سجل الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة مساء اول من امس الخميس في قصر الرئاسة الخطاب الذي وجهه الى الجزائريين في قصر الرئاسة، ليل امس، بمناسبة رأس السنة الميلادية الجديدة. وتزامن الخطاب مع عودة الحديث عن متاعب تثيرها المعالجة الحالية لملف الجيش الاسلامي للانقاذ الذي وعد الرئيس بتسويته خلال ولايته الرئاسية التي تنتهي سنة 2004. وترى اوساط سياسية مطلعة ان الرئيس بوتفليقة مجبر خلال المرحلة المقبلة على ايجاد تغطية قانونية خاصة بجماعة مدني مزراق، الامير الوطني للجيش الاسلامي للانقاذ، علماً ان قانون الوئام المدني يعد غطاء قانونياً وسياسياً لعناصر الجماعات الاسلامية المسلحة سواء التي التحقت بالهدنة او تلك التي لا تزال تنشط في المدن والجبال حسب تصريحات وزير الداخلية السابق عبدالمالك سلال "ولا يشمل عناصر تنظيم مدني مزراق". ومن هذا المنظور لا يستبعد عدد من المتابعين لملف الهدنة ان يعلن بوتفليقة قراراً في هذا الاتجاه خصوصاً ان تنظيم الجيش الاسلامي للانقاذ رفض في السابق ان تعالج وضعيته في اطار قانون الوئام المدني الذي عبر عن رفضه الشديد له قبل ان تستدرك الرئاسة بتعديله في آخر لحظة، بإضافة مادة جديدة أبرقتها مصالح رئاسة الجمهورية الى مكتب البرلمان قبل ساعات قليلة من تقديم اسماعيل حمداني رئيس الحكومة السابق، مضمون القانون الى النواب بهدف المصادقة عليه. وتشير المادة 41 التي اشتهرت باسم "المادة 38 مكرر" الى انه "لا تطبق الاحكام المذكور اعلاه الا عند الاقتضاء على الاشخاص المنتمين الى المنظمات التي قررت بصفة تلقائية وإرادية محضة انهاء اعمال العنف ووضعت نفسها تحت تصرف الدولة كلياً"، في اشارة واضحة الى جماعة الانقاذ. غير ان قرب انتهاء المهلة التي حددها قانون الوئام يوم 13 كانون الثاني يناير الجاري، يدفع مراجع لها صلة بملف الهدنة الى توقع اصدار عفو رئاسي يشمل عناصر التنظيم المسلح من دون الحاجة الى تزكية البرلمان بما ان الرئيس بوتفليقة حسب المراجع ذاتها، قد حصل في 16 ايلول سبتمبر الماضي على تفويض شعبي بشأن مسعى الوئام المدني، وهو تفويض يتوقع ان يستخدمه الرئيس الجزائري في وقت ازداد تردد عناصر تنظيم مدني مزراق ازاء السلطة بعدما لاحظوا سوء معاملة اعلامية في الآونة الاخيرة اذ وُصفوا ب"العناصر الضالة"، وهو ما اعتبرته اوساطهم "اهانة"، حسب تعبير مسؤول في جيش الانقاذ الاسبوع الماضي. لكن اوساطاً ساسية من خارج الائتلاف الحكومي ترى في قانون الوئام المدني "عفواً رئاسياً مقنعاً يمثل الحد الاقصى الذي يمكن ان تصل اليه الرئاسة في تسامحها مع كل الذين حملوا السلاح، وان القانون يمثل آخر حدود التنازل التي تقبل بها الدولة لمصلحة عناصر الجماعات المسلحة". وفي هذا الاطار تشير مصادر قضائية الى ان الرئيس بوتفليقة مستعد، مقابل ذلك، لتخفيف الاحكام القضائية التي قد تصدر ضد الذين ارتكبوا جرائم دم او اغتصاب كلما حلت ذكرى وطنية او دينية شرط ان يعبروا عن حسن نيتهم خلال مهلة الارجاء"، وبالتالي فإن العقوبات التي قد تلحق الارهابيين الذين ارتكبوا اخطر المجازر في حق الابرياء مثل عنتر زوابري امير الجماعة الاسلامية المسلحة "لا يمكن ان تتجاوز، وفق احكام قانون الوئام، 12 سنة سجناً كحد اقصى"، وقد تصل العقوبة الى نصف المدة اذا استفاد المعني من اجراءات تخفيف العقوبة التي تُعدّ من صلاحيات رئيس الجمهورية، وهو تقليد سياسي مُتّبع منذ الاستقلال". وقد عمّق تجاهل الرئيس بوتفليقة مطالب جماعة مدني مزراق في الفترة الاخيرة حجم مخاوف جماعة الهدنة، وهو تجاهل الى حد بعيد مطالبة مسؤول لتنظيم باعلان العفو الشامل عن عناصر الجيش الاسلامي للانقاذ حيث قال الرئيس في تصريحات صحافية سابقة ان عناصر الجماعات المسلحة "عادوا الى بيوتهم بالمئات ان لم اقل بالآلاف وهذا العفو سار وهذه العملية تتطلب الثقة من الجميع وفي الوقت ذاته تتطلب ثقافة التسامح والعفو بالنسبة للجميع". ولم يجد الرئيس بوتفليقة عناء كبيراً في مطالبة حتى قادة الانقاذ بالتخلي عن ممارسة السياسة كشرط اساسي للافراج عنهم سواء تعلّق الامر بعلي بن حاج الموجود في السجن العسكري في البليدة او عباسي مدني الخاضع للاقامة الجبرية. ورغم كل المحاولات التي قامت بها فعاليات الجبهة الاسلامية للانقاذ المنحلة، في الداخل او الخارج لدفع الرئيس الى القيام بخطوات لصالحهم مقابل دعم مسعى الوئام المدني الذي شرع به قبل نحو خمسة شهور الا انه ظل يلوح بشروط المجتمع المدني تجمع لتنظيمات عائلات ضحايا الارهاب التي ترفض اعادة الاعتبار السياسي الى قادة الحزب المنحل. وسجل مراقبون تقارباً كبيراً بين مواقف المجتمع المدني مع تلك التي تتبناها المؤسسة العسكرية ازاء ملف جبهة الانقاذ منذ فشل آخر سلسلة حوارات السجن في حزيران يونيو 1995 التي قادها احمد اويحيى مدير ديوان الرئاسة آنذاك. وكان أمير جيش الانقاذ مدني مزراق وعد الرئيس بوتفليقة في رسالة وجهها اليه في الفاتح من حزيران الماضي بالتعاون "الجاد معكم لطي ملف الازمة نهائياً وترك العمل المسلح الا في اطاره المشروع وما نكلف به في اطار ما اتفق عليه" ومن ذلك "القضاء على المجموعات الاجرامية المنحرفة واطفاء نار الفتنة وتوقيف حمام الدم". ويستبعد جداً ان يواصل مزراق حمل السلاح ضد الجماعات المسلحة من دون الحصول على تغطية قانونية يضمنها، في نظره، عفو رئاسي او قانون جديد خاص بالتنظيم ويكيّف ما تم الاتفاق عليه مع الجيش الجزائري في 11 تموز يوليو 1997.