استطلعت "الحياة" آراء مئة شاب ومئة شابة من المملكة العربية السعودية ولبنان ومصر والكويت وسورية في مجموعة اهتمامات واسئلة شبابية، كالسفر، ومكامن القوة في الحضارة العربية، والمصطلحات والآلات الحديثة، والعلاقة مع الاهل والاصدقاء والادارات الحكومية، والبرامج التلفزيونية والافلام المفضلة، والنظرة الى الحرب والسلام، والشخصيات العربية العامة. وتوزعت الاستمارات في البلدان العربية الخمسة بمعدل 40 من كل بلد 20 من الذكور و20 من الإناث، ومن اصل ال20 اخترنا 15 من الجامعة و5 من البيت او من سوق العمل، وتوجهنا بالاستمارات الى شباب بين ال18 وال25 سنة من العمر. انه استطلاع عربي وليس استطلاعاً من بلد واحد او بلدين يتعمم على الشباب العربي. وقد عهدت "الحياة" الى عالم الاجتماع اللبناني الدكتور فردريك معتوق بإعداد الاستمارات وتحليلها ووضع الجداول. ولعل النتائج تلقي ضوءاً على آراء الشباب العربي وتفضيلاته في ايامنا الحاضرة. - السفر القريب والسفر البعيد ... وأوروبا القريبة جغرافياً جذابة ثقافياً وأليفة كأنها جزء من البيت كيف تبدو ملامح الشباب المعاصر في العالم العربي اليوم، بعد قرن مضطرب جداً وعلى مشارف قرن جديد ربما أشد اضطراباً؟ هذا هو السؤال الذي يحاول هذا الاستطلاع الميداني الاجابة عنه، من خلال استمارة أسئلة شملت معظم نواحي الحياة اليومية والعملية لعينة من الشباب السعودي والمصري والسوري والكويتيواللبناني تراوح عمر أفرادها بين 18 و25 سنة. علماً أن أفراد العينة قد توزعوا، بالتساوي، بين الذكور والاناث، وان عدد الاستمارات في كل بلد من البلدان التي شملتها العينة قد بلغ أربعين استمارة، توزعت على الشباب الجامعي والشباب الناشط في قطاعات العمل المختلفة. وهنا لا بد من الاشارة، بتواضع، إلى أن هذا الاستطلاع، مع الاستطلاعين اللذين سبقاه على صفحات هذه الجريدة حول الشباب والكتّاب، حزيران/ يونيو 1997، والشباب والموسيقى والغناء، تشرين الثاني/ نوفمبر 1997، تشكل المعطيات العربية الوحيدة حول الشباب المعاصر. ونشدد هنا على كلمة عربية، لأن هذه الاستطلاعات قد جرت في عدة بلدان عربية، في كل مرة، لا في بلد معين "نموذجاً"، لتُسحب بعدها نتائجه على البلدان الأخرى، فيدعي عندها صاحب الكتاب أو المقالة أنه يتكلم عن شؤون "عربية". فقد توخينا فعلاً في هذه الدراسة كما في الدراستين السابقتين، أن نطول مجمل العالم العربي المعاصر في الشكل كما في المضمون. بدأنا الأسئلة بسؤال عام جداً، من المفترض به ان يحرك مشاعر الشباب في أي بلد من بلدان العالم: هل تحب/ تحبين السفر؟ وقد أتت الاجابات عن هذا السؤال متناسقة بين جميع بلدان العينة. بحيث أن ما نسبته 94 في المئة من الشباب قد أجابوا ب"نعم" عن هذا السؤال في لبنانوالكويت وسورية ومصر والسعودية. فقط 6 في المئة قد نفوا محبتهم للسفر. