وجهت محكمة اميركية ضربة إلى جهود الإدارة الاميركية التي تهدف الى "محاصرة" نشاط الإسلاميين من ذوي الأصول العربية المقيمين على أراضيها. إذ قررت محكمة الهجرة في نيويورك أمس منح مترجم زعيم "الجماعة الإسلامية" الدكتور عمر عبدالرحمن اللجوء السياسي في الولاياتالمتحدة. وألغت قراراً كانت دائرة الهجرة أصدرته بالاعتراض على منح الاصولي المصري المهندس ناصر أحمد اللجوء وطرده من الأراضي الاميركية. ووصف إسلاميون قرار المحكمة بأنه "نصر كبير ضد السياسات الاميركية المعادية للجاليات العربية والإسلامية". وينتمي أحمد الى مدينة الاسكندرية، وهاجر من مصر الى اميركا العام 1986 وعمل في مجال صيانة المعدات والأجهزة. وانتخب عضواً في مجلس إدارة مسجد أبو بكر الصديق الذي كان عبدالرحمن يلقي فيه خطبه، وعقب القبض على الشيخ الضرير في آب اغسطس العام 1993 عمل أحمد مترجماً له. واعتقلته السلطات الاميركية في نيسان ابريل العام 1995 بحجة أنتهاء تأشيرته، لكنها أطلقته في وقت لاحق، ثم اعتقلته مرة اخرى في نيسان ابريل 1996 بعدما ألغت إدارة الجنسية والهجرة كفالتها له. ورفضت الإدارة الاميركية طلباً قدمه للحصول على اللجوء السياسي، وقررت الحكومة الاميركية ترحيله إلى مصر. إلا أنه اعترض على القرار أمام المحكمة التي أيدت اعتراضه أمس، وقررت منحه اللجوء السياسي. وعلى رغم أن الإدارة الاميركية سارعت الى استئناف الحكم وتعهدت تقديم أدلة جديدة إلى المحكمة لإثبات أن وجود الاصولي المصري على الأراضي الاميركية "يمثل خطراً على الأمن القومي الاميركي"، إلا أن محامي أحمد، السيد عابدين جبارة من اصل لبناني استبعد إلغاء قرار إطلاق موكّله ومنحه اللجوء. وأشار جبارة الى أن القاضي دون ليفنغستون أصدر القرار بعدما اقتنع بأن التهم التي وجهت الى المتهم غير جدية وأن ترحيله الى مصر يمثل خطورة على حياته. وأوضح جبارة، في اتصال هاتفي أجرته معه "الحياة" من القاهرة أمس، ان "هيئة الدفاع كانت تمكنت من إقناع المحكمة بكشف بعض الأدلّة السرّية التي قدمتها الحكومة الاميركية ضد الأصولي المصري، إذ يمنح القانون الاميركي السلطات الحق في عدم كشف أدلّة سرية في حال تسبب الكشف عنها في أخطار تهدد المجتمع الاميركي". واضاف المحامي أن القاضي "ليفنغستون اقتنع بضرورة كشف الأدلة كونها تنحصر بحياة شخص ولا علاقة لها بأمن المجتمع الاميركي". وتضمنت الأدلة المذكورة مزاعم عن كون أحمد عضواً ناشطاً في تنظيم "الجماعة الإسلامية" الذي يقوده عبدالرحمن الذي يقضي عقوبة بالسجن مدى الحياة في أحد السجون الاميركية، وأن الشرطة ضبطت في حوزته كتيّباً عن كيفية تصنيع المتفجرات، وأنه انخرط في العمل مع التنظيم بعدما جُنّد اثناء قيامه بالعمل مترجماً للشيخ الضرير أثناء محاكمة الأخير في قضية مخطط التفجيرات. وأنه تورط في تسريب بيان اصدره عبدالرحمن داخل السجن وسلمه الى وسائل إعلام، تضمن مطالبة لأنصاره بشن هجمات وتنفيذ اعمال انتقامية ضد اهداف اميركية. واستندت الأدلة كذلك الى شهادة أدلى بها إمام مسجد ابو بكر الصديق الشيخ محمد الشريف زعم فيها أن أحمد هدده بالقتل. وأضاف