استدامة الحياة الفطرية    قدرات عالية وخدمات إنسانية ناصعة.. "الداخلية".. أمن وارف وأعلى مؤشر ثقة    "الداخلية" تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    24 فائزاً بجائزة "مدن للتميز" في 7 مسارات    إعداد خريجي الثانوية للمرحلة الجامعية    "فُلك البحرية " تبني 5600 حاوية بحرية مزود بتقنية GPS    تمديد مهلة تعاقد البنوك مع شركات تحصيل الديون    الذكاء التكاملي بين الإنسان والتقنية    إبراهيم الفريح أميناً عاماً لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    5.5% تناقص عدد المسجلين بنظام الخدمة المدنية    فريق علمي لدراسة مشكلة البسر بالتمور    هجوم ألمانيا.. مشهد بشع وسقوط أبشع!    استراتيجية الردع الوقائي    قنابل حرية التعبير    غارات الاحتلال تقتل وتصيب العشرات بقطاع غزة    آبل تطور جرس باب بتقنية تعرف الوجه    مركز الملك سلمان ينظّم «منتدى الرياض الدولي الإنساني»    26 مستوطنة إسرائيلية جديدة في عام 2024    برامج رياضية وشعبية تدمر المجتمع !    احترم تاريخ الأخضر يا رينارد    محمد بن سلمان... القائد الملهم    في الجولة الثانية من خليجي 26.. منتخب قطر يواجه عمان.. والكويت تلاقي الإمارات    عثرة البحرين    الأخضر يعاود تحضيراته.. الإصابة تبعد الشهري    العقيدي: فقدنا التركيز أمام البحرين    وتقاعدت قائدة التعليم في أملج.. نوال سنيور    «بعثرة النفايات» تهدد طفلة بريطانية بالسجن    رشا مسعود.. طموح وصل القمة    تشريعات وغرامات حمايةً وانتصاراً للغة العربية    تنمية مهارات الكتابه الابداعية لدى الطلاب    منصة لاستكشاف الرؤى الإبداعية.. «فنون العلا».. إبداعات محلية وعالمية    محافظ جدة يطلع على برامج "قمم الشبابية"    «مجمع الملك سلمان العالمي» يستقبل الدفعة الثانية من طلاب»أبجد»    تنوع ثقافي في سابع أيام مهرجان الرياض للمسرح    سيكلوجية السماح    عبد المطلب    زاروا معرض ومتحف السيرة النبوية.. ضيوف «برنامج خادم الحرمين» يشكرون القيادة    التشريعات المناسبة توفر للجميع خيارات أفضل في الحياة    طريقة عمل بوش دو نويل    سعود بن بندر يلتقي مجلس «خيرية عنك»    "المظالم" يفتح التقديم للتدريب التعاوني    تجويد خدمات "المنافذ الحدودية" في الشرقية    خادم الحرمين يرعى منتدى الرياض الدولي الإنساني    مهرجان فنون العلا 2025 معارض لفنانين سعوديين وعالميين    الصحة توقع اتفاقية لتعزيز التعاون في الإمدادات الطبية والصحة العامة    ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة يصلون مكة ويؤدون مناسك العمرة    أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    القبض على شخص بمنطقة الحدود الشمالية لترويجه «الأمفيتامين»    «مستشفى دلّه النخيل» يفوز بجائزة أفضل مركز للرعاية الصحية لأمراض القلب في السعودية 2024    كافي مخمل الشريك الأدبي يستضيف الإعلامي المهاب في الأمسية الأدبية بعنوان 'دور الإعلام بين المهنية والهواية    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    «الحياة الفطرية» تطلق 66 كائناً فطرياً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    تجمع القصيم الصحي يعلن تمديد عمل عيادات الأسنان في الفترة المسائية    نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العرب والإسرائيليون : الصهيونية تطوي راياتها
نشر في الحياة يوم 22 - 07 - 1999

لعل من أبرز علامات التوافق أو التقارب العربي - الإسرائيلي راهناً، وربما مستقبلاً، هي تلك المتعلقة برؤية الصيهونية ومستقبلها.
إسرائيلياً، لخص بنيامين نتانياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، وضع الصهيونية حالياً بقوله لصحيفة "معاريف" في 13 حزيران يونيو الماضي، إن "الصهيونية تطوي راياتها"، وباعترافه بأن الشعب الإسرائيلي تعب من الصهيونية وأنه مرهق و"يلهث فوق قدر اللحم لأنه يريد أن يكون مثل باقي الشعوب". وتكمن أهمية هذه الشهادة وضرورة التوقف عندها في كونها صادرة عن شخص هو، باعتراف الليكوديين الحاليين وغيرهم، الممثل الأبرز للتطرف الصهيوني وحامل لواء الصهيونية الساعي من أجل أهدافها وتحقيق مجدها الأكبر. وقد عمل من أجل ذلك على امتداد ثلاث سنوات من تسلمه رئاسة الحكومة الإسرائيلية، إلا أنه بانتهاء تلك السنوات حصد وحزبه هزيمة قاسية جداً في انتخابات أيار مايو الماضي كان من نتيجتها ان عاد عقوداً عدة إلى الخلف من حيث عدد المقاعد التي يشغلها في الكنيست.
