هناك "قضية"، اذاً، بين العرب و"والت ديزني". بين أمة طويلة عريضة و... شركة. يفترض ان تكون المواجهة غير متكافئة، وان ترجح فيها كفة العرب / الأمة، وان ترضخ "الشركة". فوالت ديزني اميركية لكنها ليست الولاياتالمتحدة بصواريخها ونوويتها ويهود الادارة فيها. يصارع العرب الهيمنة الاميركية بلا جدوى، ويعانون من عداء الولاياتالمتحدة المتأصل في سياستها ضدهم، لكن امرهم الى الله فليسوا وحيدين في المعاناة هذه لأن دولاً مصنفة كبرى تعيش تحت الهيمنة نفسها لكن "كبرها" يمدّها بالقدرة على ابراز تمايزها والتمتع بشيء من استقلاليتها، اما الخضوع لهيمنة والت ديزني فمسألة اخرى. الأزمة الواقعة الآن تتمثل في معرض "تربوي" تنظمه الشركة في فلوريدا اوائل الشهر المقبل، وتشارك فيه اسرائيل بجناح لا يقيم للتربية اي قيمة او معنى. لماذا؟ لانه يقدم القدس - المختلف عليها جداً بموجب المفاوضات والاتفاقات والقرارات الدولية وحقيقة انها موضع تطلعات ابناء الديانات الثلاث - عاصمة لاسرائيل. ولا يجهل احد في العالم ان هذه "العاصمة" جرى الاستيلاء عليها بالقوة والحرب وليس هناك اقرار دولي شرعي صريح بأنها عاصمة. وفي مثل هذه الحالات لا تقوم الشرعية الا عندما يعترف بها الطرف الآخر في النزاع. فالقدس لن تصبح "عاصمة لاسرائيل" الا متى اعترف العرب بذلك، وهو ما لم يحصل ولن يحصل حتى لو وُقّعت آلاف الاتفاقات والوثائق. كان من الضروري ان لا يسكت العرب عن واقعة كهذه، ولو لم تقدم الامارات على اطلاق حملة على هذا المعرض وعلى الشركة التي تنظمه، لوجب ان تبادر الجامعة العربية الى ذلك او اي دولة عربية اخرى، المهم الآن ان هناك من تجرأ على اثارة الموضوع، ومن شأن مجلس الجامعة في القاهرة ان لا يتجاهله. ولكن، مرة اخرى، يأتي التحرك العربي متأخراً جداً، وقاصراً جداً. فالمسألة لا تُعالج بذهنية المقاطعة العربية لاسرائيل، التي نعلم جميعاً محدودية فاعليتها. لأن "القضية" مع ديزني لم تنشأ اليوم او امس وانما هي مزمنة. فالشركة هذه، بما تضخه من منتجات ثقافية لا تتردد في تحقير العرب والمسلمين، تكاد تكون اخطر من الولاياتالمتحدة نفسها. اذ ان الادارة الاميركية تمارس الضغوط على الحكومات والانظمة أما "الشركة" فتغرق مختلف الاجيال الطالعة بوسائل التسلية والمعرفة والتثقف والوعي ممزوجاً - حسب ما يقتضيه الموضوع - بالسموم الصهيونية. وليست بعيدة زمنياً واقعة فيلم "علاء الدين" الذي اضطرت ديزني الى ادخال تعديلات عليه بعدما تكاثرت الاحتجاجات. بل ان الأقرب زمنياً هو التزوير التاريخي الواضح في فيلم "امير مصر" الذي لم تنتجه ديزني وانما شركة اخرى خارجة من تحت عباءتها ومتشربة العنصرية المتصهينة اياها. لا شك ان ردود "والت ديزني" على الاعتراضات العربية ظلت في اطار الكلام الفارغ. فليس مهماً ان يبلغنا الناطق باسمها ان لا مضمون سياسياً للمعرض، الأهم ان يفهم ان اسرائيل سيّست جناحها المشارك فيه، بل سيّسته بشكل لا اخلاقي. واذا فهم وتأكد ان الاعتراض العربي محق فما هو موقفه، وهل يرتد الى يهود شركته فيبلغهم ان احتيالهم مفضوح هذه المرة ولا داعي لتوسيخ سمعة ديزني لأغراض واهية؟ بالطبع، تستطيع الشركة ان تطلب من اسرائيل اعادة النظر في تقديم جناحها، واذا لم تفعل فإنها لن تستطيع الادعاء بأن معرضها "تربوي" فقط. أما التحرك العربي فلا بد ألا يكتفي بمجرد اثارة ضجة، وان لا يلجأ ايضاً الى تهديد ب "مقاطعة" غير مضمونة التطبيق. يفترض ان تؤخذ المسألة جدياً على انها حملة ثقافية يومية، وبالتالي التعامل معها بهذا الفهم. فأخطر ما في "ديزني" انها تصنع قوالب تستقر في اذهان الصغار والكبار، وهي لم تثر استياء العرب والمسلمين وحدهم بل أساءت ايضاً الى شعوب وحضارات اخرى في سعيها الى تمجيد التفوق الغربي - الاميركي لكنها على رغم "ايديولوجيتها" المتصهينة عموماً لا ترغب في رؤية خسائر ولو ضئيلة في ارقامها السنوية. حبذا لو يستطيع العرب تلقينها مثل هذا الدرس على سبيل التحذير، ومن دون حديث عن "مقاطعة" كالتي سمعنا عنها كثيراً ولم نرَ لها اي نتيجة مؤثرة.