ثقة في النفس، وقدرة على المواجهة والثبات، وطاقة إبداعية احتوت الشباب بمشاريعها الناجحة، وبكل برامج وفقرات إذاعة الشباب التي ترأس شبكتها من أول تشرين الاول اكتوبر 1994 الى الوقت الحالي. ويُخيل الى من يراها أو يلقاها في مؤتمراتها أو برامجها أو أسواقها الشبابية أنها تملك كل غرور الدنيا، إلا أن من يحاورها لا يرى سوى البساطة والهدوء والطيبة تشع من عينيها. وهذا ليس بغريب عن بنات ريف مصر. إنها الإذاعية اللامعة نجوى أبو النجا ابنة "اجا" في مدينة المنصورة محافظة الدقهلية. فهناك كان مولدها من أب ينتمي الى سلك القضاء رباها على أنها ابنه الكبير، بث فيها الثقة، وكان يشعر أنها ستكمل مسيرة والدها الناجحة. كان يقول لها: "سميتك نجوى، ولتعلمي يا ابنتي ان النون في اسمك هي نور السموات والارض تضيء مستقبلك، والجيم جنات عدل في ظل أهلك، والواو ويل لمن يقف في سبيل مجدك، والألف المكسورة تقصر في عمر اعدائك". شبت أبو النجا وسط البسطاء بعيداً عن الضوضاء في ريف المنصورة، هذه المدينة التي اشتهرت كما يقولون - ب"البيض الأمارة، وخفة الدم، والوجوه التي لا تفارقها الابتسامة". ظلت هناك الى أن خرجت الى العاصمة حاملة شهادة الثانوية العامة لتلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية - قسم الإخراج. واثناء دراستها اشتركت في زيارة للإذاعة، وقابلت هناك ايهاب الازهري وكان صاحب برنامج ناجح، واثناء حوارها معه لمحها، وسمع صوتها الإذاعي احمد سعيد، وأثنى عليها، وساعدها في العمل في إذاعة "صوت العرب". واستمرت في عملها إلى أن حصلت على البكالوريوس عام 1967، وتم تعيينها، وانطلقت في "صوت العرب" وقدمت العديد من البرامج، منها: "كلام في الصميم" و"مقاعد خالية"، و"لعبة كل يوم" و"سباق الحواجز" و"نجمان على الهوا" و"سفير فوق العادة" وسهرة "يا هلا" التي استمرت عشر سنوات. وواصلت مشوارها وتعلمت على أيدي الاساتذة احمد سعيد، ومحمد عروق، وسعد نصار، وامين بسيوني. تعلمت منهم أصول العمل الإعلامي. ثم جاءت الانطلاقة من "صوت العرب" حين صدر قرار بترقيتها رئيساً لشبكة "الشباب والرياضة". وقتها اسرعت مهرولة الى استاذها احمد سعيد قبل ذهابها الى بيتها باكية من الفرحة، متسائلة ماذا تفعل بهذه المسؤولية الكبيرة، تسأله لأنه أول من اخذ بيدها، قرأ القرار وطمأنها وبدأت خطواتها للشباب ومع الشباب، الى أن صارت من الرائدات اليوم. المشوار طويل والانجازات كثيرة والطموح أكبر، لذلك كان لا بد ل"الحياة" من الحوار معها: ظل الموعد معلقاً لما يزيد على ثلاثة أسابيع، حتى الانتهاء من افتتاح الرئيس المصري حسني مبارك لسوق الشباب السابع عشر الذي يحوي معروضات 4 آلاف شاب بالتعاون مع الصندوق الاجتماعي للتنمية، فكان اللقاء وهذا الحوار: أنت رائدة لفكرة اسواق الشباب التي بدأت في حزيران يونيو 1995، كيف ولدت هذه الفكرة الى أن أصبحت من معالم الإعلام التنموي والاقتصادي في مصر؟ - بدأت الفكرة ب 35 شاباً وفتاة بشكل ضيق في الأندية الرياضية، الشباب الذين يتعاملون مع الصندوق الاجتماعي اقمنا لهم أسواقاً في أندية الزهور ومدينة نصر والترسانة والصيد والقاهرة. وكان معنا وزيرا العمل والتجارة، ورئيس جامعة القاهرة، ومدير مكتب الرئيس للشؤون السياسية الدكتور اسامة الباز الذي أوصاني بالمحافظة على هذا المشروع. وكان الدكتور محيي الدين الغريب وقتها رئيساً لهيئة الاستثمار، فمد يده إلينا وسمح لنا بعرض مشاريع الشباب في سراي الاستثمار، بعدها دعمتنا كل الجهات، وتحدث معنا وزير الإعلام عن أهمية الإعلام التنموي الذي أكدته هذه