يراودني أمل حيوي، يمكن عن طريقه ان يصبح الفن ملكاً لجميع البشر والحضارات، حاملاً أمل البشرية، والأهم من ذلك، ينبغي ان نعيد النظر في مفهوم الفن الحديث، فلم يعد الفن الحديث نوعا من الرفاهية والكماليات، ولكنه أضحى "مفهوما" من مفاهيم العيش، فالفن الحديث في العالم لا يفتح الطريق للحوار مع التقليد التاريخي فحسب، ولكنه يفسح المجال للحوار مع الاساليب الاصطلاحية لكافة الحضارات". من خلال هذا المقتطف للفنان اليوناني "افثيميوس فارلاميس"، والذي أورده ضمن كلمته المصاحبة لمعرضه الضخم "الاسكندر 2000" الذي أقيم في قصرالفنون المركز القومي للفنون يمكن النظر في العدد الكبير من الاعمال الفنية، التي يضمها هذا المعرض، والتي تبلغ نحو الف عمل فني ما بين لوحة واسكتش وتمثال وجدارية، تدور جميعها حول شخص "الاسكندر الاكبر" او الاسكندر المقدوني باعتباره احد الاشخاص النادرين الذين حققوا فكرة "العالم وطن واحد" الفكرة التي تطرح نفسها الآن بقوة هي قوة الحقيقة الواقعة، بعد تقلص الحواجز الزمانية والمكانية، من هنا يمكن ان ندخل الى مفهوم الفن الحديث أو الفن العالمي كما يشير اليه فارلاميس في مقتطفه الدال، وكما يحققه من خلال القطع الفنية الألف التي يضمها معرضه، والتي تدور جميعها حول شخص الاسكندر. فالفن باعتباره "مفهوما" من مفاهيم العيش "في هذه اللحظة بما تشهده من تراجع الحواجز الزمانية والمكانية، يتحقق لدى فارلاميس عبر رمز كوني، استطاع ان يضم حضارات العالم القديم، المعروف آنذاك في قارات آسيا وافريقيا واوروبا، وهو "الاسكندر" وذلك عبر الحوار معه. إن ذلك الحوار، هو حوار مع حضارتين جامعتين، هما الحضارة اليونانية والحضارة المصرية القديمة التي اشتملت على حضارات العالم القديم في تضاعيفها. يمثل "الاسكندر" أكثر من الرمز المجرد في هذا المعرض، كما يتعدى فكرة العودة الذهبية الى التاريخ الى انتخاب "حالة حضارية" يمثلها الاسكندر بحياته القصيرة التي لمع فيها كالشهاب وتجلت فيها قدرته على الفعل، القدرة التي تقترب من النموذج الانساني المنتخب والمتخيل للحظة الآنية،والذي تجاوز "السوبرمان" ليصبح "الميجامان" لذلك - في ظني - يأتي الاسكندر ليكون بطلا واطارا في معرض فارلاميس وليس ارسطو او سقراط وكلاهما يوناني وكلاهما يرقي الى مستوى الرمز الذي يحمل في تضاعيفه امكانات تأويلية متعددة يمكن الاتكاء عليها في عمل فني ممتد وذي رسالة. لكن الفارق بين سقراط أو ارسطو وبين الاسكندر يكمن في تفاوت الزمن الذي يستغرقه كل منهم في تغيير العالم، فقد استغرقت كتابات ارسطو وقتا طويلا واحتاجت وسائط ورسلا من حضارات وازمنة مختلفة حتى تسنى لها ان تؤسس للنهضة الاوروبية في حين اضطلع الاسكندر مباشرة، وفي معدل زمني ينتمي للقرن العشرين بتغيير العالم، وارساء دعائم امبراطورية تتآخي فيها حضارات العالم المعروف آنذاك، تتوحد فيها المعتقدات والمفاهيم بدرجة تقارب انضواء العالم المعروف حاليا تحت راية "الجينز" او الكوكاكولا. ليس غريبا اذن ان يتسع المعرض ليضم معالجات فنية متباينة، تخطيطات اولية لوجه الاسكندر، تحديدات خارجية على خلفيات غنية تشبه تخطيطات بيكاسو لرؤوس الكائنات، تماثيل من البرونز متفاوتة ومنحوتات مختلفة لرأس الاسكندر ووجهه تتجلى فيها النزعة الاغريقية بامتياز، جداريات حركية غنية بامكاناتها اللونية وشخوصها حيث تسجل معارك الاسكندر وفتوحاته، مئات اللوحات ذات المكونات اللونية المختلفة تضئ كل منها حالة من حالات الاسكندر النفسية كي تضئ اللحظة التي كان عليها الفنان، تخطيطات ودراسات تشريحية تستمد ثقلها وجمالها من التراث الاغريقي في النحت والرسم ومن تعاليم ليوناردو دافنشي وعصر النهضة، فرصة مواتية امام الفنان يستند فيها الى طيف الاسكندر مجربا ومتعاركا مع سطح اللوحة مفتشا عن حلول تشكيلية جديدة. تتآخى الاساليب كماتتعدد اشكال المعالجة لمفهوم الاسكندر لا لرمزه - في هذا المعرض مّما يسمح بتغطية مختلف النزعات الفنية التي تتشابك وتتجادل في هذه اللحظة، لحظة التجاور للانماط والموضات والمعتقدات بل والجماعات داخل الاطار الواحد الذي هو كل العالم. إذن .. هل يعني "مفهوم الاسكندر" مفهوم العالم آنيا حيث تتراجع مسميات من قبيل "قارة" ،"دولة" ثقافة، قومية وتتقدم مسميات من قبيل اثنيات، أعراق؟.