في مجال الاسلوب والاشتغال على اللغة، في مجال التجريب واعتبار الأدب اضافة حقيقية الى الحياة، ليس ثمة من يضاهي جيمس جويس صاحب "يوليسيس" و"صورة الفنان في شبابه" و"يقظة فنيغان" وغيرها... ومع ذلك هل يمكن لأحد ان يصدق أن جويس، مات في 13 كانون الثاني يناير 1941، من دون أن يفكر مُحكّمو جائزة نوبل باعطائه جائزتهم؟ ومع ذلك لو سألنا أي قارئ جادّ عمن يعتبرهم أهم عشرة كتاب في القرن العشرين لجاء اسم جويس في الطليعة. لقد مثل جيمس جويس في أدبه كما في حياته، بداوة المبدع في عصرنا، فهو الذي ولد في دبلن في ايرلندا في العام 1882، ومات في زوريخ في سويسرا في عز اندلاع الحرب العالمية الثانية، وعاش متنقلاً بين تريستا في ايطالياوباريس ولندن، لم يعرف لنفسه وطنا أو مستقراً، بل كان يرى ان اللغة وحدها هي وطنه. وكذلك كان يقول دائما ان جذوره الادبية تعود الى النرويجي ابسن والايطالي دانتي والفلسفة الاغريقية والالماني هاوبتمان... اما من الكاتبين بالانكليزية فقد كان وليام بطلريتس صديقه الدائم كما تولى عزرا باوند حمايته وحده بالمال كلما كان بحاجة اليه. وجويس - على عكس ما قد يوحي به مظهره الارستقراطي الهادئ في الصور العديدة الملتقطة له - كان بحاجة دائمة الى المال. فهو منذ رحيله عن دبلن في المرة الأولى سعياً وراء مصادر الابداع في أوروبا، وفي المرة الثانية غضبا على الايرلنديين الذين عاملوا مجموعته القصصية الأولى "أهل دبلن" بكل احتقار، لم يكف عن السعي وراء المال مشتغلا في شتى المهن، من استاذ للغة الانكليزية، الى مترجم، الى كاتب مسرحي. وهو لئن نشر أعماله الأولى في العامين 1907 مجموعته الشعرية "موسيقى الحجرة" و1914 مجموعة "أهل دبلن"، فإنه كان بحاجة للانتظار حتى العام 1922 قبل أن تنشر في باريس روايته الكبرى "يوليسيس" التي اثارت فور نشرها حماس واعجاب تي.اس. ايليوت، وارنست همنغواي بين آخرين. غير أن الرواية لم تنشر في بريطانيا الا في العام 1936. و"يوليسيس" التي يستعير فيها جويس المناخ النفسي لرحلة يوليسيس في الأسطورة الاغريقية، رواية تدور احداثها خلال يوم واحد في دبلن، هو يوم 16 حزيران يونيو 1904، حيث نرى الشخصية الرئيسية ستيفن ديدالوس الذي سبق ان رأيناه في كتاب سابق لجويس هو "صورة الفنان في شبابه" كما نرى اليهودي لابلود بلوم وزوجته مولي... وأحدث الرواية تتابع تجوال ديدالوس وبلوم في دبلن وما يلتقونه خلال يومهم... اما الفصل الأخير فهو عبارة عن مفاجأة تقوم بها مولي. اما فصول الكتاب فتنحو نحو الاوديسة اذ يتقمص ديدالوس تيليماخوس، وبلوم اوديسيوس، ومولي بنيلوس...