في مأدبة غداء اُقيمت في المركز العربي البريطاني في 25 الشهر الماضي، كان ضيف الشرف جون ميبلز. سيتساءل القارىء بالتأكيد "من هو؟" او يقول "لم اسمع به ابداً من قبل". وسيكون رد معظم الناس في بريطانيا مماثلاً، فوزير الخارجية في حكومة الظل البريطانية غير معروف الى حد كبير على رغم ظهوره من حين لآخر على شاشة التلفزيون. تعرفت على ميبلز في مجلس العموم عندما كان نائباً عن منطقة لويشام ويست في جنوب شرق لندن في الفترة من 1983 الى 1992، ونال اعجابي وتقديري. وكان تدرج في الدراسة في كلية مارلبورو وجامعة كامبردج وكلية هارفرد للاعمال، واصبح محامياً في المحاكم العليا. ولم يُفاجأ زملاؤه في مجلس العموم بتعيين هذا الرجل المعتدل سياسياً والقدير في منصب وزير دولة لشؤون الاقتصاد في وزارة المال في 1990. وهو الآن عضو البرلمان عن منطقة ستراتفورد ابون ايفون، بغالبية كبيرة تبلغ 14 الف و 106 اصوات. اشك بأن ميبلز سيخصص وقتاً او يولي اهتماماً للشرق الاوسط اكثر مما كان يفعل سلفه مايكل هوارد. فمع امتناع حكومة العمال عن المشاركة النشيطة في عملية السلام في الشرق الاوسط، وترك المهمة بشكل اساسي للاميركيين، لن يكون وزير الخارجية في حكومة الظل متحمساً للانهماك بمثل هذه الامور. كما ان تبني موقف اكثر اعتدالاً، او يمكن ان اقول اكثر واقعية، على صعيد العقوبات المفروضة على العراق لا يحظى بجاذبية شعبية. كلا، ستكون اوروبا إن شاء ام أبى هي موضوعه الرئيسي. فحزب المحافظين منقسم بشكل خطير وعميق بشأن هذه المسألة. ويحاول زعيم المحافظين ويليام هيغ ان يضع اوروبا في مركز المعركة الانتخابية المقبلة، منطلقاً من الاعتقاد بان عداءه المتزايد من دون انقطاع لكل ما هو اوروبي سيمكنه من كسب الاصوات التي خسرها الحزب في الانتخابات العامة الاخيرة. لكن هذا لن يحدث. مع ذلك، يخامرني احساس بأن جون ميبلز يبدي اهتماماً شخصياً بالعالم العربي. فقد زار مصر والبحرين والكويت. وزوجته، التي تعمل باسم جين كوربن، تعد واحدة من ابرز مراسلي هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي"، وتابعت عن كثب التطورات في الشرق الاوسط. وشاركت في تغطية حرب الخليج. وساهمت كمراسلة في إعداد حلقة "قناة النروج" ضمن برنامج "بانوراما" في تلفزيون "بي بي سي" حول الاحداث التي افضت الى اتفاق اوسلو. وبُثّ هذا البرنامج في ارجاء العالم. وتناول كتابها "غزة اولاً" تفاصيل الخطوات التي مرت بها المفاوضات السرية. من المؤسف ان يشار الى انه لم يحدث ابداً من قبل في هذا القرن ان يتدنى اهتمام حزب المحافظين بالشؤون الخارجية الى هذا الحد. بعد عام 1945، على رغم ان كثيرين كانوا يرون ان مواقف الحزب على صعيد قضايا الصحة والشؤون الاجتماعية غير سليمة، اذ صوّت ضد انشاء الخدمات الصحية العامة، فانه كان يُنظر اليه دائماً باعتباره حسن الاطلاع وموثوقاً عندما يتعلق الامر بعلاقات بريطانيا مع بقية العالم. كان ونستون تشرشل وانطوني ايدن وهارولد ماكميلان، وزعماء محافظون اخرون عاصرتهم مثل ادوارد هيث وبيتر كارينغتون ودوغلاس هيرد، لاعبين كبار خارج البلاد مثلما كانوا في الداخل. في السبعينات كان هناك عدد من النواب المحافظين، مثل جوليان إيمري وريتشارد لوس ودنيس والترز، الذين امتازوا باطلاع جيد على منطقة الخليج. لكن هذه الايام انتهت، وابتعد عنها كثيراً حزب المحافظين، ونضب الاهتمام بمنطقة الخليج. ويرجع هذا جزئياً الى ضعف اهتمام الناخبين البريطانيين بشكل عام ب "الخارج"، باستثناء العطل والاجازات. فالاجندة الداخلية واوروبا تطغيان على الحياة السياسية في بريطانيا. واشعر بأسف كبير لهذا الوضع. احسب ان الاسبوع الذي زار فيه ميبلز المركز العربي البريطاني كان اسوأ اسبوع للمحافظين منذ الانتخابات العامة الاخيرة. فقد اُضطر اللورد آرتشر، مرشح المحافظين المنتخب لمنصب رئىس بلدية لندن - وهو منصب جديد - الى الاستقالة مكللاً بالعار. وكان زعيم الحزب هيغ اشاد اخيراً ب "استقامة" آرتشر ذي الشخصية العابثة والحيوية. كما تواصلت حملة عنيفة ضد مايكل اشكروفت امين صندوق حزب المحافظين الذي يمول الحزب من بيليز حيث مقر اعماله. كما انه يشغل منصب سفير بيليز لدى الاممالمتحدة. ويمكن لأي مغفل ان يقدّر ان هذين المنصبين متضاربان ولا يمكن التوفيق بينهما، لكن كبار قادة المحافظين يستمرون في منحه تأييداً كاملاً. وفي الاسبوع ذاته، فاز مايكال بورتيللو، الاثير على قلوب يمين المحافظين، بمقعد منطقة كنسينغتون وتشيلسي في مجلس العموم اثر انتخابات فرعية امتازت بمشاركة ضعيفة من الناخبين 8.29 في المئة، وحصل على غالبية اقل 6706 صوتاً بالمقارنة مع نتائج الانتخابات العامة في 1997. وكشفت النتيجة ضعف الحماس وسط الناخبين في أحد اقوى معاقل حزب المحافظين. وتظهر نتائج استطلاعات الرأي على الصعيد الوطني ان حزب العمال يعزز تفوقه الكبير على حزب المحافظين، وهو انجاز غير عادي بعد سنتين ونصف سنة على الانتخابات العامة. وكانت هناك تكهنات قوية بان بورتيللو قد يعيّن وزيراً في حكومة الظل بعد بضعة اشهر كي يعزز مواقعه في دائرته الانتخابية الجديدة. ويتوقع ان يصبح وزير الخارجية في هذه الحكومة. * سياسي بريطاني، مدير "مجلس تحسين التفاهم العربي - البريطاني" كابو.