بعد سنوات طوال من ادعاء رفع مشعل الدفاع عن الشعب الجزائري المستضعف والجهاد من أجل استرجاع حقه المشروع في التعبير والتمثيل والعيش الكريم وحقه في التمتع بالسلم، ها هو "الجيش الاسلامي للانقاذ" يبشرنا بتحوله الى ميليشيا جديدة ويخبرنا "بقراره" الانضواء تحت اللواء من طلقاء الجيش الفرنسي وغيرهم. هذا القرار - إلقاء السلاح من البعض وتسخيره من البعض الآخر لمحاربة من أبى الخيانة - هذا القرار لا يعتبر خيانة للجبهة الاسلامية ولمبادئها فحسب علماً ان هذا الجيش المزعوم لم يكن في يوم ما تابعاً للحزب السياسي بل يعتبر خيانة للشعب الذي كان يأمل استرجاع حقه المهضوم على يدي من خانوه اليوم بطريقة مهينة .... جاءت الصفقة مشينة الى أبعد الحدود ولعل ذلك ما يفسر بقاءها طي الكتمان وخشية افتضاح خزيها لم يجد أفذاذ هذه الميليشيا المستحدثة مقابل إلقاء السلاح وتغيير توجيهه اكثر من المطالبة بأتفه الأجور التي تزهد عنها النفس الأبية الكريمة، ثمن تشمئز منه الفطرة السليمة. لم يعد الشعب الجزائري يرى الآن في هؤلاء سوى قطيع آخر مأجور تماماً على شاكلة قطعان ميليشيات الدفاع الذاتي .... قبل هذه السقطة حاول المرء عبثاً استنطاق "الكلمات" التي نص عليها الاتفاق الوئام المدني عله يجد فيها بعض ما يبرر إلقاء السلاح واستمرار الهدنة بل وحل جيش الانقاذ. للأسف لم يعثر على شيء من ذلك القبيل ولا حتى شبه سراب أمل يمسك بأهدابه ويوهم نفسه به. ولا شك في ان الذي صاغ الاتفاق هو ذاته الذي ادخل البلاد أتون ما تكابده اليوم وهو الذي ألغى صوت الشعب وخياره وإرادته في واد من الدم، وما كان في الأخير من مزراق الا التوقيع بكامل الإرادة المتاحة لديه أو ما يعتقد ان تبقى له منها. أين اذن رفع الحيف عن الشعب؟ أين المطالب المشروعة للشعب؟ أين رد المظالم؟ أين وأين...؟ قد يقول البعض ان هؤلاء معنيون فقط بسلامتهم لا غير وهذا كان يمكن الالتفات اليه وتفهمه لو كانوا تصرفوا ذلك التصرف باسمهم لا باسم شريحة من الشعب. هل هذه السنوات الطوال خلاصتها وعصارة جهادها تلك المهادنة والاشمئزاز اللذين لقوهما من قبل الجنرالات الذين يفتخرون بكسر شوكتهم وإذلالهم وايقاعهم أسرى بين ايديهم وكذلك تلك الخيبة والمهانة اللتين لقوهما من قبل المواطنين الذين تمنوا ان ما يشاهدونه مجرد سراب أو حلم مؤرق لكن الحقيقة مرة ويجب التعاطي الواقعي إزاءها والإقرار بوجودها. الذي يزيد في سريالية الوضع ومن خيالية المشهد ان تنقلب هذه الجماعة من جيش اسلامي يقاتل الجنرالات أعداء الأمة والبلاد الى ميليشيات تُسخر لمقاتلة من أبوا الانصياع والانضواء تحت إمارة الجنرالات وغيرهم، أي انقلبت الخريطة رأساً على عقب: طغمة الانقلابيين وجزاري الزوابري أو ما يسمى ب"الجيا" المختلفة وقطيع ميليشيات الدفاع الذاتي والملتحقون الجدد من اتباع مزراق وجناحه السياسي في بون ومن جهة ثانية الأوفياء من الشعب ومن الذين رفضوا سوء الخاتمة! كلمة واحدة توجه الى المتنكرين لكل ما نادوا به وناضلوا طويلاً من أجله: أجل يحق لكم كأشخاص ان تتعبوا فتلقوا السلاح أو تهادنوا أو تستسلموا، فلن يعترض عليكم أحد أو يلومكم أو حتى ينتقدكم لكن لم يعد لكم حق تمثيل هذه الأمة العظيمة أو التحدث باسمها ولا حتى الانتساب اليها وما أصبحتم اليوم الا صيغة أخرى بالتأكيد ليست الأحسن ولا الأخيرة من أمثال أسلافكم من مراني وقشي و... بوخمخم من قوافل النفوس الضعيفة التي لا نهاية لها، لكن أن تفعلوا ما فعلتموه بصفتكم ممثلي الشعب ثم "تبجحكم" بنهاية ما يؤمن به هذا الشعب ولا زال يعمل من أجله، فهذا والله ما لن يسمح لكم الشعب بافترائه ولن يغفره لكم. فإن "حل" هذا الجيش - الميليشيا نفسه فلم يكن هو الحل "الذاتي" الأول، فقد سبقه الى ذلك الناطق باسم ما يسمى الهيئة التنفيذية الذي ادعى بهتاناً ان الحزب لم يعد له وجود، والغريب في الأمر انه لا يزال بعد ذلك يقتات باسم هذا الحزب "المحلول" حسب توهمه ويأكل من فيض ما يجمع باسمه. .... فإن كانوا خانوا الأمة والقضية، فهذا لا يعني انهم سيحظون على رضى أولياء نعمتهم الجدد، فهؤلاء لا عهد لهم وقد برهنوا على ذلك، بالغدر بكل من خدمهم. وبوضياف ليس الوحيد، اذ سبقه كثيرون، منهم بشير فقيه أحد المنشقين عن الجبهة الاسلامية للانقاذ، هو الآخر كان ضحية "الوثوق" بالانقلابيين، فبعد ان استغلوا اندفاع الرجل للتهجم على الشيوخ وعلى الجبهة وزرع الشك وسط الأمة جوان 1991 الشهيرة أجهزوا عليه وتخلصوا منه في "حادث سير". مع هذا كله لن يفلح مكر هؤلاء ولن يعطيهم اكثر مما حصلوا عليه الى اليوم من وهم القضاء على التوجه الحضاري للشعب الجزائري، بل سيتجاوز الشعب هذه المحنة الجديدة ويتخطاها بعونه تعالى ولن يزيده ذلك سوى صلابة وتشبث بقضيته مع مستجد إضافي: إحصاء ميليشيا جديدة في تعداد الطوابير المهينة التي لا يتمنى المرء مصادفتها. الرباط - عكاشة أبو لقمان