برز خلاف أميركي - ليبي جوهري في شأن مصير العقوبات المفروضة على طرابلس منذ 1992. إذ طالبت ليبيا، عشية مناقشة مجلس الأمن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان والمتعلق بالعقوبات، ب"رفع فوري وكامل" لها، في حين شددت الولاياتالمتحدة على رفضها هذا الطلب، مطالبة طرابلس ببذل "مزيد من الجهود" في قضية لوكربي. انعقد مجلس الأمن أمس الأربعاء في جلسة مغلقة للنظر في التقرير الذي قدمه الأمين العام لمناسبة مرور 90 يوماً على تسليم المواطنين الليبيين المشتبه بتورطهما في تفجير طائرة "بان اميركان" الى العدالة الاسكتلندنية في لاهاي وأسفر عن "تعليق" العقوبات. وطرحت الولاياتالمتحدة مشروع بيان رئاسي يسجل "ترحيب مجلس الأمن بالتطورات الايجابية" التي عرضها الأمين العام في تقريره و"يشجع" ليبيا على المزيد من التقدم "مع النظر الى رفع" العقوبات حالما يقرر المجلس ان ليبيا نفذت كل الشروط. ونص مشروع البيان على اعتزام مجلس الأمن اجراء مراجعة دورية خلال مدة 120 يوماً "اذا تطلب الوضع" للنظر فيما اذا كانت الحكومة الليبية نفذت كل المتطلبات. وصرح المندوب الاميركي بيتر بيرلي ان هناك اتفاقاً بين اعضاء المجلس على اساس قاعدة نص مشروع البيان الرئاسي وفي اتجاه الاجماع. وفي المقابل، اعدت مجموعة الدول غير المنحازة في المجلس، وهي البحرين وماليزيا وغابون وغامبيا وناميبيا، مشروع قرار لم تقدمه رسمياً الى المجلس تجاوباً مع الرغبة الليبية بتجنب المواجهة والفيتو الاميركية. وينص مشروع القرار على ان ليبيا اوفت بكل التزاماتها، بموجب قرارات مجلس الأمن وبالتالي يتخذ المجلس، بموجب المشروع، اجراءات رفع العقوبات رسمياً متصرفاً طبقاً للفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة. رسمياً، عارضت ليبيا مشروع البيان الاميركي وقال المندوب الليبي السفير ابو زيد دورده "لا جديد في مشروع البيان الاميركي الذي لم يأخذ في الاعتبار كل المواقف والاجراءات المتخذة من ليبيا في شأن تنفيذ التزاماتها قرارات مجلس الأمن سواء في الماضي او في التعهدات التي تقع في نطاق المستقبل فيما يتعلق بتنفيذ قرارات المحكمة". وزاد ان المشروع الاميركي "سيئ لأنه يحول دون رفع العقوبات". وتابع دورده "ثم ان الاقتراح بمراجعة دورية كل 120 يوماً يثير لدينا شكوكاً كثيرة ومن ثم لا يمكننا القبول به". وأضاف ان اسراع الولاياتالمتحدة بتقديم مشروع البيان كان "استباقاً" لتقدم اطراف اخرى بمشروع قرار. وقال معلقاً على مشروع قرار مجموعة عدم الانحياز "لولا امتياز النقض الذي تتمتع به الولاياتالمتحدة لتمكن المجلس من تبني القرار"، انما نظراً للموقف الاميركي المعارض لرفع العقوبات الآن "لا بد من حل توفيقي". عناصر هذا الحل التوفيقي تشمل من وجهة النظر الليبية، اولاً، الاشارة على ان ليبيا اوفت بالتزاماتها وان المجلس سيرفع العقوبات في وقت قريب عندما تزول الصعوبات التي تواجه الولاياتالمتحدة والتي تعتبرها ليبيا "صعوبات داخلية لا علاقة لها بالقرارات والادعاءات بأنه لا بد من الانتظار الى حين اثبات تعاون ليبيا مع المحكمة". وثانياً، استبدال فترة ال120 يوماً بالتعهد برفع العقوبات في اقرب وقت ممكن. وحسب السفير الليبي ان "جميع اعضاء مجلس الأمن، باستثناء الولاياتالمتحدة، يعتبرون ان ليبيا أوفت بكل التزاماتها وحان وقت رفع العقوبات". وافترقت المواقف البريطانية عن المواقف الاميركية في شأن الملف الليبي بعدما كانت المواقف الاميركية - البريطانية متطابقة. لكن الديبلوماسية البريطانية حرصت الا يبدو الاختلاف ظاهراً داخل المجلس او في التصريحات العلنية وعملت وراء الكواليس لتقريب وجهات النظر والتوصل الى الحل التوفيقي الذي يتوجه نحوه مجلس الأمن. وكان المندوب الليبي وزع رسالة من حكومة بلاده الى رئيس مجلس الأمن، تعتبر فيها انه "لم يعد أمام مجلس الأمن إلا التزام ما قرره من انه سيرفع التدابير