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن لا اختلاف يذكر في هذا السياق عما هو مألوف عند الشباب عبر العالم أجمع. فالشباب يتميز أينما كان فمحبته لاكتشاف ما هو جديد ولاستكشاف الدنيا من حوله. بمحبة السفر هي من سمات روحية الشباب عندما كما عند سوانا من شعوب الأرض. كما ان غلبة محبة الأسفار عند الشباب في العالم العربي اليوم تشير أيضاً إلى أن هذا الشباب منفتح على العالم الخارجي، هذا العالم الذي طالما اتهم أبناء العالم العربي بالوقوف منه موقفاً عدائياً ومتقوقعاً. والحقيقة هي أن الفكرة الرائجة في الغرب في هذا الخصوص إنما هي محض ايديولوجية، حيث أنها لا تتطابق مع حقيقة ما يعيشه ويتمناه الشباب في العالم العربي على الأرض. وليست هذه هي المرة الأولى، على أي حال، التي تبيّن فيها الدراسات الميدانية زيف الأفكار الايديولوجية المركبة تركيباً. أما الملاحظة السوسيولوجية الثانية التي أظهرها البحث الميداني، هي أن تناسق الأجوبة أتى موحداً، في جميع البلدان العربية، بين الجنسين، ما عدا في السعودية، حيث تقع نسبة ال15 في المئة المصرحة بعدم محبتها للسفر، في خانة الاناث كلياً. هل يعني ذلك استبطاناً قوياً لقواعد البنية الاجتماعية التقليدية والاعتياد على البقاء دون حدول المنزل؟ هذا ما قد نظنه للوهلة الأولى، إلا أن السؤال التالي قد سمح لنا باكتشاف أن جميع المجيبات الإناث قد سافرن فعلاً إلى بلدان أخرى خلال السنوات السابقة، مما يعني، عملياً، ان هذه الفئة لا تحب السفر لأنها جربته ولم تستمتع به، لا لموقف مبدئي أو معنوي سابق. حاولنا، في السؤال الثاني أن نتعرف إلى البلدان التي زارها الشباب: "إلى أي بلد سافرت قبل اليوم؟". وقد بيّنت الاجابات ان 73 في المئة من أفراد العينة قد سافروا، بينما لم يسافر 27 في المئة، في النسبة العامة. أما النسبة التفصيلية، بحسب كل بلد على حدة، فقد بيّنت أن معظم الذين لم يسافروا يقعون في لبنان 45 في المئة وخاصة مصر 60 في المئة. ومرد ذلك في الحالتين الضيقة الاقتصادية التي يعيشها الشباب وأهلهم في مصر ولبنان اليوم. أما البلدان التي سافر فيها كل الشباب قبل اليوم فهي الكويت 100 في المئة والسعودية 5.97 في المئة. علماً أن الأمر يعود إلى البحبوحة الاقتصادية بالنسبة إلى البلدين المذكورين، وإلى اجتياح الكويت إبان حرب الخليج بالنسبة إلى البلد الأول. توجه الشباب المسافر في العالم العربي وفي نسبته العامة إلى وجهات السفر الآتية: - 40 في المئة قصدوا بلداناً عربية أخرى ويأتي في طليعة هذه البلدان مصر ولبنان. - 20 في المئة قصدوا القارة الأوروبية وتأتي في طليعة البلدان التي زارها الشباب بريطانيا وفرنسا. - 9 في المئة قصدوا القارة الأميركية وبنوع خاص الولاياتالمتحدة. - 4 في المئة قصدوا القارة الآسيوية واوقيانيا. - أما الذين لم يسافروا أبداً فتبلغ نسبتهم العامة كما نكرنا 27 في المئة. تأتي السياحة العربية الداخلية في المرتبة الأولى، وهذا أمر طبيعي وسليم، حيث أنه يكشف نيّة صادقة في التواصل مع أجزاء العالم العربي كافة عند الشباب العربي المعاصر. أما اللافت أيضاً فهو تفوق القارة الأوروبية على القارة الأميركية في اجتذابها للشباب المسافر من عندنا بنسبة الضعفين. انتقلنا بعدها مع السؤال الثالث من دائرة السياحة الخارجية إلى دائرة السياحة الداخلية، فجاء السؤال على النحو الآتي: "هل زرت معظم المناطق في بلدك؟". جاءت محصلة الأجوبة، في نسبتها العامة، كما يلي: - 71 في المئة أجابوا ب"نعم". - 29 في المئة أجابوا ب"لا". نشير