في خضم التطور التكنولوجي الهائل وثورة المعلومات، اصبحت قدرات الشعوب وامكاناتها لا تقاس بامتلاك المعرفة فقط ولكن بكيفية إعداد ابنائها للحصول على المعلومات وإثراء نموهم المعرفي، لما لذلك من تأثير مباشر في تحصيل الاطفال ونجاحهم في المراحل التالية. وفي اطروحة هي الاولى من نوعها في مصر، اعدتها الباحثة صفاء أحمد محمد لنيل درجة الماجتسير من كلية البنات في جامعة عين شمس تحت عنوان "مدى فاعلية برنامج بورتاج على النمو المعرفي لطفل ما قبل المدرسة"، اشارت الى ان معظم الدراسات السيكولوجية المعاصرة اكد على اهمية التعليم من خلال خبرات الحياة التي يتعرض لها الطفل اثناء تعامله مع والديه، وأهمية دور الاسرة في الارتقاء بنمو الطفل، واهمية الدور الحيوي الذي يقوم به الآباء في البرامج المقدمة الى ابنائهم، وتأثير برامج التدخل المبكر التي تعتمد على الاسرة. ووجدت الباحثة، من خلال الملاحظة المباشرة لسلوكيات الاطفال والتعامل معهم، أن هناك اختلافاً في استجابات الاطفال في مرحلة ما قبل المدرسة لمواقف التعلم المختلفة التي تتناول مهارات النمو المعرفي، إذ يُظهر بعض الاطفال الايجابية في تعلم هذه المهارات في حين نجد اطفالاً آخرين قد يظهرون سلوكاً أو اداء للمهارة ينطوي على تأخر او نقص عند مقارنته بمجموعة من أقرانه، على رغم ان هؤلاء الاطفال يتمتعون بذكاء عادي وليس لديهم أي نوع من الإعاقات. ومن هنا اصبحت الحاجة ماسة الى ايجاد البرامج التي تهتم بهذه المرحلة. وتوافر لدى الباحثة احد هذه البرامج وهو "برنامج بورتاج portage" الذي تأسس في قرية تحمل الاسم نفسه في الولاياتالمتحدة الاميركية العام 1969، نتيجة لاهتمام مجموعة من المتخصصين في مجال علم النفس والتربية بالاطفال الذين لديهم احتياجات خاصة ومنخفضي المستوى الاجتماعي والاقتصادي ومتأخري النمو ومن لديهم صعوبات تعلم ومشكلات سلوكية ونفسية وصعوبات لغوية وتأخر اجتماعي والمعرضين لخطر الانحراف. ويعتمد البرنامج بصورة اساسية على الاسرة في تقديم المساعدات للطفل لتطوير مهارات النمو لديه، إذ تقوم مجموعة من فريق العمل في البرنامج بزيارة للأسرة التي لديها طفل يحتاج الى مساعدة خاصة وتقدم الاستشارات اللازمة لتعاملها مع هذا الطفل. كما يعتمد البرنامج على الروتين اليومي للاسرة باعتباره تكتيكاً يمكن من خلاله تقديم الخدمات، فهو أسلوب يتسم بالتدريس المنزلي من خلال دور الآباء باعتبارهم مدرسين لأطفالهم. فالبرنامج يساعد الآباء في تعليم اطفالهم المهارات وأنشطة الحياة اليومية، والتحكم في السلوك غير الملائم. وكذلك يُسمح للآباء بملاحظة تقدم اطفالهم، بالاضافة الى اعطائهم الفرص لتحسين استخداماتهم للمواد الموجودة في البيئة المحيطة بالطفل وتوظيف هذه المواد في النواحي التعليمية. ومن هذه المواد، على سبيل المثال، اللُعب التي في حوزة الطفل. واتسعت خدمات برنامج "بورتاج" لتشمل خدمة الاطفال في معظم بلاد العالم ومنها كندا وبوليفيا وايطاليا وهونغ كونغ وباكستان واليابان وفنلندا والفيليبين وانكلترا. واقيم ما يزيد عن مئتي مشروع من مشاريع برنامج بورتاج في تلك الدول خلال السنوات العشر الماضية. اما بالنسبة الى الدول العربية، فإن مصر تعد اولى الدول التي اهتمت بالبرنامج. ويعنى البرنامج بأطفال مرحلة ما قبل المدرسة الذين يعانون من بعض المشاكل الخاصة مثل التأخر البسيط عن اقرانهم في الفهم والادراك، وأداء المهارات المطلوبة والتأخر اللغوي. ويعتمد البرنامج على اسلوب اللقاءات أو المقابلة بين أحد الوالدين ومُعلمة رياض الاطفال. واجرت الباحثة دراستها على عينة من 68 طفلاً من الذكور والاناث المتجانسين من حيث الذكاء والنمو المعرفي وتتراوح اعمارهم بين 4 و6 سنوات. وتم تقسيمهم الى مجموعتين متساويتين: احداهما مجموعة تجريبية وتضم الاطفال الذين تعرضوا لبرنامج التنمية الشاملة للطفولة المبكرة بورتاج، والاخرى المجموعة الضابطة التي اكتفي بتعرضهم للبرامج التقليدية في دور الحضانة. ولاحظت الباحثة أنه توجد فروق ذات دلالة احصائية في النمو المعرفي، وكذلك نسبة الذكاء لمصلحة المجموعة التي طبق عليها برنامج بورتاج وانه لا توجد فروق في النمو المعرفي للاطفال الذكور والاناث داخل المجموعة ذاتها. وأوصت الباحثة في نهاية دراستها بضرورة الاهتمام ببرامج إرشاد وتدريب الوالدين ومعلمات رياض الاطفال حول طبيعة الطفولة في تلك المرحلة ومعاييرها ومعدلاتها النمائية ومتطلبات رعايتها، واهمية نشاط اللعب عند اطفال هذه المرحلة وما يتطلبه من توفير المواد والادوات والاماكن الملائمة للعب وتنمية الوعي التربوي في الاسرة ورياض الاطفال بقيمة اللعب باعتباره مدخلاً طبيعياً للتعليم والنمو السوي في هذه المرحلة، وتنمية الوظائف العقلية العليا مثل التصنيف والتسلسل والزمان والمكان ومفهوم العدد والوزن والطول والاشكال والاحجام، وكذلك اتاحة الفرصة للطفل لفحص الاشياء والأدوات الموجودة امامه والمحيطة به وتمكينه من لمسها والامساك بها واستخدامها وفكها وتركيبها لإكسابه الخبرات والمهارات المختلفة.