وتعد شهادة نتانياهو هذه الثانية من نوعها التي يقولها زعيم ليكودي متطرف، فقد سبقه إلى الادلاء بمثلها اسحق شامير رئيس وزراء إسرائيل السابق عندما أعلن عقب فشله والليكود في انتخابات 1992 أن نتائج الانتخابات تعكس تخلي الاسرائيليين عن الصهيونية وابتعادهم عنها وعن أرض إسرائيل.
وإسرائيلياً أيضاً، يجدر التذكير بهذا الصدد بالتيار الجديد في إسرائيل المؤرخون الجدد الداعي إلى ما يوصف ب"ما بعد الصهيونية"، والذي يشير ضمناً إلى أن الصهيونية أصبحت جزءاً من الماضي وان ما تعيشه إسرائيل الآن وتتجه إليه مستقبلاً هو مرحلة ما بعد الصهيونية. وربما كان الأدق القول بأنه مرحلة "الإسرائيلية".
وفي خلفية هذه الطروحات يزداد الجدل والاستقطاب في إسرائيل بحثاً وسعياً للخروج من إشكالية الهوية فيها: هل هي يهودية أم صهيونية أم إسرائيلية؟ وهل يمكن الجمع والتوليف بين هذه الهويات الثلاث في هوية واحدة؟ وإلى متى يمكن التعايش مع حالة الانقسام حول هذه الهويات، خصوصاً بعد أن بدأ التيار الديني في استقطاب جزء مهم من الشارع الإسرائيلي واحتلال عدد يتزايد باستمرار في الكنيست 27 مقعداً في الكنسيت الجديد.
وتبرز في خضم هذا الجدل دعوات إلى اعتماد "الإسرائيلية" كهوية أولى وأساسية لليهود الذين يعيشون في إسرائيل مع إبقاء الصهيونية كهوية لليهود الذين يعيشون خارجها بوصفها "حركة إحياء وبعث قومي يهودي لدفع اليهود إلى الهجرة إلى إسرائيل والتضامن معها". ويترافق البحث عن حل لهذه الاشكالية مع البحث عن حل لإشكالية أخرى مرتبطة بها ارتباطاً عضوياً، وهي إشكالية حدود إسرائيل وتعيينها. فلن يكون بمقدور إسرائيل أن تعيش إلى الأبد من دون تعيين هذه الحدود، وقد انتهى الزمن الذي كان بمقدورها ان تحتل المزيد من الأراضي وان تضمها إليها، فما حصل في 1948 و1949 لم تستطع تكراره ثانية على رغم المساحات الشاسعة التي احتلتها في 1967 و1982 من الأراضي العربية الموصوفة إسرائيلياً بأنها أجزاء من أرض إسرائيل الكاملة.
عندما يتحدث قادة ليكود بألم عن ابتعاد الإسرائيليين عن الصهيونية وتعبهم منها، إنما يتحدثون عن الصهيونية بوصفها الايديولوجيا التوسعية التعبوية من أجل تكريس احتلال الأراضي العربية وتهويدها ومن أجل احتلال المزيد من الأراضي العربية مستقبلاً، أي الصيهونية بوصفها حركة عدوانية توسعية هادفة إلى بناء امبراطورية إسرائيلية تمتد من الفرات إلى النيل في حدها الأقصى، أو بناء دولة على كامل أرض فلسطين بحدودها في زمن الانتداب في حدها الأدنى. وهم يعتبرون أنفسهم وحزبهم، منذ معلمهم الأول جابوتنسكي، الممثل الواضح والصريح، بل الشرعي والوحيد للصهيونية وأهدافها. ويعتقدون ان تصويت الإسرائيليين لحزب العمل وقادته يعني ابتعادهم عن الصهيونية.
أما وقد انتخب الإسرائيليون في أيار مايو الماضي قائمة حزب العمل 26 مقعداً وقوائم الأحزاب العلمانية 28 مقعداً لكل من ميرتس وشينوي والوسط والمهاجرين الروس، وقائمة حركة شاس 17 مقعداً مقابل 19 مقعداً فقط لليكود، فهذا يعني، حسب قراءة واستنتاج نتانياهو، ان "الصهيونية تطوي راياتها"، ويعني، حسب تنبؤاته المستقبلية "ان إسرائيل ستتنازل بشكل خطير وحاد: الانسحاب من الجولان، إن لم يكن حتى خط المياه فعند نقطة قريبة منه، وتقديم تنازلات كبيرة للفلسطينيين، والدولة الفلسطينية ستقوم، وكل محاولات فرض القيود عليها، ستصمد لفترة قصيرة فقط"، وستصبح إسرائيل بالتالي "دولة منكمشة، تواجه أعداء أقوياء في داخل حدودها المضغوطة"، فانسحاب إسرائيل من الضفة والقطاع والجولان وجنوب لبنان هو، حسب رأي نتانياهو، انسحاب أو تخل عن الصهيونية صهيونية الأرض وعودة إلى الحدود التي استقرت فيها عام 1949 مقابل الحصول على السلام مع العرب.