هنا أيضاً إلى أن التعادل بين اجابات الجنسين كان واسعاً، إلى حد التطابق. مما يعني أن لا فروقات في هذا المضمار بين الذكور والاناث. أما نسبة السياحة الداخلية فتبدو مرتفعة نسبياً وشبيهة بما تكشف عنه الدراسات الاستطلاعية المشابهة التي اجريت في أوروبا. وهنا أيضاً لاحظنا الظاهرة نفسها، أي أنه كلما صغر البلد، كلما ازدادت نسبة السياحة الداخلية بين الشباب، وكلما كبر البلد، كلما ضؤلت هذه النسبة. بحيث اننا نجد نسب السياحة الداخلية الأكثر ارتفاعاً في الكويت 95 في المئة ولبنان 85 في المئة، ونسبة السياحة الداخلية الأقل ارتفاعاً في السعودية 55 في المئة ومصر 57 في المئة. يبقى أن النسبة العامة في البلدان كافة تبدو مرتفعة، وتعكس انفتاحاً شبابياً أكيداً على الداخل شبيهاً بالانفتاح على الخارج الذي مر معنا. وهذا التعادل المعرفي سليم، يعكس شغفاً متساوياً بمعرفة ما هو للذات، بالمقدار نفسه مع معرفة ما هو للآخرين. الحالتان اللتان عكستا اختلافاً نسبياً مع هذه القاعدة هي حالة الشباب السعودي والشباب اللبناني. ففي ما يتعلق بالشباب السعودي، 97 في المئة من بينهم قد سافروا إلى الخارج، في حين ان 55 في المئة فقط قد زاروا معظم مناطق بلادهم. وفي ما يتعلق باللبنانيين، فإن 55 في المئة فقط قد سافروا إلى الخارج، في حين ان 85 في المئة من بينهم قد زاروا معظم مناطق بلادهم. استكمالاً لجولة السياحة، الدالة على شكل العلاقة بالعالم الخارجي، توجه الاستطلاع إلى الشباب بالسؤال الآتي: "إن اتيح لك السفر، إلى أين تذهب/ تذهبين؟". فالسؤال هنا موجّه للذين سافروا وللذين لم يسافروا على حد سواء. بغية استكشاف ما هو قائم في المخيال العام عند الشباب العربي المعاصر، فإلى أين تذهب أفضلياتهم؟ وما هي النماذج الثقافية الأكثر جذباً لهم على المستوى العالمي؟ أتت أوروبا في المرتبة الأولى، حاصدة 42 في المئة من مجموع النسبة العامة. فيبدو هنا أن أوروبا تمتاز بميزتين جاذبيتين بالنسبة إلى شبابنا المعاصر: هي قريبة جغرافياً، كما أنها قريبة ثقافياً. وهذا أمر لافت له مغزى سياسي واقتصادي لا يستهان به. أما وجهة السفر التي أتت في المرتبة الثانية فهي البلدان العربية الأخرى، إذ عبّر 30 في المئة من أفراد العينة أنهم سيقومون بزيارة أحد البلدان العربية إن سنحت لهم الفرصة بذلك. وهنا لا بد من التوقف عند هذه الظاهرة الثقافية. فالقطب الجاذب الأول يقع في الغرب، يليه الخيار العربي في المرتبة الثانية، على رغم التقارب اللغوي. تأتي، في المرتبة الثالثة، القارة الأميركية. وهذا أمر مهم من حيث دلالته. حيث أنه لم يفترض السفر السابق أو امكانية السفر الموضوعية والمادية، بل افترض مجرد افتراض القيام بخيار في الخيال. من هنا صدق الإجابة التي تقترب كثيراً من حدود الحلم. فأن يختار أكثر من ضعفي الشباب العربي المعاصر القارة الأوروبية كوجهة سفر اختيارية، لا القارة الأميركية، فهذا يعني أن النموذج الثقافي الأوروبي قد تفوق على مثيله الأميركي، على رغم كل مستمسكات القوة التي يتمتع بها هذا الأخير. أما آسيا وأوقيانيا فلم تحصلا سوى على المرتبة الرابعة، مع 10 في المئة من النسبة العامة المتعلقة بهذا الموضوع.