هذه المقالة وضعها بالألمانية المستشرق الألماني جيرنوت روتر، وهي موجهة الى القارئ الغربي كما يلاحظ من أفكارها العامة. لكنها تحمل في طياتها الكثير من المقولات المهمة للقراء العرب والمسلمين أيضاً، لعلها تساهم في النقاش الدائر حالياً حول الحوار بين الإسلام والغرب. وهنا القسم الأول من اثنين. الإسلام العدو الوهمي الجديد للغرب كان الأمر بسيطاً جداً في العقود الماضية، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى انهيار الدول التي تبنت نظرية الخلاص الشيوعية: فنحن كنا الأخيار أو الطيبين، أما الأشرار - الأعداء - فكانوا دائماً الآخرين. هكذا كان الغرب الرأسمالي ينظر إلى الشرق الشيوعي، مثلما كان الشرق الشيوعي ينظر إلى الغرب الرأسمالي. وامتد التقسيم الثنائي القطب شرقاً وغرباً، أو إيديولوجياً يساراً ويميناً، إلى داخل المجتمعات الفردية. لقد كانت صورة العدو الوهمي بسيطة بمثل كونها سهلة الفهم. ومع انهيار المعسكر الشرقي 1989-1990 أصيبت هذه الصورة بالتصدع والشروخ. وأخيراً عفى عليها الزمان، وأصبحت غير صالحة للاستعمال من قبل القادة العسكريين ومنتجي السلاح. أو المسؤولين السياسيين، لمواصلة تبرير ارتفاع النفقات العسكرية في الغرب. وعندما انقضّ صدام حسين على الكويت بعد ذلك بشهور قليلة، مهدّداً بذلك، كما يقال، إمدادات الغرب بالطاقة، جاء هذا الاعتداء في الوقت المناسب تماماً. كان التوقيت دقيقاً إلى درجة أن البعض لم يشأ أن يصدق في الواقع أن هذا حدث من قبيل الصدفة، ليقدّم ل"العالم المتمدين" عدواً وهمياً جديداً: الإسلام. وحتى الخميني نفسه، ذلك المتشدد الحقيقي، لم يتمكن قبل ذلك بعشر سنوات من خلق مثل هذه الأجواء المعادية للإسلام والشرق. وعن قصد تم تجاهل حقيقة أن المجرم السياسي صدام حسين يمثل الإسلام بالقدر نفسه الذي يمثل به نورييغا رئيس بنما السابق المسيحية مثلا. وبعد ذلك شُيّدت البنية العلوية الإيديولوجية لصورة العدو الوهمي الجديد. صامويل هانتينغتون وصراع الحضارات في سنة 1993 قدّم صامويل هانتينغتون، وهو على كل حال مدير المعهد الشهير للدراسات الاستراتيجية بجامعة هارفارد، اطروحة أن الصدامات العسكرية المستقبلية ستحدث على طول الشريط الواقع بين المناطق الحضارية، خصوصاً بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية. وبواسطة مثل هذه الدعاوى يتم الترويج للصدامات المستقبلية على أنها صدامات لا يمكن تحاشيها، أو تكهنات تتحقّق من تلقاء نفسها. وكان الاستقبال الإيجابي لهذه الدعوى في وسائل الإعلام الغربية مخيفاً حقاً. وهو في رأيي لا يثبت، إلا أن حرب الحضارات المتنبأ بها قد بدأت بالفعل في عقول الغربيين قبل ذلك بوقت طويل. نقاط الاتفاق ونقاط الخلاف بين الأديان الثلاثة إن التنافر، أو عدم التوافق المزعوم بين الفكر الإسلامي - ومن وجهة نظر الغربيين الفكر العربي في المقام الأول - والفكر الغربي، هو بالنسبة الى كتاب كثيرين حقيقة لا ريب فيها. وكون نقاط الاتفاق بين الإسلام والمسيحية واليهودية تفوق نقاط الخلاف بينها، هي حقيقة يندر حتى إظهارها أو إبرازها. فمنشأ الديانات الثلاث هو عالم شبه الجزيرة العربية السامي، وسيدنا ابراهيم هو الأب الأول المشترك لها، والتوحيد هو رسالتها المشتركة، والوحي الإلهي هو وسيلتها المشتركة، وهي جميعاً تقرّ بأن الجنة والنار هما جزاء العمل في الحياة الدنيا. وكما أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان مقتنعاً بأن ما تلقاه من وحي يطابق الوحي الذي كان موجهاً أصلاً إلى اليهود والمسيحيين، فكذلك اعتقد مسيحيو الشرق لفترة طويلة بأن الإسلام ليس إلا صورة جديدة من المسيحية. نقطة أخرى تجمع بين هذه الأديان، ولكنها