المشاريع، وكما قال أمام الرئيس مبارك، اصبحت امامنا اسواق عدة منها أسواق التنمية الريفية، وسوق الشباب الذي نعتبره علامة مميزة. وتطور الأمر بعد ذلك، وزاد عدد الشباب المشاركين، وكثرت مشاريعهم، ووجدنا منافذ كثيرة لتسويق منتجاتهم، الى أن كانت زيارة الرئيس في أول آذار مارس 1996 ثم اعتبره عيداً للشباب المنتج، وجاءت زياراته التالية في أعوام 1997 و1998، و1999، وزيارة الرئيس لمشاريع الشباب اضافت له التميز والرواج، فما أن يخرج من السوق بعد افتتاحه إلى أن تنهال آلاف الجماهير، ووصل عددهم الى نحو 25 ألف مواطن. وهذه مسؤولية كبيرة عليّ. وما ملامح التميز في أحدث تلك الأسواق؟ - من 35 شاباً وفتاة الى 4 آلاف مشارك بين أفراد ومؤسسات والسوق أقيمت على مساحة 12 ألف متر مسطح، وحوت 4 آلاف مشروع، وفي سوق العام الماضي بلغت جملة التعاقدات نحو 800.11 مليون جنيه مصري، وأهم الملامح المميزة للسوق السابع عشر: شاب من المحلة الكبرى اسمه يحيى كامل، يعبئ ويغلف مواد غذائية تعاقد بمبلغ 428 مليون جنيه. والشاب محمد غلاب من كفر الشيخ تعاقد لتوريد 200 ألف طن أرز اسبوعياً، بما قيمته مليون جنيه شهرياً إلى غزة والضفة الغربية. أما حسين الطاروطي فصدّر ب 300 ألف جنيه مصري للأردن والكويت. كيف تقومين هذا النجاح؟ - النجاح سلم عريض ويسع الجميع، وبالنسبة الى الشباب، العلاقة محسوبة معهم، فهي تقوم على الحب والتفاهم والحوار البناء والالتزام بالتعليمات. وأنا أعاملهم كأبنائي واساعدهم في رسم طموحاتهم. بدأت العمل في الإعلام في سن صغيرة وقدمت برامج عدة وكونت علاقات عربية كثيرة، فما البرنامج المحفور في ذاكرتك؟ - برنامج "أضواء على الجانب الآخر" الذي بدأت في تقديمه عام 1976، وقابلت من خلاله الرؤساء ياسر عرفات وعبدالسلام المجالي والنميري والميرغني وعمر البشير والصادق المهدي والسيدة منى الهراوي والرئيس نبيه بري والسيدة خولة ارسلان. كما قابلت من خلاله الدكتور عاطف صدقي والدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء الحالي، وكمال حسن علي والشيخ الشعراوي وعبدالحليم نصار وغيرهم. من خير من يقوّم تجربتك؟ - خير من يقوّم تجربتي الشباب والجمهور، فأنا دائماً اسأل نفسي، هل أصبحت رقماً محسوباً لديهم؟ هل اصبح لي وجود؟ إذن انت ناقدة لذاتك؟! - ناقدة لذاتي وبعنف وقسوة. وكلما بدأت عملاً أشعر كأني في بداية الطريق. هل حققت أحلامك؟ - لم أحقق أياً منها. واقصى طموحاتي الا انتقل الى خانة الاصفار، بل أكون رقماً محسوباً لتكون لحياتي معنى، حياتي بسيطة جداً، وتهزني السعادة كما يهزني الحزن. وتنتابني حالات من الوجد والعاطفة الجياشة، فالشجن يسكنني كالدم في العروق على رغم أني نادرة الدموع. ما القيم التي تحنين اليها ولم تعد موجودة في حياتنا؟ - افتقدنا التراحم بين الكبير والصغير، ودخلت حياتنا لغة "معلهش"، و"يعني"، والتهويل. واذا استمرت هذه اللغة، فعلينا السلام. من ابن الحلال؟ - ابن الحلال هو المهندس عصام عباس، لديه ملكة الاحتواء، فهو يحتوي نجوى الممتلئة صخباً وأحلاماً وإعلاماً متفجراً. وحين أعود الى البيت اترك نجوى الإعلامية خارج الباب. فأنا أؤمن بأن المرأة يجب أن تستند الى رجل في حياتها، وأنا استند الى زوجي عصام عباس رئيس مجلس إدارة شركة المقاولين العرب للاستثمار. وماذا عن الغربة؟ - أراها غربة حوار، لا غربة مكان. وذلك حين تتحدث ولا يفهك المحيطون بك. وما الذي أسعدك يوماً؟ - يوم تم تعيين ابني وكيلاً للنائب العام، ويوم ولدت حفيدتي حبيبة. وما حكمتك؟ - "اللهم اكفني شر اصدقائي، أما اعدائي فأنا كفيلة بهم".