طرابلس، بنغازي، بروكسيل - أ ف ب، رويترز - أحرز مقاتلو «المجلس الوطني الانتقالي» في ليبيا أمس تقدماً في جبهة الجنوب وسيطروا على مدينتي سبها وودان، لكنهم تكبدوا خسائر ثقيلة في جبهتي بني وليد وسرت، معقل العقيد معمر القذافي، فيما قرر حلف شمال الأطلسي تمديد مهمته العسكرية ثلاثة أشهر في ليبيا، آملاً بإنهائها في أسرع وقت ممكن. وقال عضو المجلس الوطني الانتقالي عن سبها (750 كلم جنوبطرابلس) عبدالمجيد سيف النصر إن «ثوارنا سيطروا سيطرة تامة على المدينة وأحيائها كافة بمن فيهم القذاذفة». وأضاف أن «الجميع أصبح مع الثورة والمدينة أصبحت مؤمنة وفي يد الثوار، ونحن نحافظ على الأمن فيها في إطار تقاليدنا وعاداتنا ولا نريد إراقة الدماء». لكنه أشار إلى أن «هناك بعض التحركات الفردية غير المنظمة لبعض الأشخاص الذين يدافعون عن أنفسهم وعن جرائمهم، لكن المدينة مؤمنة ويمكننا تأمين وصول أي صحافي إليها». وأعلن سقوط «أربعة شهداء من الثوار ومقتل 11 من عناصر كتائب القذافي الاثنين والثلثاء في معركة السيطرة على سبها التي سيطرنا عليها تماماً» أمس. وأكد ممثل «كتيبة درع الصحراء» في سبها محمد وردكو شقيق قائدها بركة وردكو «السيطرة التامة» على المدينة، مشيراً إلى أنه «لم تعد هناك مقاومة». وكان وردكو أكد دخول قوات النظام الجديد سبها «وسيطرتهم على مطارها والقلعة وكتيبة فارس (مقر الأمن)» إضافة إلى القبض على قيادي في الكتائب الموالية للقذافي في المنطقة. وسبها معقل قبيلة القذاذفة التي يتحدر منها معمر القذافي كانت تشكل هدفاً مهماً لمقاتلي المجلس الانتقالي، إضافة إلى منطقة الجفرة (300 كلم شمال شرقي سبها) والواقعة بين سبها وسرت. وأحرز مقاتلو النظام الجديد تقدماً كبيراً في الجفرة وسيطروا على أنحاء واسعة منها، على ما أعلن عضو المجلس الانتقالي عن الجفرة مصطفى الهوني. وقال الهوني: «سيطرنا على أكثر من سبعين في المئة من مناطق الجفرة» التي تضم أربع مدن رئيسية هي ودان وهون (حيث مقر القيادة العامة العسكرية) وسوكنة وزلة ويقطنها نحو 75 ألف ساكن. وأكد أنه «تمت السيطرة على ودان (300 كلم جنوب سرت) بعد وصول تعزيزات من ثوار مصراتة ليل الاثنين - الثلثاء إلى المنطقة». وذكر شهود أن عشرات القتلى والجرحى سقطوا أمس عندما قصفت القوات الموالية للقذافي مدينة هون. وقال أحد الشهود: «هناك عشرات القتلى والجرحى في المدينة لم نستطع الوصول إليهم نتيجة القصف العنيف»، فيما أكد آخر أن أحياء المدينة «التي تحررت ورفعت علم الاستقلال تتعرض لقصف عنيف من قبل كتائب القذافي المتمركزة في مدينة سوكنة» التي تبعد ثمانية كيلومترات عن هون. وتحدث شاهد عن قصف محطة الكهرباء في هون. ويوجد مقر القيادة العامة للعمليات العسكرية في ليبيا في المدينة. ومُني مقاتلو المجلس بخسائر في جبهة سرت (360 كلم شرق طرابلس) حيث تدور معارك طاحنة، كما تكبدوا خسائر كبيرة في بني وليد (170 كلم جنوب شرقي العاصمة). وقام برنامج الغذاء العالمي بتوزيع مساعدات غذائية للسكان الفارين من جحيم المعارك. وكان مقاتلو المجلس تمكنوا الأسبوع الماضي من دخول سرت من الغرب ومن الجنوب، لكنهم لا يزالون يلقون مقاومة عنيفة لم تكن متوقعة من جهة الشرق. وقال شهود إن إطلاق نار متقطع لقذائف الهاون هز المدينة أول من أمس. وتم إخلاء 16 جريحاً إصابتهم خطرة بطائرة قطرية باتجاه مالطا، لتخفيف الضغط على مشافي مصراتة التي تعاني من إرباك لكثرة مراجعيها منذ بداية الهجوم على سرت. وشهدت وحدات العناية المركزة ازدحاماً شديداً بسبب وصول عدد كبير من الجرحى إلى مصراتة. وتعطلت أربعة أجهزة تصوير بالأشعة (سكانر) في حين بدت مراوح التهوئة قليلة وسط درجات حرارة لا تزال نسبياً مرتفعة خصوصاً في الأماكن المغلقة. وقال الناطق باسم المجلس العسكري في مصراتة زبير الغدير إن «غالبية السكان في سرت مؤيدة للقذافي»، معتبراً أن ذلك يعود أساساً إلى سيطرة أنصار القذافي على وسائل الإعلام المحلية في المدينة. وفي محيط بني وليد، استهدفت