تشهد الجامعات الكندية، عاماً بعد عام، توافد الطلاب المسلمين اليها، عرباً وغير عرب، شباباً وشابات، ينتمون بغالبيتهم الى بلدان العالم الثالث، بينهم الأفارقة والآسيويون والشرق اوسطيون من ذوي الثقافات واللغات المختلفة، حتى باتت الكليات الكندية اشبه بهيئة أمم طلابية تضم في رحابها، جنباً الى جنب، الأبيض والاسود والأصفر والمتدين والعلماني والملحد وغير ذلك من الاتنيات والعروق والديانات المتعددة. ولا غرو في ذلك، فالجامعات الكندية وشهاداتها تتمتع برصيد اكاديمي عالمي وتؤهل طلابها بمستويات علمية وتكنولوجية عالية وتهيئ لهم فرصاً ثمينة للانخراط في اسواق العمل المحلية والدولية علاوة على تدني كلفة التعليم فيها تتراوح بين ثلاثة آلاف وعشرة آلاف دولار في السنة تبعاً لاقامة الطلاب في كيبك او في كندا او حيازتهم على فيزا طالبية قياساً على غيرها من الدول الاوروبية والاميركية، وسهولة نمط العيش وتوفر الاحتياجات الحياتية تنوع المطابخ والأطعمة التي تتوفر لعموم الاتنيات وتأمين السكن في بيوت الطلبة او خارجها بأسعار متهاودة اجمالاً، وتوفير الضمانات الاجتماعية والصحية وتيسير الحصول على منح وقروض مالية لا سيما الطلاب الحائزين على هجرة دائمة. والى ذلك كله، ينعم الطلاب المسلمون، كغيرهم من الطلاب الآخرين، في حرم الجامعات وخارجها، بحريات وحقوق عزَّ نظيرها في اوطانهم الأم اذ تأتي كندا في طليعة دول العالم الحر احتراماً لحقوق الانسان، الامر الذي يجعل من يحظى بقبوله مهاجراً اليها في عداد "المحظوظين" على حد تعبير احد الطلاب الأفارقة في جامعة ماغيل، وفي هذا القول دلالات بليغة تؤشر الى تخلف الأنظمة التعليمية في البلدان النامية التي لم تتوصل بعد الى مشروع توأمة بين العلم والحياة نظراً للهوة السحيقة القائمة بين التربية والسوق والانتاج من جهة، وندرة المناهج والكليات التطبيقية مقابل طغيان العلوم النظرية والانسانية في الجامعات الوطنية من جهة اخرى، اضافة الى تردي الاوضاع المعيشية والاقتصادية التي تحول دون وصول الطلاب الفقراء ومتوسطي الحال الى بعض الجامعات الخاصة، ما يؤول في نهاية الامر الى خلل فادح في التوازن بين تزايد اعداد الخريجين وتضاؤل فرص العمل حاضراً ومستقبلاً ووقوع الطلاب تحت هاجس الهجرة الذي لا مناص منه احياناً. ويتوزع الطلاب المسلمون بكثافة لافتة في معظم الجامعات الكندية لا سيما في جامعات مونتريال أربع جامعات اثنتان منها فرانكفوفونيتان جامعة مونتريال um وجامعة كيبك في مونتريال uqam واثنتان انغلوفونيتان هما جامعة ماغيل mc gill انشئت عام 1821 وتضم حوالي 28711 طالباً وطالبة بينهم حوالي 2000 طالب وطالبة من المسلمين، وجامعة كونكورديا concordia، التي تعود بجذورها التاريخية الى العام 1834 وبوجودها القانوني الى العام 1974، وتضم حوالي 25000 طالب وطالبة بينهم حوالي 6000 طالب وطالبة من المسلمين وهؤلاء الطلاب المسلمون يتوزعون على بلدان اندونيسيا وباكستان وايران والفيليبين والهند والعراق ومصر وفلسطين ودول الخليج العربي ممن تعتمد في لغاتها وثقافاتها الاجنبية على اللغة الانكليزية. يشير رئيس جمعية الطلبة المسلمين في جامعة كونكورديا، عمر علي، الى ان تهافت الطلاب المسلمين على هذه الاخيرة يعود، خلافاً لجامعة ماغيل، الى عدم تشددها في قبول معدلات علمية عالية وتساهلها في امتحانات اللغة الانكليزية اجمالاً، علماً ان كلا الجامعتين على شهرة واسعة ببعض الاختصاصات التي تنفرد بها عن الاخرى. فكونكورديا للدراسات التجارية والمالية