خاصية الملكية أنها تضمن استمرارية الدولة واستقرار الأمة، حينما لبّى الملك محمد الخامس نداء ربه سنة 1961، كان أول عمل قام به المغفور له الحسن الثاني ان برّ بوعد والده في منح الامة نظاماً دستورياً عصرياً قبل نهاية سنة 1962. كان حكم جلالة المغفور له الحسن الثاني ميثاقاً للأمة المغربية حدد ثوابتها، وحقق وحدتها الترابية، وأرسى دعائم دولة عصرية، ورسخ مكانتها الدولية. اتسمت سنوات ملكه الاخيرة، بعطاء نوعي، بوضع المغرب على سكة الديموقراطية، والاعتناء بحقوق الانسان، والرقي بالجانب الاجتماعي والاقتصادي، والثقة التي كان يستشعرها حيال الشباب والعناية التي كان يوليها له ولقضاياه الملحة، وعلى رأسها التعليم والتشغيل، وهي خيارات سيدفع بها قدماً الملك المتوّج محمد السادس. وعلى الصعيد الديبلوماسي أعطى المغفور له دفعة جديدة، بتنقية الاجواء اقليميا، اذ عرفت العلاقات الثنائية مع اقطار الجوار: الجزائر وتونس ومصر وليبيا وموريتانا تطوراً نوعياً، وهو المحور الذي سيحرص عليه الملك محمد السادس. وعرفت العلاقات المغربية - الفرنسية أوجها، ونظرت الادارة الأميركية الى المغرب كفاعل أساسي في ملف الشرق الاوسط، وعامل تهدئة واستقرار في المنطقة، ولم يفتر جهد الملك الراحل في الدفع بالقضايا العربية وتنقية الاجواء والدفاع عن الحقوق العربية والفلسطينية المشروعة والدفع بمسلسل السلام، وكان ينظر الى القارة السمراء بأنها الجذور المغذية للمغرب. هاته الثوابت التي أرساها الملك الراحل تشكّل ميثاقاً للملك محمد السادس الذي هو ضامن استمرارية الدولة المغربية، وخياراتها الداخلية والخارجية، وضامن استقرار الأمة. ليست الورش التي أنكب عليها الملك الراحل ولا القضايا التي عالجها جديدة على الملك المتوج محمد السادس، لقد كان له نشاط ثري على المستوى الداخلي، وهو ولي للعهد، مما أكسبه شعبية كبيرة، واضطلع بدور ديبلوماسي مكثف سواء بمتابعته للملفات الديبلوماسية الكبرى، أو معرفته بقادة هذا العالم، مما جعله وجهاً مألوفاً على الصعيد العالمي. كان الملك الراحل يستشهد دوماً بمقولة للأديب الفرنسي بوفون من "أن الاسلوب هو الرجل نفسه"، ولا شك في ان الملك محمد السادس سيطبع السياسة المغربية بأسلوبه الخاص، على اعتبار ان الوضع الذي يرثه كان مغايراً لذلك الذي ورثه الملك الراحل، وعلى اعتبار نوعية المشاكل... بيد أن أسلوبه مستوحى من مدرسة الحسن الثاني، التي هي الوفاء لثوابت الأمة المغربية ومعانقة قضاياها المصيرية، والاهتمام بقضايا الشعب الملحة... كان للملكية في المغرب دوماً عمق شعبي، وهو سر دوامها وتجددها. * رئيس مركز طارق بن زياد للدراسات والأبحاث.