في قضية لا يصلح لها عنوان سوى «الهدر العام»، تنشر صحيفة «الرياض» عن حيازتها مستندات رسمية تثبت مخالفات صادرة عن ميناء الدمام، وصوامع الغلال في الرياض، تتضمن هذه المستندات تجاوزات خطرة في حمولة الشاحنات، ووفقاً للأوراق الرسمية، فإن شاحنات تتبع لشركات استيراد الأعلاف السائبة، تضرب عرض الحائط بقانون الحمولة المحددة للشاحنات على الطرق السريعة، وفيما تقوم وزارة النقل بغض الطرف عن تفعيل الموازين على الطرق السريعة، فإن الموانئ العاملة في الأسواق المحلية تسمح بخروج سيارات النقل من بواباتها الخارجية، محملة بعشرات الأطنان الزائدة، وبحسب ما ذكرت الصحيفة، فإن الحمولة تتجاوز الواحدة منها سبعين طناً، وتخالف الحمولة الوزن المسموح به بنسبة 90 في المئة تقريباً. ولكي نعرف النتيجة المترتبة على مخالفة تتم برعاية ثلاث وزارات، فإن النتيجة تجدونها في خبر آخر تنشره الصحيفة نفسها قبل ثلاثة أيام عن توقيع وزارة النقل عقد صيانة للطرق يتكلف ثلاثة بلايين ومئتين وثمانية وسبعين مليوناً وخمسمئة وأربعة وثلاثين ألفاً وسبعمئة وثمانية وثمانين ريالاً وثلاثة وثمانين هللة، «يا سلام على الدقة»! وإذا تركنا الهلل والكسور، فإن ما يساوي ثلاثة بلايين يذهب لصيانة الطرق وليس لإنشائها فقط، وأكثر ما يتسبب في هدر تلك الطرق هو تلك الشاحنات، التي تتركها وزارة النقل تعيث في الطرق فساداً. إن أغرب سياسة تنتهجها بعض الوزارات اليوم هي طريقة عملها الذي أصبح منهجاً معلناً لها، وهو الحرص على هدر المال العام، ونحن لا نتحدث عن الفساد الذي هو موضوع آخر بل عن الإهمال الذي منشأه غياب الرقابة على المال، ولأنه وبكل بساطة لا أحد يعتقد أن هناك جهات مسؤولة عن محاسبة الوزارات عن طريقة صرف الأموال، فهناك دائماً عناوين كبيرة تحث على عمليات الصرف، لكن لا أحد يتتبع طرق صرفها وجدواها وآثارها. حين يخرج المال من الخزانة فإن انتثاره في المجاهل، والسؤال عن جدوى عمله ونتائجه لا يعود من مسؤولية أحد. فمن يحاسب وزارة النقل عن استخدام البلايين لصيانة طرق لا ينبئ المستقبل بأنها تعتزم الحفاظ عليها، وستعود الشاحنات بالتأكيد لتدميرها، بعد ان تكلفت صيانتها كل هذه البلايين؟ القضية لا تخص وزراة النقل وحدها، بل تخص قضية أكثر شمولاً وهي مسؤولية الهدر العام، فثلاث وزارات تشهد مخالفة يومية واضحة وضوح الشمس، وتوافق على مرورها أمام عينها، ولا أحد يحاسب أحداً على خطأ لا يعرف أحد من المسؤول عنه... فلماذا نلومهم نحن أيضاً؟ [email protected]