أربعة صواريخ غراد أمس موقعاً أساسياً لمقاتلي المجلس بعدما استقدم الثوار مجموعة من الدبابات لاستخدامها في المعارك الهادفة إلى السيطرة على المدينة التي تعد أحد آخر معاقل القذافي. وسقطت الصواريخ في محيط الموقع الذي يبعد ما بين 15 إلى عشرين كيلومتراً من بني وليد، ما دفع العديد من الثوار إلى التراجع في حال من الفوضى. والهجوم هو الأول من نوعه على هذا الموقع منذ حوالى أسبوع، علماً أن قوات المجلس الانتقالي سبق وأن أعلنت أنها دخلت مدينة بني وليد وباتت تسيطر على مواقع فيها. وقتل عنصران من قوات المجلس وأصيب أربعة آخرون بجروح أمس، وفقاً لأطباء في المركز الطبي الذي يعالج الجرحى ويتلقى جثث القتلى على بعد حوالى 30 كلم من بني وليد. ولم يوضح الأطباء ما إذا كان الضحايا سقطوا في الهجوم الصاروخي الذي تعرض له موقعهم أو في حادث آخر وقع عن طريق الخطأ في المكان ذاته. وكان مسؤول التفاوض عن جانب الثوار عبدالله كنشيل أعلن قبل ساعات من الهجوم استقدام مجموعة من الدبابات «ستستخدم لدك حصون القوات الموالية للقذافي في بني وليد». وقال: «نحتاج إلى كثافة نارية لمواجهة القناصة»، مشيراً إلى حشد مجموعات من الثوار من أجل «شن معركة حاسمة خلال 48 ساعة». ويواجه مقاتلو المجلس صعوبات متزايدة بينها غياب التنسيق والقيادة خلال محاولاتهم السيطرة على بني وليد. وبعد أكثر من أسبوع على انطلاق هجمات الثوار المبتهجين بسيطرتهم على العاصمة الليبية، باتجاه بني وليد اثر فشل مفاوضات لدخولها سلمياً، لم يحرز هؤلاء سوى تقدم بسيط واصبحوا يتكبدون خسائر بشرية يومياً. ويتحدث كثير من المقاتلين عن تململ في أوساط الثوار جراء «خيانات» يتعرضون لها من قبل زملاء لهم، ينتمي معظمهم إلى بني وليد نفسها. وقتل واحد على الأقل من الثوار أمس في انفجار وقع عن طريق الخطأ في سيارة قرب موقع يتمركز فيه الصحافيون على بعد حوالى 15 كلم من بني وليد. وبعد دقائق من هذا الحادث، فقد مقاتل آخر السيطرة على سلاحه فبدأ بإطلاق النار في كل اتجاه وكاد يصيب أربعة من زملائه. وكانت بريطانيا أعلنت أمس أن طائراتها هاجمت مقاتلين موالين للقذافي في ثلاث مناطق مختلفة. وقالت وزارة الدفاع إن الطيران البريطاني دمر منشأة للقيادة والسيطرة في بني وليد ثم دمر هدفاً ثانياً مماثلاً في هون. وأضافت أن طائراتها من طراز «تورنادو جي ار 4» قصفت بعد ذلك مدرسة سابقة في سرت مسقط رأس القذافي، كانت قاعدة للمركبات المدرعة والمدفعية المضادة للطائرات. وفي بروكسيل، قرر مجلس «حلف شمال الأطلسي» خلال اجتماع على مستوى سفراء الدول الأعضاء أمس، تمديد مهمة قواته في ليبيا ثلاثة أشهر. وقال ديبلوماسي إن «هذا القرار التقني اعتمد بسرعة من دون تباينات في وجهات النظر بين الأعضاء». وأضاف: «يمكن وقف المهمة في أي وقت نظراً إلى تطور الوضع ورأي» السلطات الليبية الجديدة. وكان الأمين العام للحلف الأطلسي انديرس فوغ راسموسين كرر التأكيد أول من أمس في نيويورك أن الحلف «سيتابع مهمته طالما استمرت التهديدات على المدنيين، لكنه عازم على انهائها متى تسمح الظروف». وأضاف أن «أيام النظام السابق باتت معدودة. والتطورات الأخيرة الإيجابية في ليبيا ثابتة». سياسياً، أعلن رئيس المكتب التنفيذي محمود جبريل أن الحكومة الليبية ستشكل «في غضون أسبوع إلى عشرة أيام». وكان المجلس الانتقالي الذي تعترف به الأممالمتحدة ممثلاً للشعب الليبي أعلن مطلع الشهر أنه ينوي إدارة البلاد حتى تنظيم انتخابات في غضون 8 أشهر لانتخاب مجلس تأسيسي لوضع دستور جديد تنظم على أساسه انتخابات عامة. إلى ذلك، أعلن مصدر عسكري تونسي أن اشتباكات وقعت أمس بين وحدات من الجيش التونسي وعناصر مسلحة مجهولة قرب الحدود مع ليبيا، لكنه لم يحدد جنسية المسلحين. وقال إن «اشتباكات عنيفة جرت في منطقة قبلية بين عناصر الجيش وعدد من المسلحين على متن سيارات عدة». وأضاف أن طائرات حلقت فوق المنطقة لمحاصرة المسلحين، وهذه ثاني مواجهات بين مسلحين وقوات الجيش التونسي خلال نحو شهر.