حين جاء الليكود إلى سدة الحكم في إسرائيل في أيار 1977 ظن قادته أنه سيكون بمقدورهم تحقيق الأهداف الصهيونية التي يسعون إليها، إلا أنهم اخذوا بزيارة السادات بعد أشهر واضطروا إلى الانسحاب الكامل من كل سيناء مقابل معاهدة سلام مع مصر. وحين حاولوا تحقيق أهدافهم في لبنان في 1978 و1982 فشلوا في ذلك واضطروا إلى القبول بالقرار 425 والإعراب عن استعدادهم لتنفيذه بعد عشرين عاماً على صدوره ورفضهم له. وعلى رغم كل ادعاءاتهم بأن الضفة والقطاع أرض إسرائيلية محررة، لم يتجرأوا على إصدار قرار بضمها إلى إسرائيل، وقبلوا من ثم باتفاق أوسلو ووقعوا اتفاق واي بلانتيشن. وحين تم توقيع معاهدة السلام مع الأردن، صوتوا بالايجاب لها متخلين عن الادعاءات في برنامجهم الأصلي والقائلة بأن الضفة الشرقية جزء من أرض إسرائيل.
جاء ليكود إلى الحكم مع بداية استراتيجية السلام العربية، بعيد حرب تشرين الأول اكتوبر 1973 على أمل تدمير هذه الاستراتيجية في المهد، وهو يخرج من الحكم الآن وهذه الاستراتيجية تكاد تحقق أهدافها بعد أن فشل في تحقيق أهدافه. إن انسحاب إسرائيل من كل ما احتلته من أراضٍ منذ 1967، إذا تحقق، سيكون انكفاءً للصهيونية كحركة توسعية، ويفترض ان يكون مقدمة لاعتماد الإسرائيليين الهوية الإسرائيلية كخيار أمثل للخروج من اشكالية الهوية والانتماء، كي تصبح إسرائيل بالتالي في حدود ما قبل 1967 دولة لكل مواطنيها، كما تطالب بذلك التيارات العلمانية والديموقراطية فيها. والسعي من أجل تحقيق هذا الهدف الانسحاب وبالتالي أسرلة إسرائيل كبديل عن صهيونيتها، يكمن في جوهر استراتيجية السلام التي اتبعتها الدول العربية والقائمة على محاصرة إسرائيل بمبادرات ومعاهدات السلام.
وفي انتظار ذلك، وعلى الطريق إليه، غيّب الخطاب العربي الرسمي الحديث عن الصهيونية وإسرائيل كعدو. فالخطاب الرسمي العربي لم يعد يتحدث عن "الكيان الصهيوني" وعن "العدو الصهيوني" وعن "الاحتلال الصهيوني"، واستبدل ذلك الحديث عن إسرائيل بدل الكيان الصهيوني وعن الاحتلال الإسرائيلي بدل الاحتلال الصهيوني. وغابت عن هذا الخطاب أيضاً المقولة الجوهرية القديمة القائلة بأن الصراع مع الصهيونية وإسرائيل هو "صراع وجود لا صراع حدود" بعد أن أصبح الصراع بمقتضى استراتيجية السلام، صراع حدود بالفعل "وهو صراع سياسي وديبلوماسي أكثر منه حربي عسكري"، لا صراع وجود، بعد أن أقر العرب جميعاً على مستوى القمة بحق إسرائيل في الوجود وقبلوا بمبدأ إقامة علاقات طبيعية وعادية معها. فإسرائيل التي ينشد العرب السلام معها هي إسرائيل بدون الصهيونية أو إسرائيل ما بعد الصهيونية، أو إسرائيل الإسرائيلية، وقد عادت إلى حدود ما كانت عليه قبل 1967، وان تكف عن التفكير والاستعداد للعدوان من أجل مزيد من الاحتلال والتوسع والهيمنة، وان تعيش بسلام حقيقي مع العرب.
إن تغييب الحديث عن الصهوينية والتنديد بها عن الخطاب الرسمي العربي، بقدر ما هو استجابة لمطلب إسرائيلي بعدم التعريض بالصهيونية، وبقدر ما هو استجابة عربية لمتطلبات السلام القادم مع إسرائيل، فهو يعكس أيضاً قراءة عربية تشير إلى انحسار الصهيونية وفشلها، ويعكس توافقاً واقتراباً عربياً مع التيارات الإسرائيلية الداعية إلى "ما بعد الصهيونية" والقائلة بأن الصهيونية تطوي راياتها.
* كاتب فلسطيني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.