المفروضة على الجماهيرية العربية الليبية عند تسلمه تقرير" أنان المتعلق بتسليم ليبيا المتهمين في قضية لوكربي الى القضاء الاسكتلندي في هولندا. ومعروف ان أنان لم يوص في تقريره برفع العقوبات. واعتبرت رسالة الحكومة الليبية تقرير أنان "شاملاً ووافياً ويؤدي الى نتيجة منطقية واحدة هي ان ليبيا وفّت بالتزاماتها ... وان على الاطراف كافة تترتب التزامات مستقبلية عليها تنفيذها في ما يتعلق بالتعاون مع المحكمة الاسكتلندية، والالتزام بما يصدر عن المحكمة من أحكام. ان ليبيا وحدها تعهدت بتنفيذ ما سيصدر عن المحكمة، بخلاف الاطراف الاخرى المعنية"، في إشارة الى بريطانياوالولاياتالمتحدة. وطالبت الاطراف الأخرى بتقديم تعهدات مماثلة. واعتبرت ليبيا ان "عدم رفع العقوبات، وقد توافرت كل الاسباب لرفعها الآن، وفُنّدت كل الحجج المعارضة للرفع في تقرير الأمين العام، سيُلحق المزيد من الاضرار بصدقية المجلس". ورأت ان "الاصرار على عرقلة رفع العقوبات" لن يؤدي الى العودة الى الوراء خطوة واحدة "بل خطوات". وحذّرت الرسالة الليبية من ان "عدم الرفع سيقوّض مناخ الثقة وحسن النيات الذي ادى الى التوصل الى حل قبلت به الاطراف كافة". وقالت ان اعلان الولاياتالمتحدةوبريطانيا ان ليس لهما نيات خفية "لا يغني عن الافعال والمواقف العملية" التي تؤكد ذلك. واكدت ليبيا في الرسالة "ان الشأن الثنائي لدولة ما مع ليبيا يُعالج ثنائياً بين الدولة المعنية وليبيا ولا وجه لربطه بقرارات مجلس الامن او العقوبات التي فرضها بواسطته". وزادت "ان ليبيا اعربت مراراً عن استعدادها للحوار والتباحث مع اي دولة في اي شأن ثنائي، وان المجلس ينبغي الا يسمح لأحد باستخدامه لتحقيق غايات سياسية معينة". واعتبرت ان المطروح والمعروض على المجلس الآن "هو امتحان بكل معنى الكلمة امام المجلس الدولي بأكمله، وهو امتحان بكل المقاييس سيكون تاريخياً". وكان مجلس الامن اتخذ اجراء "تعليق" العقوبات المفروضة على ليبيا في 5 نيسان ابريل لدى تسليم المواطنين الليبيين الى المحكمة الاسكتلندية في هولندا. وشددت ليبيا على ضرورة عدم "تسييس الخلاف القانوني" واعتبرت ان تقرير الامين العام يفيد "على نحو صائب ومنطقي، انه لا يمكن ان يتوقع من ليبيا الآن، خاصة وان المحاكمة أُرجئت، سوى تقديم تأكيدات بالتزامها الامتثال" للطلبات المتعلقة بالوصول الى الشهود والوثائق. وعن التعويضات، جاء في الرسالة الليبية "ان المطالبة بدفع التعويض الآن تُسقط وتُلغى مسبقاً امكانية ان تحكم المحكمة الاسكتلندية، المنعقدة في هولندا، ببراءة المتهمين اللذين نحن - في الواقع - واثقون من براءتهما، ويصادر حق ليبيا في التعويض في حال البراءة عن الاضرار والخسائر البشرية والمادية والمعاناة التي تعرّض لها الشعب الليبي على مدى سبع سنوات لمجرد الاشتباه في اثنين من مواطنيها" اشارة الى العقوبات التي فرضها مجلس الامن. وفي ما يتعلق بالارهاب الذي طالب مجلس الامن في قراراته ليبيا بنبذه والتعاون في محاربته، اشارت الرسالة الى ما جاء في تقرير الامين العام من "قطع صلاتها مع كافة الجماعات والمنظمات المشتبه بضلوعها في الارهاب وتأكيدها عدم وجود اي معسكرات لتدريب الارهابيين او وجود منظمات او جماعات ارهابية في اراضيها". واشارت الرسالة الى تعاون ليبيا مع بريطانيا في ما يتعلق بالجيش الجمهوري الايرلندي والى اعتراف وزارة الخارجية الاميركية في تقريرها لعام 1998 في "ان ليبيا لم تتورط في اي اعمال ارهابية، لسنوات عدة مضت"، كما اعتبرت ان تخصيص الامين العام مساحة كبيرة من تقريره "لمواقف ليبيا الايجابية وما قامت به من اجراءات فعلية، وتعاونها مع بريطانيا وفرنسا في قضية يوتا له دلالاته المهمة، فهو لا يشير فقط، بل يؤكد على استنتاج واحد وحيد هو ان ليبيا قد امتثلت، وبشكل ملموس "للمتطلبات ذات العلاقة بالارهاب في القرارات" وبهذا يكون هذا الملف قد أقفل نهائياً وإلى الأبد".