الاسبوع الماضي قررت ان أدلي بدلوي الثقافي بين الادلاء، بحضور بعض مسرحيات صموئيل بيكيت التي يجري عرضها كلها ضمن مهرجان له في لندن. ومع انني قرأت "بانتظار غودو" وشاهدتها على المسرح غير مرة، فقد بدأت بها. هي اشهر مسرحية هذا القرن، فقد اختارها النقاد باستمرار، ومع ذلك فقد حاولت ان اطلع بشيء ايجابي منها وعجزت، غير انني لا ازال اعتقد انه لا يجوز لقارئ مثلي ان يركب رأسه ويخالف اجماع النقاد على عمل ما، فلا بد انهم اكثر منا اطّلاعاً وعلماً. فلاديمير واستراغون ينتظران غودو، وهذا لا يأتي، وسمعت حواراً فوق مستوى تحصيلي الثقافي، وفلاديمير يقول: اصواتهم مثل الريش. ويقول استراغون: لا، مثل حفيف ورق الشجر. ويعود فلاديمير فيصرّ: لا مثل الرماد. الرماد له صوت؟ غودو لم يأت، وكنت اعتقد انه بعد ان تخلّف عن موعده في المسرحية السابقة سيحضر في الموعد هذه المرة ويعتذر. حضرت ايضاً من اعمال بيكيت مسرحية "آخر شريط لكراب"، وهي عبارة عن مونولوج مدته 42 دقيقة، اي انها اقصر من "بانتظار غودو". الخواجا كراب يحتفل بعيد ميلاده التاسع والستين، ويجلس الى آلة تسجيل يودعها افكاره، ويستمع الى مقتطفات من تسجيلات سابقة في اعياد ميلاده. باختصار، كراب خاب امله في الحياة، ومن منّا لم يخب امله، وهو يستمع الى شريط سجله وعمره 39 سنة، يبدو فيه واثقاً من نفسه، ثم يتدرج تغييراً وخيبة أمل. كراب يحب الموز. كراب اصابني بكآبة امتنعت معها عن حضور اي مسرحية اخرى لبيكيت في مهرجانه. غير ان قصر المسرحيتين تركني افكر في روايات عالمية مشهورة تدور احداثها في يوم او ايام. اذا كانت "بانتظار غودو" اختيرت افضل مسرحية هذا القرن، فان "يوليسيس"، من تأليف جيمس جويس، اختيرت بإجماع اكبر اشهر رواية هذا القرن. الرواية كلها، ونسختي منها تقع في 750 صفحة، تدور احداثها في يوم واحد هو 16 حزيران يونيو 1904 في دبلن. واختصر مئات الصفحات بالقول في سطرين ان ليوبولد بلوم سائق تاكسي مات ابوه وابنه، وتركت ابنته البيت، وزوجته تخونه. كنت اعتقد ان فرانز كافكا مأساوي من طراز اغريقي إلاّ ان بيكيت في "آخر شريط لكراب" وجويس في "يوليسيس" ينافسانه. كافكا كتب "ميتامورفسس"، وهي رواية تقع احداثها ذات صباح فبطلها يستيقظ ليكتشف انه مسخ صرصاراً ويقضي اليوم محاولاً ان ينقلب على جنبه ليخرج من السرير. والرواية تتحدث عن مشاكل نفسية، القارئ بغنى عن معاناتها مع المؤلف، فأتجاوز ذلك الى فائدة لغوية، ففي القاموس المسخ هو تحويل صورة الى صورة أقبح منها، وفي القرآن الكريم "ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون"، فهنا يصبح المعنى انتقالاً من أعلى الى أدنى. اما النسخ فهو ابطال شيء واقامة شيء آخر مكانه. وفي التنزيل العزيز "ما ننسخ من آية او ننسها نأتِ بخير منها او مثلها". والنسخ في عقيدة التناسخ هو نقل الروح الى جسم أعلى. ثم هناك الفسخ، هو ازالة الشيء عن موضعه، ومنه نقل الروح الى الحشرات، والرسخ وهي في القاموس ان يثبت الشيء في موضعه، الا انها تستعمل بمعنى نقل الروح الى النبات والجماد. هل تكون "ميتامورفسس" نسخاً او مسخاً؟ بطل الرواية غريغور زامزا مسخ مسخاً، غير انني ابعدت القارئ عنه بحديث في اللغة بدل علم النفس. هل هناك روايات اخرى في يوم واحد او اثنين؟ اذكر ان "الاخوة كارامازوف" لا تتجاوز في اول 400 صفحة منها، خمسة ايام. ثم هناك "يوم في حياة ايفان دنيزوفيتش" وهذا يومه في سنة وهو يعاني اهوال العيش، او الموت البطيء في "الغولاغ" السوفياتي، ويحاول ان يحافظ على كرامته في معسكر الاعتقال السيبيري. كاتبنا الكبير نجيب محفوظ ليست عنده هذه المشكلة فالثلاثية تتناول اجيالاً من المصريين، اما "اولاد حارتنا" فهي تغطي تاريخ البشرية كلها على امتداد آلاف السنين. غير انها في اربعة آلاف سنة لا تقل جمالاً عن "يوليسيس" في يوم. واترك القارئ مع الياباني كازوو ايشوغورو مؤلف رواية "الذي لا عزاء له" فقد كنت قرأت عروضاً ايجابية لها، واشتريتها لأكتشف ان بطلها عازف بيانو يعود الى قريته ويتخيّل اشياء من ماضيه وحاضره. ومع انني قرأت حتى الآن اكثر من 400 صفحة، من حوالى 900، فأنا لا ازال في اليوم الاول من الرواية، وربما لا يوجد لها يوم ثانٍ. هل يذكر القارئ شيئاً من روايات اليوم الواحد؟ اذا استطاع ان يزيد الى ما اوردت فقد نفاضل بعد ذلك بين هذه الروايات لنختار افضلها.