لأول مرة تحل مداخيل السياحة في صدارة عائدات المغرب من العملة الصعبة عام 1999 متجاوزة بذلك تحويلات المهاجرين التي ظلت تشكل اول مورد للنقد الأجنبي للبلد. ونمت مداخيل السياحة خلال الشهور العشرة الأولى من العام الماضي بنحو 11 في المئة لتبلغ قيمتها 83،15 بليون درهم نحو 6،1 بليون دولار بعدما زاد عدد الوافدين الأجانب على المغرب 19 في المئة، وفاق السياح خلال تلك الفترة مليوني زائر أجنبي ما يمكن اعتباره أفضل تحسن من نوعه منذ قرابة عقد من الزمن. ويتوقع المغرب 5،2 مليون سائح أجنبي بنهاية عام 1999 ونحو ثلاثة ملايين عام 2000. وعلى رغم ان الفرق بين عائدات السياحة وتحويلات المهاجرين يقل عن مئة مليون دولار، الا انه يعكس في جانب آخر التطور الذي سجله قطاع السياحة مقارنة مع نتائج السنوات الماضية التي كانت فيها العائدات تقدر بنحو 11 بليون درهم 1،1 بليون دولار، ما يجعل النمو يفوق 45 في المئة. ويتوقع وزير السياحة حسن الصبار ان يتواصل النمو للسنوات القادمة وصولاً الى أربعة مليون سائح أجنبي عام 2003، على ان يرتفع الرقم الى ستة ملايين سائح عام 2006 تاريخ نهائيات كأس العالم التي ترشح المغرب لاستضافتها. ويشكل الأوروبيون وعلى رأسهم الفرنسيين أهم زوار المغرب وهم يمثلون 83 في المئة من مجموع السياح 1،7 مليون شخص أي ان أكثر من ثمانية سياح من أصل عشرة هم من أصل أوروبي، وان اربعة سياح من عشرة هم فرنسيين، في حين لا يتجاوز السياح العرب في المغرب نسبة ستة في المئة وهي تقريباً نسبة السياح الأميركيين نفسها. وكانت سنة 1999 شهدت ارتفاعاً في جل الجنسيات. وزاد الفرنسيون 30 في المئة وبلغ عددهم 725 الف سائح. وحل الاسبان في المرتبة الثانية ب218 ألف سائح بزيادة 13 في المئة، والألمان 193 ألف سائح - 5 في المئة، والانكليز 120 ألف سائح بزيادة 26 في المئة، والايطاليون 110 آلاف سائح "15 في المئة. وزاد سياح اميركا الشمالية 31 في المئة ليصبح عددهم 137 ألف سائح، كما سجل السياح العرب نمواً مقداره عشرة في المئة وبلغ عددهم 581،51 ألف سائح. وارتفع عدد السياح السعوديين 6،10 في المئة وعددهم 30 ألف زائر، وبلغ عدد السياح المصريين 11 ألف سائح بزيادة 5،28 في المئة. وبينما تراجع السياح الليبيون 27 في المئة والتونسيون ثلاثة في المئة، حافظ الزوار الجزائريون على مستوى 16 الف شخص. وبالنسبة الى السياح اليابانيين زاد عددهم ثمانية في المئة الى 18 ألفاً والاستراليين 29 في المئة الى 10 آلاف سائح. ويحرص وزير السياحة حسن الصبار على التأكيد ان مشكلة المغرب تكمن في محدودية الغرف الفندقية قياساً الى الأعداد الافتراضية للسياحة المحتملة القادمة الى المغرب. وهو يعتقد ان عدد السياح يتطور أكثر من عدد الغرف. ويستشهد بالفترة التي تمت بين أعوام 1993-1998 حينما كان معدل البنايات السياحية الجديدة ينمو بنسبة 5،0 في المئة بينما ينمو الطلب السياحي 6،4 في المئة سنوياً. وكان عدد الأسِرّة الفندقية التي تم تشييدها في تلك الفترة يناهز 2500 سرير سنوياً، بينما انتقل عدد السياح في المدة المماثلة من 6،1 مليون الى مليوني سائح. وتقدر الطاقة الأيوائية للمغرب حالياً بنحو 90 ألف سرير مصنف، وهي على رغم