ذهب الصيف وبقيت حكاياته. منها انني علّمت ابني لعب طاولة الزهر هذا الصيف. ولا خبر هنا فأكثرنا علم ابنه لعب الطاولة، ولكن الخبر في ان التكنولوجيا لحقت بلعبة طاولة الزهر. علمت الولد لعبة "الافرنجية" وهي لعبة الهواة والمبتدئين و"الخواجات". وكنت اضيق بأخطائه، وضاق هو بانتقادي المتكرر، فذهب الى الكومبيوتر، ووجد على الانترنت صفحات عن طاولة الزهر، فأخذ يتعلم النقلات على اصولها، ويعود اليّ باحصاءات عن نسب الاصابة او النجاة مع كل نقلة، فالكومبيوتر يفهم حتى في اصول تحريك الاحجار مع "الشيش دو". طبعاً، هناك من لعب شطرنج مع "الكومبيوتر وهزمه، الا انني لن احاول، بل سأعلم الولد "المحبوسة" فهذه لعبة المحترفين، او الحرّيفة بلغة طاولة الزهر، واذا كان الكومبيوتر سمع بها فهناك ال"اوتوزبير"، او 31، وهذه لعبة الخاصة. اما آخر خرطوشة فستكون لعبة ال"هب يك"، وهذه اساسها الدبلات تعلمتها من جدي عندما كان شاباً، ولا اعتقد انه بقي من يتقنها سوى اثنين انا احدهما. في جميع الاحوال، ما دام الولد يعد الخانات مع كل نقلة فهو ليس "حرّيفاً" حتى لو ربح. وحكاية اخرى، فقد اصبت في حادث سير اصابة خفيفة، اما من ارتطام جانب الوجه بالمقود او لأن المرآة الجانبية كسرت وصدمت وجهي، فتركت جرحاً بحجم نصف سنتيمتر قرب عيني وكدمة تحتها. المهم ان كل صديق رآني سألني عما حدث وشرحت له. ولم يصدقني احد، فقولي "جرحت في حادث سير" يخلو من اي اثارة، وهكذا فأنا اعترف بأن سبب الجرح: - قررت ان احرر فلسطين بنفسي، بعد ان سئمت من سماع اخبار المفاوضات على هذا المسار او ذاك، غير انني سقطت في كمين نصبه لي الف اسرائىلي جنوب الناقورة، فكان هذا الجرح. - عضتني راقصة شرقية لم "انقطها" كما تستحق. - اشتركت في تمثيل فيلم عنف مع سلفستر ستالون وبروس ويليس، والجرج هو من صنع "المكياج" للتمثيل. - رأيت اربعة اشقياء يحاولون الاعتداء على عفاف شابة حسناء، فهجمت عليهم وانا على حصاني الابيض، وانقذتها من براثنهم لأحتفظ بها لنفسي. الا ان الحصان الاصيل غار مني عندما قبّلتني الحسناء شاكرة، فركلني في خدي. هذا ما طلعت به حتى الآن من اسباب للاصابة، وربما طلع القارئ بشيء جديد، مع رجائي له الا يقترح "زوجتي ضربتني"، فأنا احتاج ان اكون متزوجاً من مايك تايسون حتى اصاب بمثل هذه الاصابة. وانتقل الى شيء آخر، فالصيف يعني البحر والشمس والسابحات الفاتنات... ربما هو يعني كل هذا الا انه للناس مثلي يعني السرقات. ذهاب العربي الى جنوبفرنسا لا يعني ان عنده فلوساً، بل يعني انه كان عنده فلوس، فهو يعود "منتوفاً" رمزياً، وأحياناً فعلياً. كل سنة منذ 20 سنة اسمع عن تعرض اصدقاء عرب لسرقات في جنوبفرنسا، وقد تكون السرقة خطف حقيبة يد من سيارة، او مجموعة كاملة من المجوهرات ثمنها الملايين. وأفضل طريقة لتجنب اللصوص في جنوبفرنسا، او غيره، عدم حمل مجوهرات ثمينة، او مبالغ كبيرة من النقد، غير ان مشكلة كل انسان هي في اعتقاده ان الحوادث لا تقع له، بل للناس الآخرين، ثم يسرق ويدرك انه "الناس الآخرون". شخصياً، وعلى مدى 20 سنة في بلاد الناس لم اسمع عن عربي واحد استرد ما سرق منه. ولعل السبب ان "حاميها حراميها" غير ان لا دليل على ذلك. بل ان استرداد الخسارة عن طريق التأمين، اذا وجد، شبه مستحيل، لأن شركة التأمين تشترط شروطاً لا يمكن ان يلتزمها الضحية، فاذا وجدت انه اخل بشرط واحد تمتنع عن دفع قيمة التأمين. وتعرضت هذا الصيف لمحاولة سرقة، غير ان اللص بعد ان رأى البيت اشفق عليّ وترك لي مئتي فرنك على الطاولة. ولا اشكو فأنا على الأقل ذهبت في اجازة، غير انني اعرف زميلاً لم يذهب في اجازة منذ سنوات، وليس السبب ان رئيسه لا يستغني عنه، بل السبب انه يخاف ان يكتشفوا في العمل ان لا حاجة لعمله. عندي صديق افضل حظاً من هذا، فهو من اسرة "المعالفة" اللبنانية التي انجبت شعراء وكتاباً وأدباء على مدى اجيال. غير انه استثناء في الاسرة. فهو "بنكير"، اي مصرفي، زرته في مكتبه في مونت كارلو، وسمعته يشكو من انه لم يأخذ اجازة كل الصيف. مكتب الصديق هذا يطل على شاطئ البحر، ويرى من كرسيه السابحات الفاتنات في اقل قدر من الثياب، وعلى مكتبه منظار مقرب للواتي يسبحن بعيداً عنه. وهو في امارة موناكو، أرقى ميل مربع في الكرة الأرضية كلها. قلت له انه في اجازة مستمرة، واقترحت عليه اذا اخذ انقطاعاً من العمل ان يذهب الى انغولا ليطعم الجياع فيها، فربما "اجازه" الله خيراً.