في ايام العز الغابر في لبنان كان يمثلني والعائلة في البرلمان الدكتور بيار دكاش، وهو طبيب العائلة في حينه، ولم انتخب غيره، مع انني كنت استطيع ان اختار قائمة من خمسة مرشحين. وانتقلت والعائلة الى بريطانيا حيث يفاخرون ب"أم البرلمانات" اقدم برلمان في ايسلندا، واقمت ولا ازال في تشيلسي، وهي جزء من منطقة "كنزنغتون وتشيلسي" التي يمثلها في البرلمان دائماً نائب محافظ، على اعتبار انها منطقة اثرياء يميلون تلقائياً الى حزب المحافظين. وبما انني محافظ بطبيعتي، ولغير اسباب الثراء، فقد انتخبت دائماً المرشح المحافظ. كان نائبي الاول، اي بيار دكّاش الانكليزي، نيكولاس سكوت. ولعل هذا بدأ بداية طيبة، غير انني عندما عرفته كان قد اصبح سكيراً لا شهرة له غير السكر. وكانت الجرائد تنشر بانتظام اخبار عربدته، حتى انه وجد مرة نائماً في مجرور على جانب الطريق. والخمر طريق اكثر الموبقات، وهكذا فقد حدث يوما ان صدم سكوت، وهو مخمور، عربة فيها طفل وفرّ من مكان الحادث قبل ان تفحصه الشرطة للتأكد من شربه الخمر. وثارت ضجة كبرى عليه زادت زوجته من اشتعالها عندما احتجت قائلة انها لا تفهم سبب الضجيج، خصوصاً ان زوجها صدم طفلاً غير بريطاني. وجاء من افهمها ان زمن الامبراطورية والمستعمرات انتهى، وسحب اركان الحزب ترشيح سكوت فمضى غير مأسوف عليه. سكوت خلفه آلان كلارك، وكانت لهذا من الفضائح الجنسية ما يفوق فضائح سكوت الخمرية اضعافاً. الا ان اركان الحزب اعتبروا فضائح كلارك هذه شيئاً طريفاً، فهو مؤرخ جيد وكاتب يوميات مشهور. وهكذا اصبح يمثلني في البرلمان دون جوان عصره، بعد سكير زمانه. وحدث يوماً ان اكتشف ان كلارك اقام علاقة جنسية مع زوجة قاض من جنوب افريقيا، ومع ابنتيها في الوقت نفسه. ولم يحاول القاضي تطليق زوجته، او قتل كلارك، بل جاء مع زوجته واحدى البنتين الى لندن، ليرووا القصة لصحف الاثارة ويقبضوا ثمنها. وهكذا الاخلاق والا فلا لا. ولم ينته كلارك، وانما تبرّع بالتفاصيل الجنسية. آلان كلارك توفي اخيرا، والمرشح الاول لخلافته، بل المرشح الوحيد، هو مايكل بورتيلو الذي كان وزير الدفاع في آخر حكومة للمحافظين، وخسر مقعده النيابي امام مرشح يمارسا لشذوذ علناً هو ستيفن تويغ، الذي اصبح بعد فوزه يصطحب شريكه هل هو زوجته او زوجه؟ الى البرلمان، فيجلس في مقاعد الزوجات. وقد حصل له على اشتراك مخفض للسفر بالقطار اسوة بزوجات النواب، او ازواج النائبات. بورتيلو فاجأنا جميعاً بالتصريح عشية اختياره مرشحاً عن الحزب في كنزنغتون وتشيلسي بأنه مارس الشذوذ الجنسي وهو طالب في الجامعة. وأمامي الآن عدد من "الغارديان" يقول في صفحته الاولى ان اعتراف بورتيلو سيساعده في حياته السياسية، فهو المنافس الوحيد على رئاسة الحزب، ولو انه احتفظ بمقعده في انتخابات 1997، لما اختار حزب المحافظين غيره رئسياً. اتوقف هنا لأقول ان بورتيلو درس في اكسفورد. وقد صدر اخيراً استطلاع للحياة الخاصة لطلاب الجامعات البريطانية اظهر انهم يقسمون وقتهم بين الجنس والخمر والمخدرات، وأحرزت كامبردج قصب السبق في الخمر، مع انها من اهم الجامعات في العالم، ونافستها جامعة مانشستر التي حلّت في المرتبة الاولى كذلك في المخدرات والجنس. وقصرت اكسفورد عن الركب، فطلابها مارسوا ما استطاعوا ممارسته الا انهم بقوا متخلفين درجات عن جامعات كثيرة اخرى. اين نرسل اولادنا للدراسة؟ ابنتي عادت من كامبردج كما ذهبت، فلم تقرب الخمر، ولكن "هل تسلم الجرّة كل مرة؟". على كل حال، الجواب ليس مكانه هنا، فأعود الى بورتيلو واعترف للقراء بأنني "نمت" معه. وقد حدث هذا قبل سنتين او ثلاثة، في طائرة عائدة ليلاً من واشنطن الى لندن. وهو حدث الركاب، وقلت له اننا في "الحياة" اجرينا له عدة مقابلات ثم نمنا جميعاً، وكان مقعدة وراء مقعدي مباشرة. بورتيلو سيكون ممثلي في أم البرلمانات قريباً، ولا يهم ان انتخبه او انتخب منافسه العمالي، فالمقعد مضمون للمحافظين. غير انني اريد ان اختتم بشيء ايجابي، يعكس ايجابية الحياة السياسية في بلادهم، رغم كل ملاحظاتنا، فيوم الاحد الماضي كنت اتابع مقابلة للنجم التلفزيوني المشهور ديفيد فروست مع كريس باتن، احد اركان حزب المحافظين. ومضت المقابلة بيسر حتى قال فروست لباتن: انت اخطأت في الموضوع الفلاني. ورد باتن ضاحكا: فعلاً اخطأت. تهانيّ لفريق الابحاث في برنامجكم الذي اكتشف الخطأ. لو كان فروست صحافياً عربياً قال لزعيم حزب سياسي عربي: انت اخطأت؟ هل كان بقي في عمله ليجري مقابلة اخرى؟ انتظر يوماً يقال فيه لسياسي عربي: انت اخطأت، فلا يضرب السائل، وانما يقول ببساطة: فعلاً، انا اخطأت.