قبل خمسين سنة أجرى الاتحاد السوفياتي اول تفجير نووي في منطقة ضرب حولها طوق من الكتمان، وكشف الآن بعض أسرار تلك المرحلة إلا ان الملفات ما زالت تنطوي على ألغاز لم تُفك. وكان الجنرال الأميركي ليسلي غروز المسؤول عن مشروع "مانهاتن" لانتاج السلاح النووي ذكر بعد إلقاء القنبلتين على هيروشيما وناغازاكي ان "الروس عاجزون عن صنع سيارة جيب، فما بالك بالقنبلة". وظل الأميركيون أمداً طويلاً على يقين من انهم يحتكرون انتاج السلاح القادر على تدمير المدن السوفياتية، لذلك كانت دهشتهم كبيرة حين نفّذ الاتحاد السوفياتي اول تفجير نووي في 29 آب اغسطس 1949. ويعترف من بقي حيّاً من مصمّمي القنبلة السوفياتية بأن جواسيس موسكو لعبوا دوراً مهماً في استعجال صنعها، لكنهم يؤكدون ان الروس كانوا قادرين على تحقيق الهدف وإن احتاجوا الى فترة اطول. وتأكد الآن الدور الكبير الذي لعبه العَالِم الالماني كلاوس فوكس، الذي تعاون طوعاً مع الاستخبارات السوفياتية، وأبلغها أسراراً أطلع عليها في مصنع لوس الاموس النووي في نيومكسيكو، حيث كان يعمل مع مهندسين وباحثين غالبيتهم يهود. ولأن اسرائيل لم تكن ظهرت على الخريطة تعاون هؤلاء مع "قاهر النازية" وزودوا موسكو وثائق وصوراً. ولكن لم يكشف بعد سرّ روبرت اوبنهايمر الذي يُعدّ الدماغ المحرّك لمشروع "مانهاتن" واتهم مع عدد من اصدقائه بالعمالة للسوفيات. ويقول الاكاديمي يفغيني فيليخوف مدير معهد البحوث النووية ان مصير العلماء والمصممين المسؤولين عن مشروع القنبلة السوفياتية البكر كان الاعدام لو فشلت تجربتهم الاولى، لذلك أُعِدَ فريق ثانٍ لإكمال المهمة. لكن الخوف ليس المحرّك الوحيد، بل عمل العلماء ايضاً بدافع وطني كان لا يزال قوياً بعد الغزو الالماني للأراضي السوفياتية. وأشار الوزير الحالي للطاقة النووية يفغيني اداموف الى ان صنع القنبلة في ظروف ما بعد الحرب، وخلال فترة قياسية، يدلّ على قدرة الاتحاد السوفياتي آنذاك على حشد موارد هائلة وتحقيق نتائج باهرة في أصعب الظروف. وتولى الاشراف على المشروع النووي السوفياتي وزير الامن لافرينتي بيريا الذي كان المساعد الأيمن لستالين. ويروي شهود ان هذا الرجل الذي يُعدّ الآن "جزّاراً" كادت الدمعة تطفر من عينه، وقبّل المهندسين واحداً تلو الآخر حين شاهد وميض الانفجار النووي. وكاد جنود شبه جياع دخلوا ساحة التجارب، ان يأكلوا خرافاً "مشوية" وُضعت في منطقة التفجير لاختبار آثاره، ولو لم يمنعهم الضباط الذين كانوا يعرفون الحقيقة، للحق الجنود بالخراف. لكن موسكو التي اصبحت القطب النووي الثاني في العالم مضطرة الآن نتيجة الضائقة الاقتصادية، لإغلاق اثنين من اربعة مصانع تنتج القنابل النووية، وخفض عدد العاملين في هذا الميدان من 75 ألف شخص الى 35 ألفاً.