عدم توازنها من منطقة الى اخرى تظل أقل من الحاجات. وتتركز الفنادق الكبرى في مدن مراكش وأغادير ووارزازات التي تحيز لنفسها نحو ثلثي السياحة المغربية. وبلغ عدد زوار مراكش وحدها الشهر الماضي نحو 86 ألف سائح أجنبي ما يجعلها أكثر المدن المغربية طلباً. ويحتاج المغرب الى بناء نحو 40 ألف سرير سياحي جديد خلال السنوات الثلاث المقبلة لا سيما في المناطق التي تشهد ضغطاً في الطلب. وحظيت السياحة السنة الماضية بنسبة هامة من اجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتقدر قيمة المشاريع التي تم التعاقد بشأنها بنحو 500 مليون دولار. وباتت "أكور" أكبر شركة سياحية في المغرب بعد ادارتها "قصر المؤتمرات" و"فندق المنصور" في مراكش و"قصر الجامعي" في فاس وشبكة ابيس - مسافر بجوار محطات القطارات، في مدن عدة. وعززت المجموعة الفرنسية حضورها في السوق المغربية باعلانها استثمار نحو 200 مليون دولار اضافي. وكانت شركة "ستراتيجيك بارتنيز" الأميركية وقعت في 14 كانون الأول ديسمبر 1999 عقداً مع الحكومة المغربية بقيمة 150 مليون دولار لبناء مجمعين سياحيين في مراكش، احدهما يطلق عليه اسم "ريتز كارلتون" بسعة 250 جناحاً و"ماريوت" بسعة نحو 400 الى 450 غرفة من خمسة نجوم. ويشمل المشروع كذلك ملعبين للغولف من 18 حفرة و24 ملعباً للتنس ومركزاً للرياضة والرشاقة الجسمانية. وتقول مصادر مغربية ان المجمعين ثمرة مبادرة قام بها غابرييل بانون يهودي من أصل مغربي الذي شغل منصب مستشار اقتصادي للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. كذلك وقعت مجموعة "سول ميليا" الاسبانية مع الحكومة المغربية عقداً لإنشاء وحدات سياحية راقية في مدينة اغادير على المحيط الأطلسي بكلفة 110 ملايين دولار، تشمل فندقاً من 500 غرفة على مساحة 40 هكتاراً وملاعب للغولف وكازينو لألعاب الحظ ومسبحين بمساحة خمسة آلاف متر مربع. ويطلق على المشروع اسم "ريزورت باراديوس" وهو موجه الى سياحة النخب والعائلات ويندرج ضمن ما أصبح يعرف بالسياحة البيئية. وعلى عكس سياحة المؤتمرات ورجال الأعمال التي ظلت تصنف بسياحة النخبة، يتجه المغرب في العقد المقبل نحو سياحة المنتجعات التي تقام خارج التجمعات السكانية وتختار مواقع جغرافية فريدة تستجيب لجمهور خاص من السياح تجلبهم الطبيعة والهدوء ويتوافر لهم الوقت والمال الكافيان. وتقام هذه المنشآت في الغالب وسط الغابات أو على ضفاف الوديان والبحار، وهي عكس الفنادق الكلاسيكية لا ترتفع الا قليلاً عن الأرض وتمتد بشكل انبساطي على مساحة واسعة تمنح الخلوة والانفراد التي قد لا توفرها المصاعد. وتتوقع الاحصاءات ان تزدهر هذه الأنواع من السياحة القرن الحالي حينما ستتجاوز عائدات السياحة الدولية مجموع تجارة الخدمات والسلع مجتمعة، في وقت سيتوافر لجيل كامل من سكان النصف الشمالي للكرة الأرضية مزيد من الوقت والمال وقدرة الاتصال والرغبة في دفء الجنوب وطيبة أهله. ولا يستبعد وزير السياحة المغربي حسن الصبار ان ترتفع نسبة مساهمة القطاع الى 11 في المئة من الناتج القومي الاجمالي في القرن الحالي مقابل ستة في المئة سابقاً على ان يتضاعف عدد العاملين في السياحة ليفوق نصف مليون شخص.