدى الحياة البالغ عددهم اكثر من 500 من مركزهم، لأن ذلك يحتاج الى تشريع متعدد الأبعاد وتشكل عملية ايجاد البديل متاعب كبيرة للمفوضية الجديدة. وأخيراً نص التقرير على انه يجب اختيار الاعضاء على اساس ما يستطيعون تقديمه للمجلس وليس كمكافأة او تقدير لانجازات سابقة. ويجب استمرار اصدار قائمة الشرف للاعضاء الجدد مرتين في السنة وفق ما هو جار الآن. ويمكن ايجاز ما سبق بقاعدتين سوف يقوم عليهما مجلس اللوردات الجديد الذي لم يقترح اسم جديد له : أولاً، يجب جعل صلاحياته اكثر نجاعة، وتقديم اضافة دستورية ذات قيمة، وليس خلق نسخة مكررة لمجلس العموم. ثانياً، يجب ان تكون بنية المجلس متميزة مثل صلاحياته كي لا تتصادم القوتان في المجلسين. هناك اجماع على انه لم تنضج عملية التحديث بعد. فهناك خوف من التشويش على الانتخابات، وربما يحدث انقسام في الحزب. وستبحث الاحزاب سراً عن صيغة تسوية وفق ما كشفت صحيفة "التايمز". لذلك كان على اللورد ويكام الوصول الى صيغة غير واضحة ومقبولة ظاهرياً، وبذلك يمكن لرئاسة الوزراء كسب الوقت الى ما بعد الانتخابات العامة. عموماً تقرير ويكام شديد المحافظة، وهو ما كانت تتوقعه المؤسسة السياسية من ولاء رجل مخضرم. * كاتب وصحافي سوري مقيم في بريطانيا. مجالس مماثلة - اليابان: 252 عضواً في مجلس القناصل لمدة ست سنوات، نصفهم ينتخب كل ثلاث سنوات. - فرنسا: في مجلس الشيوخ 321 سيناتوراً، 296 منهم يمثلون المناطق، و13 يمثلون المقاطعات التابعة لفرنسا ينتخبون من قبل القناصل المحليين، و12 ينتخبهم مواطنون فرنسيون مقيمون في الخارج. - المانيا: يمثل 19 عضوا من كل جمهورية من ال 16 التي تتشكل منها المانيا الاتحادية، و3 اعضاء يمثلون المجلس الاتحادي "البوندسرات"، وأربعة أو ستة أعضاء تعينهم حكومات الجمهوريات حسب عدد السكان. - ايطاليا: يشمل المجلس 315 سيناتوراً ينتخبون من قبل المواطنين ويمثلون المقاطعات، ومن الرؤساء السابقين، ومن خمسة سيناتورات مدى الحياة يختارهم رئيس الجمهورية. - كندا: يفوض البرلمان الاتحادي رئيس الدولة بتزكية السيناتورات، منهم 112 سيناتوراً كحد اعلى يعينون من المناطق. - الولاياتالمتحدة: في مجلس الشيوخ 100 عضو، مع اثنين يختاران بانتخاب مباشر في كل الولايات الخمسين لمدة ست سنوات، مع تجديد ثلثهم كل سنتين.