لم يكد عبدالحليم كركلا يقدّم مسرحيته الاخيرة "إمارة من هالزمان" في مهرجانات بعلبك حتى استعاد مسرحيته ما قبل الأخيرة "الأندلس... المجد الضائع" ليعيد تقديمها في لندن وأمام الجمهور الذي بات يتابعه منذ سنوات. والمسرحية تسترجع حكاية الأندلس التاريخية في ما شهدته من أمجاد وهزائم ولكن في أسلوب فنيّ يتوجّه الرقص الذي شاءه كركلا مزيجاً من ألوان حديثة وتراثية وفولكلورية. ولم يختر عبدالحليم كركلا قضية الأندلس الا ليجذّر الانتماء الى تلك الحضارة الأندلسية التي حققت ذروة التلاقي بين العالم العربي والغرب. فهو لم يعمد الى رثاء الأندلس مثلما فعل بعض الشعراء والفنانين، بل جعل منها أمثولة للإتعاظ والتخطي. وقد جعل عبدالحليم كركلا من قصة الأندلس وسيلة لبناء عرض مسرحي راقص تمتزج فيه أجساد الراقصين بالموسيقى والألوان امتزاجاً جمالياً بهياً. وقد أفاد كثيراً من الاندماج الحضاري العربي والاسباني لينوّع الرقص اولاً والأجواء ثانياً ولكن عبر حال من التناغم والتألف التي ينجح في ترسيخها دوماً. ومن لوحة الى أخرى تجسد الأجساد والرقصات وبعض الأداءات الصامتة مناخ الصراع بين الحضارتين، وعنه انبثقت تجربة الأندلس. ومن الرقص الشرقي الحديث الذي نمّ كعادته عن وعي بجماليات الشرق وسحره، الى الرقص الإسباني الذي وسم المرحلة التاريخية وقد شاءه كركلا اسبانياً صرفاً في احيان وطعّمه في احيان اخرى بالرقص الشرقي. تنتهي اللوحات في الدبكة البلدية التي تستوحي الفولكلور اللبناني والعربي لتطوره وتجعله حديثاً ومعاصراً من دون ان تتخلى عن أصوله. جو غنيّ اذن ومتنوّْع جو "الأندلس: المجد الضائع"، مفعم بسحر الشرق العربي وسحر الأندلس، سحر اللقاء الحقيقي بين فنين يندمجان ليصبحا مع كركلا فناً واحداً. ولم يكن مستغرباً ان يستهل كركلا عرضه عبر مجلس للطرب والموسيقى تختلط فيه الاصوات والاصداء حتى ليصرخ شيخ المجلس بالمحتفين "ذكرتموني الأندلس، المجد الضائع". ومن تلك الصرخة يستعيد كركلا حكاية الأندلس استعادة شبه حلمية. فما ان تنتهي الحكاية حتى يرجع الشيخ ومجلس الطرب والموسيقى ولكن لإحياء عرس الحياة في لبنان. وما بين البداية والنهاية تجري الحكاية، حكاية الأندلس بأفراحها ومآسيها. Peacock Theatre Sadler's Wells in the West End Box Office 0171-863822