هل بدأ لبنان مرحلة جديدة من العلاقات السياسية تفرضها دقة المرحلة في الشرق الاوسط، في انتظار ان يحدد رئيس وزراء اسرائيل ايهود باراك موقفه، وللتأكد من مدى استعداده لإعطاء فرصة جديدة للعملية السلمية، وسط اجواء تشير الى تسريع معاودة المفاوضات على المسارين اللبناني والسوري؟ يجيب قطب سياسي عن السؤال بأن "لبنان سيشهد من الآن وصاعداً نمطاً جديداً للعلاقات السياسية وبالاخص بين الحكم والحكومة وكل القوى السياسية بعد الانتهاء من فترة السماح التي لم تحسن الحكومة توظيفها كما يجب على صعيد اطلاق الحوار الذي ظل معلقاً على رغم الرسائل التي بعثت بها دمشق اخيراً والتي لم تلتقط الا في وقت متأخر، بعدما اخذت الساحة اللبنانية تقترب من خلط الاوراق وتعيد الاعتبار الى الحوار السياسي الذي يشترط انفتاح الحكم على جميع الاطراف. وأكد القطب ل"الحياة" ان "لكل مرحلة ادارتها السياسية انطلاقاً من شعور بأن ابقاء حال التشرذم لا يخدم الاستعداد لمواجهة استئناف المفاوضات الذي يشترط تحصين الساحة وعدم تعريضها لخروقات بسبب استمرار الخلافات الجانبية بين القوى الحليفة لسورية". ولفت الى ان "المشكلة لم تعد محصورة بالحكم والحكومة من جهة وببعض الاطراف خصوصاً رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، انما تجاوزتها الى قوى تعتبر من اهل البيت اخذت تشعر ان لا بد للسلطة التنفيذية من ان تعيد النظر في خطة عملها في مقابل مبادرة الآخرين بمراجعة حساباتهم وتقويم موقفهم على قاعدة اعلان الاستنفار السياسي العام لمواجهة تحديات المرحلة الجديدة". وتوقف القطب امام الاستعدادات الجارية لعقد الجلسات النيابية لمناقشة مشروع قانون الموازنة للعام 1999، وقال ان "المناقشات لن تنحصر بدرس الموازنة، وانما ستتعداها الى محاسبة الحكومة وبموضوعية على سياستها العامة التي اتبعتها منذ تأليفها الى اليوم"، مشيراً الى ان "ساحة النجمة ستشهد اول محاولة جدية لاستعادة التوازن في العلاقة القائمة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ضوء الملاحظات التي اخذ يبديها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ويتضامن معه في شأنها عدد من النواب ممن منحوا الحكومة الثقة. فرئيس المجلس الذي يؤخذ عليه انه زاد بصمته على اخطاء الحكومة، سيجد نفسه مضطراً الى اثبات دور السلطة التشريعية بعدما شعر ان هناك من يريد تهميشها والتعاطي معها على اساس انها قوة داعمة بلا حدود للسلطة التنفيذية. حتى ان بري الذي اخذ على نفسه منذ اليوم الاول لتأليف الحكومة تمديد الفرصة لها تلو الاخرى رافضاً انتقادها على الاقل في العلن ومؤكداً تعاونه معها بات مضطراً الى "قرع الجرس" في الوقت المناسب داعياً الى التخلص من الاخطاء والثغرات المتراكمة". وفي هذا السياق، اكد مصدر نيابي ان بري الذي تصرف منذ البدء على اساس وقوفه على مسافة واحدة من الجميع، لم يتردد في مصارحة رئيسي الجمهورية إميل لحود والحكومة سليم الحص، رغبة منه في عدم تفويت الفرصة، لأنه بات يشعر ان الحكومة اضاعت الفرص ولم تحسن توظيف الدعم النيابي لها". وأضاف ان "بري ينشد التعاون مع الحكومة، في ظل رفضه الدائم احياء الترويكا