ارتفاع صافي أرباح الشركة السعودية للكهرباء ب %18 في الربع الثالث 2024    تدشين "برنامج تمويل مخصص لقطاع التعليم"    رئيس مصر يهنئ ترمب هاتفياً    هاتفياً… ولي العهد يهنئ ترمب بانتخابه رئيساً للولايات المتحدة    التعاون يتخطى "ألتين أسير" برباعية في دوري أبطال آسيا 2    العين الإماراتي يقيل مدربه الأرجنتيني كريسبو    خطأ غريب يسقط أستون فيلا في فخ بروج ويحرمه من استمرار بدايته المثالية بأبطال أوروبا    شواطئ خليج السويس تستقبل العرض العالمي الأول للفيلم السعودي حيلة    ولي العهد يستقبل فريق التخصصي الطبي المنفذ لأول عملية زراعة قلب باستخدام الروبوت في العالم    برعاية ولي العهد.. «الحرس الوطني» تنظم قمة الرياض العالمية للتقنية الحيوية الطبية    «صحف عالمية» : رحيل نيمار عن الهلال مُحتمل    النزوح من غزة.. رحلة لا نهاية لها    معرض البناء السعودي يبحث دور الذكاء الاصطناعي في البناء والتشييد    وزير الحرس يحضر عرضًا عسكريًا لأنظمة وأسلحة وزارة الدفاع الكورية    أمين المدينة: المدن تتحمل مسؤولية تنفيذ 65 ٪ من أهداف التنمية المستدامة    القبض على 5 إثيوبيين في جازان لتهريبهم (90) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    أمير تبوك يستقبل القنصل الإندونيسي    خدمات سدايا الرقمية تُلفت الأنظار في برشلونة    نجم الهلال نيفيز يطير إلى فنلندا غداً    الأخضر الشاب يحصد برونزية بطولة التجمع الأسيوي لكرة المناورة    الأمير سعود بن نهار يلتقي مدير فرع البيئة والمياه والزراعة بالطائف    وزارة الداخلية.. منظومة أمنية متكاملة أسهمت في انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    «حرس الحدود» بمكة ينقذ مواطنين تعطّلت واسطتهما البحرية في عرض البحر    مملكة البحرين تفوز بجائزة "أفضل وجهة للمعارض والمؤتمرات" من مؤسسة لندن العربية    أمير منطقة القصيم يستقبل وكيل وزارة الداخلية للأحوال المدنية    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    ولي العهد يبحث مع قائد الجيش الباكستاني تطوير العلاقات الثنائية    نائب أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ محافظة فيفا    قوافل المساعدات السعودية تصل إلى شمال غزة    مدير فرع وزارة الصحة بجازان يدشن "الحملة الوطنية للتحصين ضد أمراض الحصبة"    محافظ الطائف يعقد اجتماع مجلس اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم    الخدمات الصحية بوزارة الدفاع تنظم المؤتمر لطب الأعماق والعلاج بالأكسجين    سامسونج تخطط لإطلاق نظارتها للواقع المختلط "Samsung XR Glasses"    إيكيا السليمان تفتتح معرض المدينة المنورة ضمن خطة توسع طموحة في المملكة    أمير تبوك يقلد مدير التحريات الإدارية بالمنطقة رتبته الجديدة    الرئيس ال47 لأمريكا.. ترامب يعود إلى البيت الأبيض    اليونسكو تثمّن مبادرة المملكة "الأسبوع العربي في اليونسكو"    من أعلام جازان.. الشيخ القدير والمربي الفاضل محمد عبده جابر مدخلي    خطرات حول النظرة الشرعية    روسيا تنفي تدخلها في الانتخابات.. إخلاء مراكز اقتراع في 4 ولايات أمريكية    لا رضى للناخبين عن وضع بلادهم.. النتائج الأولية تظهر تقدم ترمب في كنتاكي وإنديانا    الاتفاق يتغلب على القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج    رئيس الشورى والسفير التركي يبحثان العلاقات البرلمانية    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة مضاوي بنت تركي    آل الشيخ في مؤتمر «cop29»: تنوع الثقافات واحترام خصوصية كل ثقافة.. مطلب للتعايش بين الشعوب    فلسفة الألم (2)    سلام مزيف    رأس اجتماع مجلس الإدارة.. وزير الإعلام يشيد بإنجازات "هيئة الإذاعة والتلفزيون"    اتفاقية بين السعودية وقطر لتجنب الازدواج الضريبي.. مجلس الوزراء: الموافقة على الإطار العام والمبادئ التوجيهية للاستثمار الخارجي المباشر    ثري مزيف يغرق خطيبته في الديون    محمية الغراميل    همسات في آذان بعض الأزواج    دشنها رئيس هيئة الترفيه في الرياض.. استديوهات جديدة لتعزيز صناعة الإنتاج السينمائي    يا كفيف العين    اللغز    تأثيرات ومخاطر التدخين على الرؤية    التعافي من أضرار التدخين يستغرق 20 عاماً    أبرز 50 موقعًا أثريًا وتاريخيًا بخريطة "إنها طيبة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التجارة الاغترابية الأوفر حظاً . جامعيون ومهنيون في مونتريال يديرون شبكة واسعة من مخازن التموين
نشر في الحياة يوم 24 - 08 - 1999

من الظواهر الاقتصادية الناشئة على هامش النظام الرأسمالي في كندا عامة ومدينة مونتريال خاصة، تنامي قطاع تجاري بسيط هو عبارة عن مخازن تموين غذائية يطلق عليها بالمصطلح الكيبيكي ديبانور، على غرار الميني أو السوبر ماركت في بلاد أخرى. وهذا النوع من العمل التجاري لا يتطلب مهارات فنية متخصصة ولا رأسمالاً كبيراً ولا موظفين، ويقتصر على بيع عدد محدود من السلع الاستهلاكية كالحليب ومشتقاته والسجائر وأوراق اليانصيب والمعلبات والصحف والمجلات. وهذه المخازن التي تتفاوت بين صغيرة ومتوسطة وكبيرة، هي في حقيقة الأمر رديفة وبديلة عن المؤسسات التموينية الكبرى، تنشأ عادة بعيداً عنها، بين المناطق السكنية أو على مقربة منها، حيث باتت تشكل شبكة واسعة قلما خلا منها شارع أو حي كونها ضرورة حياتية لا يمكن الاستغناء عنها.
