درسنا كثيرا عن مراحل النمو العقلي لدى الإنسان في طفولته، نظريات متداخلة أكثر مما هي متناقضة عن الذكاء ومفهومه، والجدل يطول عن مفهوم اكتساب الذكاء وعلاقة الموروثات المعينة بطريقة التفكير أو اكتساب المعرفة. يتحدث الكثيرون عن مقاييس الذكاء ويرفضها البعض الآخر، هناك من يحدد العقل بخلايا الدماغ وامتدادات الخلايا العصبية والمسارات الحيوية داخلها، وهناك من يناقش العلاقة بين الموروثات الجينية وبين المكتسبات البيئية والدور الذي تقومان به في تحديد الهوية أو العقلية أو الذكاء للإنسان وهناك من يتحدث عن مكونات الذكاء ومكتسباته. وكل هؤلاء يحاولون أن يفهموا ميكانيكية التفكير وديناميكية الذكاء بدءا من سبيرمان مرورا بجاردنر الذي يناقش وجوه الذكاء المختلفة ونهاية بستيرنبرج الذي يعتقد بأهمية المهارات الابداعية والتحليلية والعملية كركائز أساسية للذكاء. هذه النظريات المختلفة واكبها محاولات لفهم بيولوجية عمل المخ، ودراسة تأثيرات المحفزات المختلفة على الاستجابة العقلية، بالإضافة إلى البحث في موروثات ذات علاقة بالمكتسب المعرفي لدى الإنسان. إذا اتفقنا أن الذكاء بمفهومه العام يعتمد على قابلية التعلم من التجارب لتحقيق التوافق مع البيئة، فإننا قد نجد إجابة تحدد معنى الذكاء العقلي الذي يعتمد على التراكم المعرفي. لو نظرنا للطفل في تطوره العمري، وبدأنا بتحديد مدى تواصله مع بيئته، لربطنا ذلك بمراحل معينة في نموه، عند بداية جلوس الطفل يختلف تفاعله مع ما حوله لأن زاوية النظر تغيرت واتسعت، حين يتحكم الطفل بحركة رقبته يبدأ بتحريكها فيتسع مجاله البصري، حين يبدأ في التركيز في الوجوه حوله يبدأ بالمحاكاة والتقليد. بداية تواصل الطفل اللغوي بنطق حروف "با، دا، ما" لا تختلف باختلاف اللغة، لكنها تتحدد بعد ذلك بما يتعلمه ممن حوله، ليقرأ ويكتب ويكتسب لغات ومعلومات. الدهشة التي يملكها هذا الطفل، تدفعه للتعرف على كل ماحوله، يتابع بنظره، يمسك بيديه يحاول أن يقرب ما يمسكه إلى فمه يحرك الأشياء، يقذفها بعيدا، يتحرك نحوها زاحفا أو ماشيا أو مادا يديه. كل هذه طرق ووسائل يتعلم فيها الطفل ويتفاعل مع البيئة المحيطة به. لايفقد الطفل الرغبة بالمعرفة، تتكاثر الأسئلة حين يكبر قليلا، يبحث عن إجابة، يتحرك خياله وهو ينسج قصصا حين يلعب بألعابه. الطفل نموذج معرفي، فأين الطفل الذي بداخلك؟ هل ما زال يريد أن يعرف؟ هل مازال يملك الدهشة؟ هل مازال يبحث عن إجابة؟ هل ترى العالم بعيني طفل يكتشف أم بعيني واهم يظن أنه يعرف كل نتوءات الأرض وكل نجوم السماء؟