التي كانت قائمة في العهد السابق، من دون ان يعني ذلك موافقته على قلة الخبرة السياسية لعدد من الوزراء الذين يتحملون المسؤولية من تكرار الاخطاء ولا "تمريره" اي خلل في علاقة المجلس بالحكومة، لئلا يتم احياء صيغة عام 1943". وتابع ان "مبادرة الرئيس بري بتعداد ملاحظاته علناً لا تعني انه يخطط للدخول في معركة كسر عظم مع الحكومة بمقدار توخيه من جلسة مناقشة الموازنة تأكيد التوازن بين السلطات للحفاظ على دور السلطة التشريعية كمراقب للسلطة التنفيذية ومحاسب لها". ولفت الى ان "الرئيس بري كان السباق الى اعطاء الحكومة حقها عندما تحسن الاداء، على رغم انه آثر على نفسه اثارة الاخطاء في الاجتماعات المغلقة قبل ان تخرج الى العلن"، مؤكداً ان "رهان رئيس المجلس على رئيس الجمهورية لم يتأثر بالاجواء غير الطبيعية التي تسيطر من حين الى آخر على علاقته بالحكومة". واعتبر القطب السياسي ان "تزايد الاصوات النيابية والسياسية التي تدعو الحكومة الى تصحيح الاوضاع من خلال علاج عدد من الاخطاء التي اعترفت بها الحكومة، دليل واضح الى وجود خلل ما لا بد من الاسراع في وضع اليد عليه للتخلص منه، خصوصاً ان دائرة الذين يبدون ملاحظاتهم ويتحدثون عن مآخذهم اخذت تتسع يوماً بعد يوم". وكشف ان "المسؤولين السوريين اخذوا يتقبلون الملاحظات التي يحملها اليهم الزوار ويدعون الى تفاديها واضطروا اخيراً الى التدخل رغبة منهم في الحفاظ على الرصيد السياسي والشعبي الذي يتمتع به العهد وارتأوا ان لا بد من تطبيع العلاقات بين الدولة والآخرين ظناً منهم ان التواصل يقود الى المصارحة ويفسح في المجال امام تعميق الحوار لتعزيز الثقة". ورأى ان "البوادر التي لاحت في الافق للبدء بحوار بين لحود وجنبلاط من شأنها ان تسهم في تعزيز الاستقرار السياسي من جهة وفي توسيع رقعة المشاركة من جهة ثانية، خصوصاً ان ما يسمعه النواب من رئيس الجمهورية يدعو الى التفاؤل والارتياح حيال التأسيس لمرحلة سياسية جديدة". وأكد النواب ان رئيس الجمهورية شدد لدى استقباله النواب على "ضرورة الانفتاح والحوار تقديراً منه ان للجميع دوراً في تحصين الساحة لمواجهة كل المتغيرات الاقليمية وأبدى تفهماً لموقفهم القائل ان الانتقادات للحكومة لا تستهدفه وانما يراد منها لفت النظر الى الاخطاء الحاصلة التي يجب التصدي لها". وتابعوا "لا يجوز التعاطي مع مناقشة النواب للحكومة كأنها موجهة ضد العهد. فالصراحة المتبادلة التي خيمت على اجتماع لحود وجنبلاط يجب تعميمها بغية الافادة من الحوار بعدما التقط الجميع اشارات اطلقتها دمشق التي تتمنى ترجمتها خطوات عملية لئلا تبقى محصورة في كسر الجليد. ويمكن القول ان الجميع يتحمل مسؤولية حيال التفريط بأي جهد يخدم تفعيل الحياة السياسية ويفتح صفحة جديدة بالحوار ويشيع المناخ للملمة الشتات، خصوصاً ان الساحة تتسع لمن يريد العمل على الا يوظف الانفتاح لكسب اصدقاء جدد من جانب الدولة في مقابل ان يتخلى هؤلاء عن حلفاء لهم، فالحوار لا يحقق الاغراض المنشودة منه، ما لم يتم تنفيس الاحتقان بالابتعاد عن شد الحبال او التشكيك واتباع سياسة استيعابية لا تستبعد احداً، إلا اذا هو قرر ان يستبعد نفسه".