قطب الرحى في اهتمامات الحكومة اليابانية الحالية برئاسة كايزو اوبوشي خلال السنة ألفين هو اجتياز الاستحقاق الانتخابي المقرر لشهر تشرين الأول اكتوبر المقبل بنجاح. ويراهن ابوشي في مواجهة المعارضة البرلمانية، التي تهدد بتضييق الخناق عليه في المعركة الانتخابية، على النجاح في ضبط ساعة الاقتصاد على إيقاع النمو التصاعدي بعد إعادة المؤشرات الكبرى التي ضعضعتها الأزمة الى الوضع الطبيعي. في المقابل تتحرك المعارضة على الملعب نفسه محاولة حشر رئيس الوزراء في الزاوية واظهار عجزه عن ادارة مخلفات أعنف أزمة شهدتها اليابان منذ الحرب العالمية الثانية وإعادة عجلة الاقتصاد الى الدوران. وبعدما تخلى ابوشي عن فكرة حل البرلمان التي راجت في وقت سابق في طوكيو، يبدو أكيداً ان الانتخابات البرلمانية ستتم في موعدها وأنه سيسعى للحصول على أكثرية مريحة يقودها حزبه الحزب الليبرالي الديموقراطي بعدما يهزم مجدداً منافسه الرئيسي الحزب الاشتراكي ليمضي في حكم اليابان التي قادها خلال أربعين سنة من 1955 الى 1993 ثم من 1996 الى اليوم. وعلى رغم كونه يقود الائتلاف الثلاثي الحاكم فإنه يحظى بغالبية نسبية في غرفتي البرلمان أي 49 على 110 مقاعد في الغرفة العليا و223 مقعد على 500 مقعد في السفلى. ويعتمد الحزب الليبرالي الديموقراطي تقليدياً على التمويل الآتي من المقاولات وشركات الأشغال العمومية وكبار المزارعين. وفي هذا الاطار لوحظ ان موقف الحكومة اليابانية في مؤتمر سياتل كان صارماً لجهة رفض الغاء الدعم الحكومي للمزارعين ما القى ضوءاً جديداً على العلاقة العضوية بين حزب اوبوشي وفئة المزارعين. كذلك بدا واضحاً من الموازنة التي ستعرضها الحكومة على البرلمان خلال الشهر الجاري ان اوبوشي يسعى لتنشيط الاستهلاك بتخصيص اعتمادات ضخمة لمشاريع البنية الأساسية التي تشمل الطرقات السريعة والجسور لامتصاص البطالة وتشجيع الاستثمار، تخدم في النهاية قاعدته الانتخابية لدى المقاولين. سياسة مخاتلة في هذا السياق ينتهج اوبوشي سياسة مخاتلة تقوم على تحقيق انطلاقة جديدة للاقتصاد لكن مع إثقال كاهل الدولة بالديون وتعميق عجز الموازنة الذي يتوقع ان يرتفع الى 9.4 في المئة أي ثلاثة أضعاف السقف المسموح به للبلدان المنتمية الى منطقة "يورو" خلال العام الجاري. وستمول الحكومة 40 في المئة من النفقات العامة بواسطة قروض. وربما بسبب تراجع مستوى استهلاك الفرد فإنه يسعى الى تنشيط الاستهلاك بزيادة نفقات الدولة حتى إن أدى ذلك الى صعود حجم الديون الى مستويات قياسية. ويحاول وزير اقتصاده كيشي ميازاوا ان يطمئن دافعي الضرائب اليابانيين بالتأكيد على أن الموازنة الحالية هي الأخيرة التي تعتمد على تضخيم المديونية لاطلاق مشاريع عملاقة. لكن سياسة اوبوشي هذه غير مأمونة النتائج لأن اليابان انتهجت منذ سنة 1992 سياسة ترمي لإنعاش الموازنة وخصصت لهذا الهدف 120000 بليون ين من دون أن تلوح في الأفق بوادر انتعاش قوية. وعلى رغم هزال النتائج قرر اوبوشي المضي على النهج نفسه فوضع موازنة يصل مستوى العجز فيها الى 3.8 في المئة قياساً على قانون المالية للعام 1999. ويقول خبراء اقتصاديون ان الحكومة اليابانية تسلك سياسة مخالفة لكل البلدان الصناعية الأخرى التي تجتهد لتحقيق فائض في موازناتها أو - في الأقل - التقليل من مستوى عجزها والتخفيف من حجم المديونية. ويغامر اوبوشي بالتسبب في أزمة اقتصادية جديدة مثل التي كادت تنزلق اليها اليابان في نهاية العام 1998 خصوصاً ان حجم المديونية سيرتفع في نهاية السنة الجارية الى أكثر من 43 في المئة وهو مستوى قياسي. ومع مطلع العام الجاري يجد اوبوشي نفسه بين خيارين أحلاهما مر: فهو لا يستطيع انتهاج سياسة اقتصادية صارمة لأن الاجراءات غير الشعبية ستقلل من حظوظه في الفوز بالأكثرية في انتخابات الخريف المقبل، وهو لا يستطيع ان يغامر في الوقت نفسه بوأد بوادر الانتعاشة التي ظهرت في العام الماضي وتجسدت بتحقيق نسبة نمو ايجابية للمرة الأولى تعادل 0.6 في المئة، خصوصاً انه حدد نسبة النمو المقررة في العام الجاري ب1 في المئة. ولا يعرف حتى الآن كيف سيحسم رئيس الحكومة خياراته وان كان واضحاً ان هدفه هو الوصول الى الواحد في المئة. وتشكل الزيادة في النفقات العسكرية أحد مصادر ارتفاع الانفاق العام في السنة ألفين، فعلى رغم ان موازنة الدفاع لن تزيد عن حجم الموازنة السابقة سوى ب0.1 في المئة فقط، فإن حكومة اوبوشي اعتمدت خطاً خاصاً لتمويل برنامج لاقامة ستارٍ من الصواريخ المضادة للصواريخ بالاشتراك مع الولاياتالمتحدة. وتقدر كلفة الأبحاث الخاصة بالبرلمان ب50 الى 60 بليون ين 400 الى 490 مليون يورو وهي ستستمر من خمسة الى ستة أعوام. ويثير المشروع الذي يعكس مخاوف اليابان من الصواريخ الصينية والكورية الشمالية ردود فعل سلبية في عواصم مختلفة، ففيما اعتبرته باريس برنامجاً خطراً على الأمن الاقليمي عارضته بكين في شدة معتبرة انه موجه ضدها. هذا على الصعيد الاقليمي، اما على صعيد علاقات اليابان مع البلدان النامية فاللافت ان حكومة اوبوشي ستخفض مجدداً من حجم "المساعدة العمومية للتنمية" في السنة ألفين وستركزها أساساً على البلدان الآسيوية لأسباب استراتيجية واضحة ما يعني تراجع المساعدة التنموية المخصصة للبلدان الافريقية والعربية. قصارى القول إن سياسة ابوشي تثير مخاوف في الداخل كما في الخارج، ومن غير الثابت ان المخاطرة التي يلجأ لها مع اقتراب موعد الانتخابات ستضمن له الفوز بالأكثرية ليكون طليق اليدين في السنوات الأربع المقبلة.