والادارية وماغيل لا تضاهيها اية جامعة اخرى في علوم الطب والهندسة المدنية والكومبيوتر والمعلوماتية ويقتصر الاقبال على هذه الفروع عادة على الطبقات الميسورة والغنية ممن يدرسون على نفقتهم الخاصة، الأمر الذي يجعل جامعة ماغيل جامعة ارستقراطية قياساً على الطابع الشعبي لجامعة كونكورديا، ويبدو هذا الامر واضحاً في تفاوت اعداد الطلبة المسلمين في كل منهما. وتنفرد جامعة ماغيل عن غيرها من الجامعات الكندية الاخرى بوجود قسم خاص للدراسات الاسلامية انشئ عام 1950 ويضم حالياً 26 طالباً. ويمنح شهادة الماجستير والدكتوراه ويتولى التدريس فيه نخبة من الاساتذة المسلمين من جنسيات مختلفة وباللغة الانكليزية دون سواها. كما تحظى ماغيل بقسم آخر لتدريس اللغة العربية على اعتبار انها من العلوم الموصلة للدراسات الاسلامية التي اعدت لها مكتبة، هي الاولى من نوعها في الشمال الاميركي تأسست عام 1952 وتضم حوالي 100.000 مجلد ومؤلف ومخطوطة تعود 16 منها الى القرن السادس عشر، و31 الى القرن السابع عشر، و142 الى القرن الثامن عشر وتتوزع هذه المحفوظات على اللغات العربية والانكليزية والفرنسية والالمانية والتركية والاسبانية والايطالية والفارسية والروسية. وتشكل هذه المكتبة مرجعاً ثقافياً هاماً قلما حظيت بمثله العديد من المكتبات العربية الاخرى. واشار احد الطلاب الذي اكتفى بالتعريف عن نفسه محمود … سوري، 27 عاماً الى ان المكتبة تشكل "المكان الروحي المفضل للطلاب المسلمين حيث يتواصلون فكرياً عبر اطلاعهم على الوان التراث والحضارة والعلوم والمناهج الشرعية للدين الحنيف". وتتقاسم جامعتا كونكورديا وماغيل العديد من الروابط الطلابية العربية النادي اللبناني والنادي الفلسطيني ونادي الطلاب العرب والاسلامية من اهمها جمعية الطلبة المسلمين، لها موقع كبير على شبكة الإنترنت تحت عنوان ssm.u.mcg:\ca\iss ففي حين تقتصر نشاطات الأندية العربية على الحفلات والسهرات الترفيهية والمعارض الفنية والعروض الفولكلورية والغنائية والموسيقية، فان نشاطات الطلبة المسلمين تكاد تنحصر بألوانها الفكرية والثقافية التي تلتزم الدفاع عن القضايا الوطنية والاسلامية في شتى انحاء العالم على غرار استضافة احد الاعلاميين الكنديين، روبير فيسك، الذي فضح ممارسات العدو الصهيوني للمعتقلين في السجون الاسرائيلية، واستضافة وفد من جمهورية الشيشان الاسلامية الذي شرح امام وفود جامعية وحشية الاعتداءات على المسلمين وتهجيرهم علاوة على بعض المناظرات التي تعقد من حين الى آخر بين الطلبة المسلمين والطلبة اليهود فيما عنى قضايا الشرق الاوسط. كما يساهم الطلبة المسلمون في نشر المقالات والابحاث والتحقيقات عن العالمين العربي والاسلامي وباللغة العربية والانكليزية في مجلة الجامعة الى جانب ما يقومون به من خدمات للطلاب الوافدين الجدد من حيث تعريفهم على كل ما يمت بصلة الى الحياة الجامعية والاكاديمية. وكانت افطارات رمضان المبارك وصلاة عيد الفطر السعيد من ابرز النشاطات الروحية التي رافقت هاتين المناسبتين في كل من جامعتي ماغيل وكونكورديا. فالافطارات كانت تقام في احدى القاعات الدراسية التي خصصت كمصلى مسجد لاقامة الشعائر والفروض الدينية. وكانت توزع فيه على الصائمين المأكولات والحلويات والمرطبات عند كل افطار. وتحدث رئيس الطلبة المسلمين في جامعة ماغيل محمد لبيب، مصري، 25 عاماً عن هذه الظاهرة المستحدثة بقوله: "لم نتوصل الى هذه المكاسب الاسلامية الا بعد جهد كبير من المطالبة المستمرة الى ان اقتنع المسؤولون