المحامي جبارة أن الدفاع تمكن من دحض الأدلة السرية وقدم الى المحكمة مستندات تثبت أن ترحيل المتهم الى مصر يمثل خطورة على حياته كون مصر دولة تطبق عقوبة الإعدام، وأوراقاً رسمية تثبت أن أحمد عمل مترجماً لعبدالرحمن بناء على تكليف من المحكمة التي كانت تنظر في قضية الشيخ الضرير، وليس بمبادرة منه. كما تسلمت المحكمة صورة من بيان اصدرته "الجماعة الإسلامية" العام 1996 أعلنت فيه مسؤوليتها عن هجوم شنه أعضاء في الجناح العسكري للتنظيم ضد فندق أوروبا في شارع الهرم في القاهرة اسفر عن مقتل 18 يونانياً. وتضمن البيان أن الهجوم كان يستهدف سياحاً إسرائيليين رداً على "المذابح الإسرائيلية ضد العرب". ولفت المحامي الى أن الادعاء الاميركي كان زعم أن الهجوم نُفّذ بعد أيام من قيام أحمد بتسريب البيان المزعوم من عبدالرحمن الى وسائل الإعلام، مشيراً الى أن الدفاع قدم الى المحكمة أوراقاً رسمية اميركية تضمنت معلومات عن الهجوم المذكور تؤكد أن الجماعة نفذته رداً على مذبحة قانا في لبنان، وأن خطأ حدث في توقيت الهجوم تسبب في اطلاق النار على سياح يونانيين بدل إسرائيليين. وأوضح جبارة أن القاضي استبعد شهادة الشيخ الشريف، وكتب في حيثيات الحكم إن المحكمة ايقنت من شهادته أنه تربطه علاقات بمسؤولين في القنصلية المصرية في نيويورك، وأن لديه دوافع للشهادة ضد أحمد نتيجة لخلاف شخصي وقع بينهما حول اسلوب إدارة مسجد أبو بكر الصديق. ولم يستبعد القاضي أن تكون إدارة الهجرة عقدت صفقة مع الشريف أدلى بمقتضاها الأخير بشهادة ضد المتهم نظير منحه إقامة دائمة في الولاياتالمتحدة. وفي الاطار نفسه أشاد السيد أحمد عبدالستار، المساعد القانوني لعبدالرحمن رئيس "لجنة العدالة" المشكلة من إسلاميين عرب في نيويورك، بقرار المحكمة وتوقع فشل السلطات الاميركية في تغيير القرار اثناء مرحلة الاستئناف. وأوضح أن أحمد ما زال موقوفاً في سجن في مانهاتن، ونفى عنه أي صلة بتنظيم "الجماعة الإسلامية". وقال، في اتصال هاتفي أجرته معه "الحياة"، ان "الاميركيين يحاولون الانتقام من أحمد لرفضه عرضاً منهم بإطلاقه ومنحه الجنسية في مقابل تعاونه معهم. وهم حاولوا الربط بين عمله لفترة كمترجم للشيخ عبدالرحمن وبين تنظيم "الجماعة الإسلامية"، وتجاهلوا أن كثيراً من المصريين والعرب الذين تعرفوا على الشيخ في اميركا ارتبطوا به لكونه عالماً إسلامياً وخطيباً". وكشف عبدالستار أن وزيرة العدل الأميركية جانيت رينو كانت التقت ممثلين من الجاليات الإسلامية وأكدت ضرورة وجود علاقات طيبة بينهم وبين الحكومة. وأضاف: "من الغريب أن كل تصرفات الإدارة الاميركية تخالف ذلك التوجه. إذ أن التحرشات من جانب الشرطة ضد المسلمين لا تتوقف ومحاولات الربط بين الإسلام والإرهاب مستمرة، وهناك نحو 23 إسلامياً يواجهون خطر الترحيل الى بلادهم وتحتجزهم السلطات بعيداً عن أُسرهم وابنائهم، والإدارة الاميركية تتعامل مع الإسلاميين جميعاً على أنهم إرهابيون، وكل من يعبّر عن رأيه علناً يجد رجال مكتب التحقيقات الفيديرالي "اف.بي.اي" في منزله في اليوم التالي ويكون عرضه للاعتقال".