في الوقت نفسه أكبر عامل يفرق بينها، هي ادعاء الحوز على الحقيقة المطلقة. وليس من المنتظر في الوقت الحالي قيام حوار بين أديان التوحيد الثلاثة، لأن ذلك يعني أن الديانات الثلاث عليها أن تعترف جميعاً - الثلاث وليس فقط الديانتان الأخريان دائماً - أنها نسخ متشابهة جداً من الأصل المفقود .... الجهل كأحد أسباب سوء الفهم بيد أن الأمر في التصورات العدائية المتبادلة لا يتعلق بمسائل الخلاف العقائدية على الإطلاق، أو يحدث هذا عرضاً فقط على أحسن تقدير. فالتناقض لا يُبنى عند كلا الطرفين بين الإسلام والمسيحية، ولكن بين الإسلام والغرب. وهذا يعني أن نقطة الانطلاق تتمثل في كتلتين ثقافيتين متجانستين: تسمى الأولى باسم دينها، والثانية باسم موقعها الجغرافي. وهكذا يتم النقاش على مستويين مختلفين. وطبقاً لذلك كثيراً ما لا يتفاهم الطرفان. ولكن سوء الفهم له أيضاً سبب آخر هو أن كل فريق يعتبر تصوراته الخاصة بالقيم بديهية وصحيحة، وأن كل ما يخالف هذه التصورات - حقيقة أو خيالاً - ينظر إليه على أنه سلبي وخاطئ. ولنضرب مثالين على ذلك من القرون الوسطى. المثال الأول: إن مؤلف ملحمة رولاند يجعل العرب يعبدون محمدا صلى الله عليه وسلم وأبوللو وتيرفاجانت فالثالوث المسيحي كان حقيقة بديهية في عقول الغربيين إلى الحد الذي جعلهم يتهمون المسلمين به أيضاً. كذلك فإن عبادة محمد صلى الله عليه وسلم كمؤسس دين، على التوازي مع عبادة المسيح، هي نقل خاطيء تماماً للتصورات الذاتية. المثال الثاني يتمثل في تهمة أخرى محببة كانت تقول إن المسلمين يعبدون - بجانب الله - فينوس إلهة الحب عند الرومان. ومما استند إليه أصحاب هذا الزعم قولهم ان المسلمين قد رفعوا من شأن يوم الجمعة وجعلوه أفضل أيام الأسبوع، وأن يوم الجمعة كان في القرون الوسطى اللاتينية هو يوم فينوس، بينما كان يوم الأحد هو يوم الإله. كذلك يصادف المرء في المعالجات الحديثة لقضايا الشرق الأوسط بصورة مستمرة تعبيرات غربية يتم فرضها على هذه القضايا العربية. فمثلاً في الحرب الأهلية اللبنانية كان المسلمون بالنسبة الى وسائل الإعلام الغربية هم "اليساريون"، وكان المسيحيون هم "اليمينيون"، مع أن هذه المسميات لا أساس لها من الواقع. خطأ مساواة الإسلام بالتطرف والعنف وأخيراً فإن قصور الغرب عن الفهم ناتج عن مساواة وخيمة العواقب للإسلام بحركات التطرف التي اتخذت من العنف أسلوباً لها. إن تنوع التيارات المختلفة داخل الإسلام لا يلاقي لدى الغرب أي اهتمام يُذكر: حيث أن هناك الإسلام الشعبي والتصوف، وكذلك التيار التقليدي والتيار الإصلاحي، ناهيك بالطبع عن طبقات المثقفين الذين يؤمنون بالإسلام كديانة، ولكنهم في الواقع مسلمو الثقافة فحسب... مثلما يشعر بعض الأوروبيين المنكرين لوجود الله بالانتماء كلية إلى الثقافة الغربية ذات النزعة المسيحية. بل إن الغربيين يركزون أبصارهم على مَن يُطلق عليهم اسم "المتطرفين" الذين يسمون أنفسهم بالمناسبة "إسلاميين"، ويتجاهلون في ذلك حقيقة أن التنوع الإسلامي نفسه يُظهر تشكيلة واسعة من التيارات تمتد من الحركات المسالمة حتى جماعات الإرهاب المسلحة .... الإسلام في الكتب المدرسية الألمانية إذا تصفح المرء كتب التاريخ المدرسية الألمانية، سيجد أن اتصال الغرب المسيحي بالعالم الإسلامي قد تراجع وانحصر في ثلاثة أحداث عسكرية. أولها هي معركة بلاط الشهداء المسماة موقعة تور وبواتييه سنة 732م التي أنقذ فيها كارل = شارل مارتل الغرب - كما يقال - من الاجتياح الإسلامي، وهو ما يعتبر هراء تاريخياً، لأن الأمر من وجهة النظر الإسلامية كان يتعلق بمجرد حملة من الحملات التقليدية، عديمة الأهمية تماماً من الناحية الاستراتيجية