اتخذ امير البحرين الشيخ حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة سلسلة مبادرات مثيرة للاهتمام، إنعكست بسرعة ملحوظة على المناخ الداخلي للبلاد، كما دفعت باتجاه تعزيز مكانتها الاقليمية. ونجاح الأمير الشيخ حمد في اطلاق هذه المبادرات، التي سنأتي على ذكر بعض منها، يعود الى أسباب جوهرية ذاتية وموضوعية، أبرزها شخصية الامير نفسه، اذ يتسم بالشفافية في علاقته بعامة المواطنين، كما يعرف في الوقت نفسه بالمنهجية والعلمية في ادارته للشأن العام. وهو صاحب تجربة ادارية وسياسية متميزة. وثاني عوامل النجاح هذه، حال التعاضد الوثيق القائم بين الامير الشيخ حمد وعمه رئيس الوزراء خليفة بن سلمان، وهو رجل دولة مخضرم قاد بنجاح مشهود التجربة الوزارية للبحرين منذ نيلها الاستقلال. الى ذلك، يبرز عامل آخر، لافت للانتباه، بمعايير الحياة السياسية العربية، هو مبادرة الأمير الشيخ حمد لتشكيل طاقم استشاري خاص، يحمل صفتي التكامل والاحتراف، تألف من مجموعة من الخبراء البحرينيين، المتميز كل منهم في مجال اختصاصه. وبدا من الواضح ان هذه الخطوة أتاحت للأمير المزيد من المرونة، وأعانته في نشاطه ضمن النطاقين المحلي والخارجي. في احدى مبادراته الاساسية، أصدر الامير الشيخ حمد مرسوماً بالعفو عن مئات من المحكومين والموقوفين والمقيمين خارج البلاد. وكان الامير الراحل المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان أصدر بعيد حرب الخليج مرسوماً بالعفو عن معظم المعتقلين والموقوفين والمقيمين في الخارج. وجاء المرسوم الاميري الجديد ليحمل جملة من المضامين والدلالات الخاصة، أبرزها انه يأتي مع بداية العهد الجديد، مما يؤكد ان الامير أراد فتح صفحة جديدة مع كل المواطنين، واتجه لتحويل الآمال المعلقة عليه الى حقائق ملموسة على الارض. كذلك، يأتي المرسوم الاميري بعد انتهاء الاحداث التي مرت بالبلاد اعتباراً من منتصف هذا العقد. وهنا مَثَل المرسوم رسالة الى العالم الخارجي مفادها ان الاستقرار في البحرين بات حقيقة لا جدال فيها. واذا كان صدور مراسيم بالعفو عن معتقلين على خلفيات أمنية من الامور المتعارف عليها في الدول الحريصة على صون وحدتها الوطنية، فان السياسة التي اتبعتها الدولة البحرينية مع المواطنين المفرج عنهم، تُعد سياسة نادرة من نوعها بالكثير من المعايير" فقد حرصت الجهات المعنية على توفير مناخ ملائم لكل شخص مفرج عنه" فدفعت باتجاه استكمال التعليم المدرسي أو الجامعي لمن كانوا في مقاعد الدراسة، وسعت لاعادة من كانوا في مواقع العمل الى وظائفهم، أو الى وظائف جديدة مناسبة. ويمكن القول حرصت السلطات البحرينية بسياستها هذه على كسب الحاضر والمستقبل معاً، وذلك من حيث صانت مقومات الاستقرار الاجتماعي والحياتي لدى الافراد. وفي مبادرة اخرى، مثيرة للاهتمام ايضاً، قام الديوان الاميري في شهر محرم الماضي بتوزيع مساعدات عينية على المآتم الحسينية في البحرين. وبضرب قيمة الاعانة الواحدة في عدد الاعانات يخرج المراقب بنتيجة مفادها ان الديوان الاميري دفع مبلغاً مالياً على درجة رقمية مهمة. وبطبيعة الحال، من الصعب على المراقب في الخارج ان يدرك كل أبعاد مثل هذه المبادرة، وماذا تعنيه تماماً بالنسبة لبلد كالبحرين. بيد ان المواطن البحريني كان من دون ريب سريعاً في فهم مضامينها الوطنية والاجتماعية، فضلاً عن مضمونها الديني نفسه. ان المدلول الديني لهذه المبادرة أتى في سياق نهج الامير الشيخ حمد الخاص برعاية المؤسسات الدينية في البلاد، وهو نهج ورثه من والده المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان. أما المدلول الوطني للمبادرة، تمثل في وقوف الامير الشيخ حمد على مسافة واحدة من كل المواطنين، بغض النظر عن خياراتهم المذهبية والاجتماعية. وفي موازاة الجهود الرامية الى تعزيز التعايش الوطني، نشطت السياسة البحرينية بصورة ملحوظة في اتجاه تأكيد الانفتاح الاقليمي والدولي. بل يمكن القول ان الشهور الثلاثة الماضية شهدت نشاطاً ديبلوماسياً على درجة من التركيز والكثافة غير المسبوقة في الحياة السياسية البحرينية. وزار الشيخ حمد، بصفته أميراً للبحرين، كلاً من المملكة العربية السعودية والاردن ومصر، وزار مرتين دولة الامارات العربية المتحدة. وكما أوحى سير المداولات، لم تكن هذه الزيارات محصورة في نطاق الاهتمامات الثنائية، بل أتت لتعبر عن رغبة بحرينية في تنقية المناخ السياسي العربي، وتفعيل جهود العمل العربي المشترك. كذلك، جاءت زيارة الامير الشيخ حمد الاخيرة الى دولة الامارات العربية المتحدة لتؤكد حضور البحرين في رعاية البيت الخليجي، والمحافظة على تماسكه. وذلك على رغم انها لم تدخل في مشاريع وساطة في المعنى الرسمي. وفي الخلاصات النهائية، لا بد من التأكيد على ان المسار الراهن للسياسة البحرينية، على الصعيدين الداخلي والخارجي، من شأنه ان يعزز استقرار البلاد ويدعم مسيرة التعايش الوطني فيها، لما سيتيح لها المزيد من الحضور الاقليمي والدولي. * كاتب بحريني.