وتقوم هذه "الديبانورات" على أساس مبدأ شائع في كيبيك "حين تقفل المؤسسات الكبرى أبوابها يبدأ عمل الديبانورات" ما يعني ان نشاط الديبانور التجاري الفعلي يبدأ في المساء علاوة على الأعياد والعطل الاسبوعية. يشار أيضاً الى أن الديبانور تبقى أبوابه مفتوحة طيلة الليل وهذه الفترة هي أكثر الفترات مبيعاً وانتاجاً وأرباحاً نظراً للأسعار المرتفعة التي لا تخضع لأية مراقبة رسمية.
على هذه التجارة فتح الرعيل الأول من الشباب العرب المهاجرين الى مونتريال عيونهم، وجلهم ممن ينتمون الى طبقات متوسطة أو شعبية والى شرائح ثقافية متنوعة، فتعلموا بالتجربة ما توفره من حرية وشطارة وكسب شريف الى أن تألفت هذه الاقانيم مع ما فطروا عليه من نزوع وحب للتجارة والعمل الحر. وكان بين هؤلاء الوافدين العديد ممن يحمل شهادة جامعية أو مهنية كما كان عدد آخر درس وتخرج من الجامعات والمعاهد الكيبيكية، على أن هؤلاء واولئك اضطروا، اما لعدم توافر فرص العمل أو لمتابعة الدراسة، ان يعملوا بادئ الأمر في الديبانورات ما يسر لهم اكتساب خبرة واسعة في ادارتها والاطلاع على أسرارها، وجنوا مردوداً لا بأس به من المال سرعان ما استثمروه فرادى أو مشاركة في هذا "البزنس" الخفيف. ومما ساعدهم على ذلك حينذاك وجود إحدى الشركات الاحتكارية العملاقة Perette التي كانت تمتلك معظم الديبانورات في مقاطعة كيبيك، والتي كانت تسمح للراغبين في احتراف هذا العمل أن يخضعوا لدورات تدريبية لا تقل عن عام، ينتدبون بعده مدراء لفروعها في مونتريال أو ضواحيها أو مستثمرين لها فرانشيز Franchise لآجال متوسطة تتراوح بين ثلاثة أعوام أو خمسة، الأمر الذي هيأ للعديد من هؤلاء ان يصبحوا مالكين لهذه المؤسسات الصغيرة إذ كان بإمكانهم الحصول على سلفة مالية من أحد البنوك مقابل دفعة أولى لا تتعدى عشرة آلاف دولار. وهكذا كان شأن الغالبية العظمى ممن يملكون اليوم ما يربو على 500 ديبانور في مونتريال وضواحيها.
يشير البعض من هؤلاء ممن أصبح لهم باع طويل وخبرة عميقة واحتراف مهني في تجارة السمسرة والقومسيون شراء ومبيع الديبانورات الى الظروف التي دفعتهم نحو هذه التجارة بما فيها من سلبيات وايجابيات، فيقول حسين ابراهيم لبناني، 38 سنة، مجاز في ادارة الأعمال من جامعة كيبيك وحائز على دبلوم في الفندقة من لبنان، ومن الرعيل المؤسس في أوساط الجاليات اللبنانية والعربية، يملك حالياً أربعة ديبانورات في أنحاء متفرقة في مونتريال "لقد عملت الى جانب دراستي في الجامعة مدة خمس سنوات وقفت خلالها على أدق تفاصيل المهنة وأسرارها وفضلتها لطموح شخصي مادي على العمل في أية وظيفة أخرى، واتفقت مع زميل لي على شراء ديبانور صغير برأسمال قدرة عشرون ألف دولار وقمنا بدورة تدريبية لدى شركة بيريت Perette وحصلنا بعدها على قرض من أحد المصارف. وهكذا كانت البداية الى أن أصبحت اليوم مشرفاً إدارياً وفنياً على ما أملكه من ديبانورات".