العسكرية في أرض العدو. ومع ذلك فما زال تمجيد هذا الحدث التاريخي يمثل جزءاً من المعارف الأساسية في الغرب. ويتبع ذلك الحملات الصليبية التي وإن لم يعد الغرب اليومَ يمجدّها كعمل بطولي عظيم، إلا أن الحسرة على فقدان القدس تظهر تلميحاً في كل ما يقرأه المرء أو يسمعه عن هذا الموضوع. إن كون صلاح الدين وخلفاءه - بطردهم الصليبيين - قد صانوا الشرق الأوسط من السيطرة الغربية، هو حقيقة لا يقدّرها الغرب. وفي مقابل ذلك يتم تقريظ الأمير أويجن "الفارس النبيل" كمنقذ للغرب والمسيحية، لأنه أدّب الأتراك ووضعهم عند حدودهم. كل هذا يجري في الغرب تحت الشعار الذي يبدو أنه صعب الاستئصال، القائل إن مقصد الإسلام الوحيد هو التوسع "بالنار والحديد". إن سعي بعض الدول - التي اتفق أن حكامها في ذلك الوقت كانوا مسلمين - إلى التوسع تماماً مثلما فعلت ذلك دول أخرى كان يحكمها مسيحيون، مع ملاحظة أن أوضاع المسيحيين في حالة الفتح الإسلامي كانت في العادة أفضل بكثير من العكس، هو في الواقع حقيقة معروفة لا جدال فيها، ولكنها لم تتمكن فيما يبدو من فرض نفسها على الوعي الأوروبي. وتمثّل أسطورة النار والحديد أحد أوجه أهم فكرة نمطية ثابتة في إطار المشاعر العدائية تجاه الإسلام، أي أن الإسلام والمسلمين جميعاً يتسمون أصلاً بالعنف والعدوانية، وبذلك فهم يمثلون تهديداً للحضارة الغربية. ولم يتغير شيء من هذه الصورة منذ القرون الوسطى، على رغم الخبرات التاريخية كافة. الخبراء المزيفون وإذا كان المرء في ذلك الوقت قد استمتع بالروايات التي تصف المسلمين يقطعون أطراف الصليبيين وهم أحياء، وينزعون أحشاءهم من أجسامهم برافعة... فقد احتل مكان ذلك اليومَ ما يطلق عليه "الكتب التخصصية" التي تكشف عناوينها بصورة كافية عن مقاصد مؤلفيها، مثل: "سيف الله"، و"سيف الإسلام"، و "السيف الأخضر"، إلخ. ثم يأتي علاوة على ذلك الحديث عن "مشاعر الجماهير الإسلامية الحماسية التي لا يمكن التنبوء بها" على حد تعبير الصحفي الألماني شول لاتور، تماماً مثل الحديث عن "الرغبة العربية في تدمير الذات". ويتم تقييم 1400 سنة من التاريخ العربي بعبارات مثل: "إن حلم تأسيس وطن عربي كبير قد تبدّد منذ سنة 622م، بصورة متكررة مع المذابح والاغتيالات والثورات وأعمال العنف. لقد قضت نشوة القتل والاستشهاد في مراحل متقطعة على محاولات بناء دولة مستقرة ذات توجهات عقلانية". بغض النظر عن أن "حلم تأسيس وطن عربي كبير" لم يظهر منذ سنة 622م، ولكن على أقل تقدير منذ نهاية القرن التاسع عشر، تحت تأثير فكرة الدولة القومية الأوروبية، وهو ما يجعل ملاحظة الخبير السابق لشؤون الشرق الأوسط جيرهارد كونسلمان لا أساس لها من الصحة التاريخية. وتظهر هنا علاوة على ذلك مثلما هي الحال عند مؤلفين كثيرين آخرين أيضاً - بجانب العنف - فكرة نمطية مبتذلة أخرى هي: الزعم بلاعقلانية المسلمين عموماً والعرب خصوصاً. الغرب لا يفهم معنى الجهاد إن ما يتخلل تبريرات الزعم بأن الإسلام هو دين عنف كنغمة أساسية هو فكرة الجهاد. يقيناً يعتبر "الجهاد في سبيل الله" فرضاً على أمة الإسلام، ويمكن أن يتخذ صورة الكفاح المسلح. والواقع أن الجماعات الإسلامية المتطرفة أعلنت الجهاد شعاراً لها، لإضفاء صفة الشرعية الدينية على أعمالها الإرهابية. ولكن أين يحصل كبار علماء الدين الإسلامي في وسائل الإعلام الغربية على منبر - أو مجال أو فرصة - ليوضحوا من خلالها أن فريضة الجهاد المسلح تقتصر على حالة الدفاع فحسب؟ أو ليشرحوا أن "الجهاد في سبيل الله" بالمعنى الأصلي للكلمة يعني فرضاً أخلاقياً وروحانياً؟ وأن يشجبوا إرهاب الجماعات الإسلامية المتطرفة على أنه غير إسلامي البتة؟ ترجمها عن الالمانية: ثابت عي