تتأكد من يوم الى آخر صحة مقولة "الهجرة حظ لفرنسا"، وخلال الأعوام الاخيرة لم تعد الفائدة التي تجنيها فرنسا من العمال العرب الكادحين تتوقف على الآلاف من الآباء، وامتدت الى الأبناء الشبان الذين اصبحوا يرفعون صوت فرنسا في المحافل الرياضية والفنية والأدبية في انحاء العالم. فوضيل وبالاحرى "فودال" الشاب البالغ من العمر 21 عاماً فقط وصاحب العيون الذهبية - كما يطلق عليه - هو الاسم الجديد الذي يملأ مدينة النور وضواحيها ويشغل بال الصغار والكبار من محبي الأغنية العاطفية والشبابية بوجه عام. غطى فودال خلال هذا الصيف على خالد وزيدان ومامي، وخطف الاضواء ليلة ظهوره في ساحة الفن الاسطورية في مراكش امام اكثر من 30 ألف متفرج، وخلافاً للمطربين الشباب العرب الذين تركوا اوطانهم هاربين من الموت… يصنع دوفال هذه الأيام الحياة والحب في بلدان عربية وجد شبانها فيه مرجعية مثلى تبعث على الاعتزاز بجيل مهاجر لا يحترف السرقة وتناول المخدرات وتعكير صفو حياة الفرنسيين كما يكرر في كل مناسبة مرض الخوف من المهاجرين! فودال من مواليد حي "فال فوريه" غرب باريس… وهو الحي الذي يعتز به فودال: "باعتباره رمزاً للانصهار الإثني والاندماج الاجتماعي" عكس ما يدعي بعض الفرنسيين: "إن تعايش 35 اثنية في حي واحد ليس امراً سوسيولوجياً عفوياً". تربى فودال في احضان النغم وشب في محيط كله ايقاعات اصيلة ومعبرة عن زخم روحي وحضاري طبع شخصيته الشابة، ويعود الفضل في انغماسه في جو فني محلي الى والده الذي حرص على قضاء العطلة الصيفية في تلمسان الأمر الذي سمح للطفل فودال ان يترعرع وسط بيئة يكرس اهلها وقتاً كبيراً للغناء، ولا أدل على صحة ذلك - كما كرر فودال في اكثر من مناسبة - مرافقته لجدته التي كانت تحيي حفلات تعرف في الغرب الجزائري "بالشيران" حيث البنات يشكلن ما يشبه الكورال الشعبية على نطاق احتفالي محلي وضيق: "ما زلت الى يومنا هذا اتذكر اجواء الأعراس الشعبية في منطقة تلمسان… وكنت دائماً أجلس جنب جدتي المغنية، ولم اكن اتجاوز الثامنة حينما بدأت اقلدها مؤدياً اغاني "الراي" الاصلية". وحتى يؤكد فودال عدم انسلاخه عن الوطن الأم على رغم ودلاته في فرنسا… قال للمنشط التلفزيوني الشهير فريدريك ميتران مباشرة من ساحة الغنا في مراكش انه لا يشعر بالغربة، ولم يفاجأ أبداً باقبال الجمهور وسبق له ان ذاق طعم الأجواء المراكشية في الجزائر "ولأنني افتقدت هذه الأجواء خلال الاعوام الاخيرة، قررت ان اقضي عطلتي الصيفية هذه السنة في المغرب". ككل الفنانين الموهوبين… اظهر فودال استعداداً فنياً مذهلاً وضحى بدراسته من فرط حبه للغناء… وعلى حد قول مومو رفيق دربه ومتعهد حفلاته ل"الحياة" فان فودال "لم يكن يحتاج الى توجيه حتى يغني الى جانب اصدقائه الذين اسسوا فرقة "نجوم الراي". وكما كانت تفعل جدته… راح فودال يغني في اعراس شعبية وهو لا يتجاوز الثانية عشرة من العمر، والمدهش في ادائه… وقوفه على الخشبة بروح احترام كبيرة الشيء الذي سهل مهمته في باريس لاحقاً". "علاوة عن موهبته الفنية الخالصة"، قال اخوه عبدالقادر "ان فودال صاحب روح خفيفة ومحبوب على نطاق واسع، وعلى رغم صغر سنه يتمتع بكاريزما ملفتة، ولا يحتاج الى أي نوع من الافتعال ليظل قوياً وجذاباً، وقامته القصيرة ليست عائقاً يحول دون تألقه كما يرى البعض". إنه معشوق الشبان العرب والاوروبيين من الجنسين في فرنسا. وصاحب العيون الزرقاء الساحرة ليس عبرة فنية فحسب فاخلاقه ساهمت هي الاخرى في تثبيت وترسيخ اسمه في قائمة الشخصيات الاستثنائية، ولعل اجاباته بروح متواضعة عن اسئلة الصحافيين زادت من خصوصية هويته: "انا في البداية وما زلت متأثراً بمساري خالد ومامي ولست مستعداًَ لأن انسى تجربتي معهما". في زمن قياسي… اشتهر فودال، وخمسة اعوام كانت كافية ليصبح ظاهرة فنية وسوسيولوجية، فأفشل مزاعم اليمين المتطرف الخائف من ابناء الضواحي المهمشة، وراح يحصد سلسلة من الانتصارات الاعلامية والفنية، خصوصاً اثر صدور ألبومه الاول "من فرط حبي لك" الذي شكل منعطفاً حاسماً في مساره الفني وهو لا يتجاوز الثامنة عشرة!.. البوم "بيضاء" عمق شهرته… ورفع من شأنه اكثر من اي وقت، وغنى ابن "الفال فوريه" في صالتي "الاولمبيا" و"الزنيت" امام آلاف من الشبان والشابات، ويستعد الآن للغناء في اميركا وفي بلدان اوروبية. فوق كل ذلك… على رغم مظهره المرادف لبراءة مطلقة… يبدو فودال متحدثا لبقاً وذكياً، ويبقى مراهقاً بكل المواصفات والمعايير، حتى وان اكد انه لا يتعاطى شرب ام الخبائث وتناول المخدرات ومغازلة المعجبات. "حياتي الفنية هي أهم شيء وانا اعي فضل الله علي ولست من اولئك الذين يضيعون الفرص الذهبية. مشكلتي الوحيدة تكمن في كرمي فلا اعرف كلمة لا. لست نادماً على ذلك. وأكرر دائماً متحدثاً لنفسي… لا تتغير يا فودال وحافظ على تلقائيتك واعمل الخير وانساه ولا تنس الذين ساعدوك".