في ادارة الجامعة من حسن سلوكنا وتفوق العديد منا وثناء الاساتذة على جهودنا وكفاءاتنا العلمية ، فخصصوا لنا مصلى نزاول فيه فرائض الصلاة اليومية فضلاً عن المصلى الكبير الذي خصص لأداء صلاة العيد وهو يتسع لأكثر من 5200 شخص". يشار الى ان حوالي 60 طالبة مسلمة من جنسيات مختلفة قد شاركت بصلاة العيد في قسم مجاور لمصلى الشباب وكنّ محجبات، يضعن الفولار الاسلامي او الشادور او الخمار الاسود، وقد أمَّ الجميع إمام من الطلاب وألقى خطبة العيد باللغتين العربية والانكليزية، ومن ثم توزع الجميع الى قاعات مجاورة لتناول الحلويات والمرطبات. واللافت ان ادارة الجامعة هي التي تتكفل عادة من موازنتها الخاصة بالانفاق على الافطارات الرمضانية والأنشطة الاسلامية. وأفاد احد الطلاب بأن بعض المسؤولين "كانوا يشاركوننا احياناً بمآدب الافطار في شهر رمضان المبارك". وعلى هامش صلاة العيد تحدثت طالبة مسلمة محجبة شيماء… باكستانية، 22 عاماً عن تنامي ظاهرة الطالبات المحجبات في جامعة ماغيل. وتوقفت عند الحملات التي كانت تستهدف المحجبات في الاعوام السابقة لا سيما من قبل الكنديات واليهوديات خاصة فيما اسمته "تشويهاً لوجه الاسلام الحقيقي". واضافت "لقد كنا نتهم بالتعصب والانعزال والتخلف والتطرف في عقائدنا واتهامنا، بنات وشباباً، بالاصولية المرادفة في زعمهن للارهاب. وبعد ان تجاوزنا الحملة التي عمت في الاعوام السابقة الكثير من المدارس والمعاهد والجامعات فقد اصبحنا اليوم كسائر الطالبات نمارس شعائرنا الدينية بكل حرية ولنا مصلى قائم الى جوار مصلى الشباب في الجامعة". وكانت صلاة العيد مناسبة للتعرف على احد الكنديين الذي اعتنق الاسلام منذ سبع سنوات والذي عرف عن نفسه يحيى عبدالرحمن، مسلم كندي. انهى دراسته في علوم المحاسبة في جامعة ماغيل وتعرف اثناءها الى بعض الطلبة المسلمين وواكب نشاطاتهم الدينية وقرأ القرآن الكريم باللغة الانكليزية الى ان توصل الى قناعة تامة دفعته الى اشهار اسلامه ونطق بالشهادتين امام ثلة من اصدقائه. وهو اليوم يمارس العبادات والفروض الدينية ويقيم الصلاة ويصوم شهر رمضان. والى ذلك يعتبر نفسه ناشطاً اسلامياً حيث يقوم حالياً تزويد "مجلة الزيتونة" في ولاية تكساس الاميركية بالتقارير الدورية دفاعاً عن القضايا الاسلامية العادلة لا سيما قضية فلسطين والقدس، وجعل لهذه الغاية موقعاً على الإنترنت تحت عنوان www.inin.ent. وكشف عبدالرحمن انه خلافاً لزملائه لا يخشى الافصاح عن افكاره الاسلامية ويجهر بها امام الملأ ربما "كوني كندياً اتمتع بحصانة تخولني ان اقول كل شيء وكوني مسلماً ادافع عن عقيدتي من منطلق انها واجب وحق من حقوق الانسان". الا انه يأخذ على زملائه انتماءهم الى هذا المذهب او ذاك خلافاً لما يعتقد بأنه "مسلم ولا شيء غير ذلك". وفي هذا السياق لم تعد ظاهرة "الأسلمة" حالة فردية شاذة او نادرة في المجتمع الكندي والكيبيكي. فمنذ عامين استضاف راديو كندا، مؤسسة تلفزيونية كبيرة ولمدة ساعة ونصف الساعة خمس سيدات كيبيكيات كن قد اشهرن اسلامهن وهن في زيهن الاسلامي الشرعي وروين للمشاهدين كيف ان ايمانهن بالاسلام لم يكن عبثاً او مجرد نزوة عابرة او نتيجة ضغط من ازواجهن، وانما كان فعل ايمان شخصي نابع عن تصميم وإرادة وقناعة كلية في اختيار الاسلام بديلاً عن اية ديانة اخرى. ويبدو ان العديد من الحالات المماثلة تحصل من حين الى آخر في اوساط الطلاب الجامعيين او في نطاق العمل او التواصل اليومي او في بعض حالات التزاوج بين المسلمين والكنديين.