في الصمت، أعني حيث لا تقوى الزهور على التفتُّح والنسور على الصعود هناك في ما ليس أرضاً أو سماءً حيث ينعطف السنونو فجأة نحو الحدود ويمحَّي في السفح تبحث أمُّ قيس في خرائبها الأخيرةِ عن كواكب لا تصيخ وعن جدارٍ لا يجيبُ من تحت شرفتها يمرُّ الغيم أحمر أو رمادياً وتلتمع استغاثاتٌ منكَّسة السيوفِ على جبين النهر، لم تنتج على الجولانِ زهرة نرجسٍ إلا وبلَّلها الحنينُ ولم ينم قمرٌ على طبرية الحسرات إلا فوق ركبتها، ومن كلِّ الجراحِ لها نصيبُ عشاقها وغزاتها ذهبوا وظلت وحدها ترنو كجندي الحراسةِ نحو قاع الروح ترفع ذلك الدغل السماوي المقدس حول سرَّتها بكفَّيها وتخطئها الدروبُ لا قيس عاد من الحكايةِ كي ترئِّسه على صبواتها الغرقى ولا ليلى تؤوبُ وهي التي التفَّت كأرملةِ الأماكنِ في ملاءةِ حزنها السوداء تنتظر انتصاراتٍ مؤجلةً تكذِّبها الحروبُ من أيِّ نجم سوف تسرق أمُّ قيس فضة الأحلام؟ أبعد من ضفائر شعرها ذَهَبُ البحيرةِ، والثلوج على الجبال تظاهرتْ بالنومِ، واليرموكُ يقعي في ضفافٍ لا خيول لها وتثقله الندوبُ أتكونُ واهمةً إذاً؟ أيكون وهماً ذلك القوسُ الملبَّدُ بالأهلَّةِ تحت غصَّتها الخفيضةِ، أم هي الجهةُ البعيدةُ في شعاب الروح والشفق الغريبُ؟ كيمامةٍ زرقاء تسبح أمُّ قيسٍ في فضاء عمائنا العربيِّ، توميء نحو قاتلها وتفرد جانحيها مثل بوصلةٍ لنتبعها فلا يصفي لها عطشُ الشمالِ ولا يصدِّقها الجنوبُ * شاعر لبناني