ويكشف ماهر صبرا لبناني، 39 عاماً، حائز على دبلوم تجارة من معاهد كيبيك المهنية، "عميد" الديبانورات باعتراف الجميع في مونتريال نظراً لطول خبرته ونجاحه وشهرته في هذا المجال الذي لم يعرف غيره منذ وصل الى كندا في العام 1982 عن الجوانب الخفية التي يجهلها العديد من أصحاب المهنة. يقول: "على الراغب في الحصول على ديبانور أن يأخذ بعين الاعتبار مجموعة من العوامل أهمها اختيار الموقع الذي ينبغي أن يكون في حي كيبيكي لأن الكيبيكوا هم أكثر المستهلكين للمشروبات والدخان وأن يضع في حسابه ان يفتح 24 ساعة من 24 وأن يتابع حركة تخفيض الأسعار في محلات التموين الكبرى، فمثلاً صندوق الكوكاكولا، 24 كان يباع هناك بستة دولارات ونبيعه بالمفرق بأكثر من 24 دولاراً".
أما الشريكان حسين ياسين وياسر مغربي سوريان، لم يبلغا الثلاثين من العمر، أحدهما قطع دراسته الجامعية والآخر متخصص في علوم الميكانيك، يمتلكان ديبانوراً صغيراً رأسماله 25 ألف دولار، ويتقاسمان العمل مداورة في الليل والنهار فيجمعان على القول "أنت في هذه البلاد أما ان تعمل سائق تاكسي أو في المطاعم وأما ان تبحث عن عمل أكثر استقراراً وكرامة يؤمن الحد الأدنى من العيش الكريم. ونحن ما زلنا في بداية الطريق وعلى رغم الأزمة الاقتصادية فاننا نحصل على بعض الأرباح المعقولة، وإذا ما تعثرنا فيكون في متناول أيدينا على الأقل مبلغ من المال يساعدنا على التفكير بمشروع آخر".
ومن جهته يكشف روبير اسطفان لبناني، 28 سنة، حائز على شهادة CEGEP علمية كندية، اضطر لأن يكون الى جانب أخيه في الديبانور بعد أن كان يساعده في أوقات فراغه والعطل المدرسية خلافاً لما يذكره البعض "ان العمل في الديبانور مضن ولا أمان فيه. فنحن معرضون في كل لحظة، لا سيما في الليل، لهجوم اللصوص المحترفين المزودين بأسلحة نارية وآلات حادة، فإذا لم نقاومهم مصيبة وإذا قاومناهم فالمصيبة أعظم وقد نكون ضحية ذلك كما حصل لغيرنا من اللبنانيين قبل بضع سنوات".
أما بومضياف عيسى مغربي، 34 عاماً، وفد الى مونتريال سنة 1992 ويحمل ديبلوماً في المعلوماتية، لم يجد عملاً في حقل اختصاصه، استطاع أن يؤمن مبلغاً من المال وسلفة من أحد البنوك كافيين لشراء ديبانور لا يخفي قلقه ازاء تراجع حركة المبيعات عن الأمس، وعزا ذلك الى بعض المضايقات التي تلجأ اليها الحكومة بين الحين والآخر للحد من مبيعات السجائر بذريعة حماية الناشئة من التدخين، علاوة على المنافسة الشديدة من المؤسسات التموينية الكبيرة التي باتت، خلافاً للسابق، تفتح أبوابها حتى ساعة متأخرة من الليل، وهذا من شأنه أن يقلص كثيراً من أرباح الديبانور.
وتأكيداً لما أشار اليه عيسى فإن الحكومة الفيديرالية الكندية هي بصدد مشروع قانون يضيق الخناق على الديبانورات فيما يخص بيع السجائر. ويقضي هذا المشروع بازالة واجهات علب التبغ والدعايات من حولها ما يصيب أصحاب الديبانورات بخسارة مالية تقدر بحوالى عشرة آلاف دولار سنوياً كانت شركات التوزيع تقدمها لهم كنوع من المكافآت التشجيعية. ويرى المدير العام لجمعية تموين التبغ في كيبيك ميشال غابوا انه في حال إقرار هذا المشروع فإن مبيعات الديبانورات سوف تنخفض الى حدود 25 في المئة ما يهدد مصير 5000 ديبانور في مقاطعة كيبيك ويؤدي الى تشريد آلاف العمال واحالتهم الى لائحة البطالة.
وفي ضوء هذه المؤشرات السلبية يبدو أن العديد من أصحاب الديبانورات باتوا في خشية فعلية على مستقبل حياتهم التجارية بعدما عاشوا فترة ذهبية هيأت لهم حياة مالية واقتصادية واجتماعية مستقرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.